الذين مازالوا يفكرون بعقلية: «إنّا وجدنا آباءنا على أمة».. ويغمضون أبصارهم وبصائرهم عن نور الحقيقة الساطع.. وينقادون وراء الأفكار الضالة، والمفاهيم المنحرفة، ويدّعون أنهم على هدى وحق، لا يرتقون أبداً إلى مصاف العلماء العاملين الورعين، بل هم في غياهب الجهل والضلال والخواء الروحي والقيمي والأخلاقي.. فمثلهم كمثل الأنعام بل أضل مصداقاً لقوله تعالى: «وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أوَلو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون» «المائدة - 8». فالقرآن الكريم حريص كل الحرص على استخدام العقول في الإيمان الحقيقي الذي يرافقه دائماً العلم النافع والصالح.. أما الذين يعطلون عقولهم، وينقادون وراء سراب أجدادهم وآبائهم الأولين مدعين أنهم من السلالة الطاهرة، فهم موهومون وفي غيهم وضلالهم سادرون.. تلك دعاوى المارقين الذين يزعمون أن الجنة لن يدخلها إلا من كان من سلالتهم ومن أنصارهم وأتباعهم.. وهذا الجهل بعينه.. فالإسلام دين اليقين بل عين اليقين لا الظن.. ولكن أكثر الناس لا يعلمون.. وصدق المولى عز وجل القائل: «وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون« «الانعام 5». فالجماعات التي تدعي أنها على حق وغيرها على باطل، هي جماعات متطرفة، وقياسها قياس عرقي وسلالي وطائفي، وهذا ما يرفضه الإسلام جملةً وتفصيلاً.. فالإسلام لا يعترف بالأحساب، ولا الأنساب، ولا بالسلالات، ولا بالبيوتات الدينية.. فقد قال عليه الصلاة والسلام في هذا السياق: «سلمان منا آل البيت» رغم إنه من أصل فارسي.. فالرجال لا تقاس بأصلها وفصلها، وإنما بالتقوى والعمل الصالح.. وخاطب القرآن الكريم سيدنا نوح عليه السلام يصف ولده بأنه ليس من صلبه ولا من أهله.. كما جاء في قوله تعالى: «إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح».. هذا هو معيار الأفضلية الحقيقي في نظر الاسلام، ما دونه باطل وضلال.. لذلك كان من الحكمة والعقل والمنطق التخلي عن معيار الأفضلية الذي يتشبثون به أصحاب تلك المذاهب الضالة المضلة في أحقية البطنين في الحكم والإمامة والخلافة.. وهم يحصرون الأئمة في اثني عشر إماماً معصوماً.. وكلنا يعلم علم اليقين أن العصمة لا تكون إلا للأنبياء والرسل.. دون ذلك افتراء وشعوذة وهراء، ودجل.. وإذا رجعنا إلى كتب ومراجع الزيدية ومسند الإمام زيد بن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه وأرضاه - مؤسس المذهب الزيدي لم يصرح، ولم يلمح حتى ولو إيماءة.. لا من قريب.. ولا من بعيد بأحقية البطنين بالإمامة أو الحكم إطلاقاً.. أما الذين يحاولون اليوم فرضها بقوة السلاح والعنف والفوضى الخلاقة.. فالإسلام بريء كل البراءة من أعمالهم الإجرامية المنافية لكل القيم الإنسانية والتعاليم الإسلامية التي تدعو إلى حقن الدماء وصون الأعراض، فلا يجوز شرعاً، ولا عرفاً، ولا قانوناً، قتل الناس، وسفك الدماء، وتدمير المساجد، والمدارس، وترويع الآمنين.. من أجل مصالح شخصية.. أو مكاسب سياسية أو زعامة دينية.. المستقرئ في تاريخ الأئمة في اليمن يتضح له أن حكمهم كان وبالاً ودماراً على الوطن، أرضاً وإنساناً.. لأنه قاد اليمن إلى صراعات دموية.. ونعرات عنصرية ومذهبية أهلكت الحرث والنسل منذ أواخر القرن الثالث الهجري إلى أواخر القرن الرابع عشر الهجري.. فالأئمة الذين حكموا اليمن منذ فترات سابقة لم ينجحوا في إرساء دعائم حكم دولتهم، وقد مات معظمهم وهم يخوضون الحروب والمعارك ضد معارضيهم ومناوئيهم. واليوم يكررون نفس أخطاء الماضي والادعاء بأنهم أحق بالحكم والإمامة والخلافة.. ولكن مصيرهم الفشل والهزيمة النكراء.. لأنه ما بني على باطل فهو باطل.. وما أُسس على جرفٍ هارٍ فهو ساقط لا محالة، عاجلاً ام آجلاً بمشيئة الله تعالى.. ولنا في قصص القرآن الكريم دروس وعبر وعظات يا أولي الألباب!!..