التحديات التي يواجهها العاملون على التعليم في اليمن كبيرة، وهنالك جهود إيجابية مختلفة للتعامل مع تلك التحديات بعضها بتحفيز من المساعدات الدولية وبعضها بجهود ذاتية تعكس توجه قيادات التعليم في اليمن، وفي الوقت الذي يجب أن نشيد بالتحركات الإيجابية يجب علينا أن نتوقف أمام العبارات والتصريحات المبهمة، والتي تقدم للاستهلاك الإعلامي. في تصريح أخير لوزير التربية والتعليم الدكتور عبدالرزاق الأشول، تحدث سعادة الوزير عن أهمية التركيز على “جودة التعليم وتمكين الطلاب من أدواته الحديثة، بما يمكنهم من الولوج إلى مجتمع المعرفة، وصولاً إلي تحقيق اقتصاديات المعرفة بكل تمكن واقتدار”. عندما سمعت التصريح نسيت أن 63% من المدرسين لا يمتلكون حتى تأهيلاً جامعياً، ونسيت أن 67 % من الإدارة المدرسية تعتبر غير مؤهلة. نسيت أيضاً أن هناك ما يقارب 2 مليون طفل خارج المدرسة، بالإضافة إلى حالة التسرب في كل المدارس بسبب رداءة وعجز العملية التعليمية والتربوية في البلاد.. كما نسيت أيضاً أن المناهج المستخدمة لم تتطور ولم تتغير كثيراً منذ 12 عاماً. هنالك الكثير الذي لابد لنا من عمله قبل أن نطلق مثل هذه الجمل الثقيلة الوزن والتي تذكرني بعهد الرئيس السابق وتصريحاته، في وقت نتوقع من وزير التربية والتعليم في عهد ما بعد التغيير أن يكون أكثر دقة وأكثر مسؤولية في تصريحاته، فالناس جميعاً بحاجة إلى أن يسمعوا جملاً وكلمات تتناسب أكثر مع الواقع ومع ما يجد الناس حولهم. لا يمكن على سبيل المثال الحديث عن جودة وثقافة جودة في بيئة تغيب فيها المعايير الواضحة، فها نحن اليوم نكرر أخطاء الماضي، وسيتم إعادة تأليف وإعداد المناهج الدراسية على ضوء مزاجية المؤلفين، بينما يجب أن تأتي هذه العملية بعد أن نكون قد أعددنا معايير للتعليم والنجاح في كل المستويات الدراسية وهي التي تحدد ما تحتويه الكتب المدرسية.. ولو كان هناك معايير تعليمية واضحة لما طلعت علينا الوزارة بقائمة المحذوفات التي تعكس مزاجية العمل، وأهواء الإداريين، ما الذي يجعل درساً أهم من درس، وموضوعاً أهم من موضوع آخر؟.. ولوكان الطلاب غير محتاجين لتلك الدروس فلماذا نتلف الأشجار ونهدر الموارد ونطبع أوراق بها دروس أبنائنا “لا يحتاجوا” لتعلمها؟ لكن إذا كان التعليم لأجل الاختبار فأنت تحذف هنا وتحذف هناك بما يناسبك، وربما حتى على حسب طعم القات إذا كنت من اللجنة وكنت من المخزنين. وبالتالي فإن العملية التعليمية والمقررات تحكمها الاختبارات مما يثبت أن كلام سعادة الوزير عن «تمكين الطلاب من أدوات (العلم) الحديثة... ومجتمع المعرفة...واقتصاد المعرفة...» كلام تلفزيوني مسرحي عن عالم افتراضي لا يعكس الواقع، أين أدوات التعليم الحديثة ومناهجنا لازالت تعتمد على الحفظ والتلقين وغياب التطبيق، أين أدوات التعليم الحديثة وأبحاث طلابنا مازالت “نسخ” و«لصق» بدون حسيب أو رقيب، أين أدوات التعليم الحديثة والمعمل والمكتبة، عفوا...وسأتوقف هنا بتساؤلاتي. لكن ربما أصبحنا نتحدث عن مدرسة واحدة في الجمهورية وهي مدرسة جمال عبدالناصر وبعض المدارس المتميزة، أما آلاف المدارس اليمنية وملايين الطلاب اليمنيين فيبقون خارج الدائرة التي تحدث عنها الوزير في تصريحه. في النهاية لا بد من الترحيب بالحديث عن الجودة وعن تمكين الطلاب من أدوات التعليم الحديثة ولكن بواقعية ومصداقية تتناسب مع الواقع مع توافر الأوليات المناسبة والخطوات العملية التي تتخذها وزارة التربية والتعليم.