الإجهاض عمل يقصد به إخراج الكائن الحي الجديد في مرحلته الجنينية وقبل اكتمال نموه وبلوغه مرحلة الميلاد. والإجهاض كمفهوم سياسي . استباق اكتمال الظرف الموضوعي بأعمال تقتل الثورة في مرحلتها الجنينية , وقد استخدمه مثقفون ماركسيون في وصف الثورة الناصرية , لكونها إجهاضاً للثورة الاشتراكية . يحدد علماء الاجتماع السياسي للثورة ثلاثة عناصر هي : الظرف الموضوعي , أي توافر الأسباب المحفزة للفعل الثوري , والفكر الثوري أي الإطار النظري المرجعي للفعل الثوري وأهدافه ووسائله , ثم الأداة الثورية , أي التنظيم الذي يقود العمل الثوري ويوجه حركته في المجتمع والدولة, وأي تحرك ثوري قبل اكتمال هذه العناصر يمثل إجهاضاً للثورة واغتيالاً لحركتها في المكان والزمان المناسبين . وبمراجعة أحداث العام 2011م في بعض الأقطار العربية , سوف نرى أن تلك الانتفاضات الشعبية , تحركت في الواقع , ممتلكة عنصر الظرف الموضوعي المبرر لحركتها , ومفتقدة لعنصري البرنامج الثوري وأداته التنظيمية , وهذا ما جعلها إجهاضاً للثورة واغتيالاً لحركتها المكتملة , بوضوح رؤيتها للتغيير في شقيه : هدم وإسقاط النظام القديم , ثم إقامة بناء بديل, وهذا أمر لم تنتبه إليه قوى الثورة والمكونات السياسية التي انخرطت فيها , ممثلة لأحزاب المعارضة , فلم تبادر إلى صياغة البرنامج الثوري , وتأطير القوى الثورية في تنظيم ثوري قائد. لكن هل كان على قوى الثورة تأجيل فعل الانتقاض الشعبي انتظاراً لاكتمال عناصر الثورة كاملة، بالتأكيد لا , ولكن كان عليها استكمال النقض في عناصرها , والاستجابة لتحديات حركتها في المجتمع وضد سلطة الحكم , حتى يثمر نجاحها في إسقاط النظم الحاكمة , من خلال البديل الجامع للقوى الثورية على برنامج عمل انتقالي يحقق لمطلب التغيير أهدافه في جانب البديل المراد إحلاله محل حكم التسلط والفساد. لم تكن عملية الإطار الفكري مستحيلة , إذ كان يكفي لإنجازها تحديد مجموعة أهداف عامة وقليلة , وتفصيل تحقيقها في برنامج عمل مرحلي , يتشكل لتنفيذه تحالف منظم من قوى الثورة , يتولى قيادة المرحلة الانتقالية من مواقعه في سلطة الحكم المؤقتة وفي حركة الجماهير المنتفضة . فشلت قوى الثورة داخل أحزاب المعارضة وخارجها حتى في جعل الحراك الجماهيري أداة لصناعة فرصة سياسية جديدة تفتح المجال السياسي في السلطة والمعارضة والمجتمع لمتاحات التغيير الممكن والمنشود . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك