وبهذا الاندفاع غير المنضبط والجشع على البذخ؛ انتصبت الأدلّة الثابتة أن المتصارعين سابقاً على الثلاثة المرافق «أجهزة القوة، والوظيفة العامة، والبنك المركزي» يستخدمون المصطلحات والأفكار المعاصرة لتمرير أهدافهم الشريرة في التهام قوت المعدمين والفقراء، وأن بينهم وبين تبنّي مشروع “بناء دولة” خمسمئة سنة تقريباً حينما بدأت المدن السوق تتلمّس طريقها إلى الخروج من نقق الإقطاع الأوروبي. وحتى اللحظة هذه لم يفق من الصدمة لا منتسبو النُخبة التقليدية على كثرتها، ولمنتسبو النُخبة الحداثية على قلّتها ومحدودية تأثيرها بأن ذهبت إلى مجلس الأمن الدولي لتستقوي به لإدخال مجتمعاتها الحافية وسيئة التغذية والفقيرة في أتون «الفصل السابع» من ميثاق الأممالمتحدة الذي يجيز استخدام القوة ضد المعرقلين أو الذين تحدّدهم القوى الإمبريالية ومن دار في فلكها على النطاق العالمي؛ بدلاً من طلب المساعدة في تحويل دولة الهيكل العظمى أو دولة الجدار الخارجي إلى دولة كاملة العناصر؛ جاهزة الفاعلية ومهيّأة لخدمة السكان. مشروع دولة عدن وقصارى القول: إن التعايش السياسي بين المنطقة القبلية الجبلية المتخلّفة تخلّفاً مركّباً ومزرياً في حدود العلاقات التي يحكمها القانون الدولي وبين المنطقة الزراعية التجارية ليس ممكناً؛ ولكن أصبح مستحيلاً العيش المشترك اجتماعياً، وأثبتت التجربة التاريخية حتى بعد محاولة تغيير التركيب السكاني لمصلحة النظام الاجتماعي العشائري القبلي، وأضحى من الضرورة بمكان البحث عن خيارات تمت إلى الواقع بصلة، وهي خيارات تثير الحساسيات المفرطة عند دعاة “القومجية” و“العالموية” و“الإنسانوية” و“الوحدة أو الموت” المقدّسة، وهي كلها حساسيات تأخذ على عاتقها فرض العبودية والتغاضي عن الاستملاك انطلاقاً من “الحق الإلهي” أو “الحق التاريخي القبلي” وكلها محمولة على شرعنة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة وهلمّ جرّا من شرعنة العنف من أجل الإحلال وتغيير التركيب السكاني وتغيير الهويّات الثقافية المتنوّعة. وقصارى القول، إن الواقع الملموس وليس الماضوي يؤكد استمرارية الفوارق الجوهرية بين الجزئيات والكليّات بين المنطقتين؛ الأمر الذي يفرض ابتكار حلول وخيارات منفصلة كمياً ونوعياً دون النظر إلى تخريفات القومجيين والعالمويين والإنسانويين المثاليين. وهذا المشروع الذي نعرضه يتوخّى في مضمونه وأبعاده السياسية والاقتصادية والثقافية إيجاد حل لأزمة المجتمع السياسي، مجتمع الدولة؛ وهو مثير للجدل، كما أنه مثير لقلق العصابات التي تتقاتل في الميدان للتقاسم والاستيلاء على الوظيفة العامة بشقّيها المدني والعسكري وإيرادات البنك المركزي وتحت يافطات وشعارات مضلّلة؛ ولكن ماذا نفهم تحت عنوان “مشروع دولة عدن”..؟!. ينبغي القول بصدد تفاصيل هذا المشروع الذي ينطوي على استحقاق سياسي طال انتظاره ما يلي: 1 النأي بهذا الكيان من الحكم العسكري الذي يعتمد على استخدام الجيش لقمع الممانعين والخصوم السياسيين واستخدام شبكات المخابرات لإرهاب الآراء الأخرى وتكميم الأفواه الديمقراطية. 2 تحصين هذا الكيان من الدكتاتورية، مدنية أو عسكرية، ومن الانفراد بالسلطة وضرب استحقاق التنوّع ومن الانقلابات وممارسة العنف والإقصاء والاستبعاد. رابط المقال على الفيس بوك