هنالك جهود مختلفة تبذل في مجال حقل التعليم في اليمن، لكن المجال الذي مازلنا لا نسمع عنه الكثير هو مجال الجودة والمعايير. الحديث عن عملية إصلاح التعليم بدون الحديث عن عملية تقويم للعملية التعليم من زواياها المختلفة يعني تجاهلاً لكل ما نعرفه اليوم عن أساسيات تحديث وتطوير العملية التعليمية، وبالتالي فإننا نتطلع إلى أن نسمع في الأيام القادمة عن معايير لتقويم الطلاب، والمدرسين، والمناهج، والمدارس أيضاً، وهنا سأتطرق إلى عملية تقويم المدارس. ربما يكون من السهل معرفة المدرسة الجيدة، فنحن عادة ما نسمع عن نظامها وتميز والتزام طلابها أو طالباتها، لكن ماذا عن المدارس الأخرى؟ كيف نعرف مستواها؟ وكيف نعرف قربها أو بعدها من المستوى المطلوب؟ والأهم أيضاً هو كيف نساعد القائمين على تلك المدارس على الرقي بمدارسهم ومؤسساتهم التعليمية؟ كل هذه الأسئلة لا يمكن الإجابة عليها بدون الاستعانة بنظام قياس جودة التعليم بالمدارس باستخدام معايير محددة ومناسبة تساعدنا على معرفة مستويات المدارس، وتساعد المدراء والمدرسين على تحديد أولوياتهم للرقي بمدارسهم ولتحسين مخرجات التعليم بها. الآن تخيلوا معي زيارة وتقويم إحدى المدارس التي تقع جواركم.... سنبدأ بدراسة مكان المدرسة، والتعرف على نوعية طلابها ووضعهم الاقتصادي والاجتماعي لنقدر مدى التحدي الذي تواجهه المدرسة، ثم نبدأ في دراسة درجات الطلاب في الاختبارات، وربما يكون البديل عن ذلك تقديم اختبارات مصغرة للطلاب لتحديد قدراتهم على حل بعض الأسئلة الحسابية والقراءة والفهم والكتابة، بعد ذلك سنقوم بزيارة عدد من الفصول الدراسية التي نختارها نحن كفريق لنرى جودة التدريس في المدرسة، وكيف يتحدى المدرسون طلابهم أكاديمياً ويساعدونهم في تطوير معرفتهم وقدراتهم، ثم نبدأ بعقد اجتماعات سريعة مع مجموعة من الطلاب، والمدرسين الذين نختارهم، وبعض الآباء الذين تختارهم المدرسة في هذه الاجتماعات سنتحدث إلى الجميع ونحاول معرفة كيف يعمل المسؤولون في المدرسة بتعاون لمساعدة وتعليم الطلاب، وكيف تعمل الإدارة لدعم المدرسين وتنمية الظروف الملائمة لمضاعفة الاستفادة العلمية للطلاب، بعدها نلتقي مع إدارة المدرسة ونحاول أن نفهم كيف يتخذوا قراراتهم وكيف يراقبوا جدوى قراراتهم على تحصيل الطلاب العلمي، وكيف يتعاملون مع المدرسين والآباء والأهالي لإنشاء شراكات ينتج عنها أنشطة تعليمية مختلفة تساهم في تنمية شخصية الطالب أو الطالبة العلمية والثقافية. بعدها نقوم بالمرور على مرافق المدرسة نتعرف على نظافتها وتأهيلها، ونجاحها في إعطاء الطلاب المحيط التعليمي والاجتماعي والرياضي الذي يساعدهم على بناء أنفسهم جسدياً، علمياً، قيادياً ومجتمعياً. الآن تعالوا نجلس معاً لكتابة هذا التقرير.. ترى مالذي سنكتبه عن قدرات الطلاب الأكاديمية في المدرسة؟ كيف سنصف جودة التدريس، وعلاقة المدرسون بالطلاب بالصف، وقدرة المدرسين على التعامل مع سلوكيات الطلاب، وأدائهم التعليمي؟ ترى ماذا سيقول لنا الطلاب عن مدرستهم؟ وعن مدرسيهم؟ وعن تعليمهم وفهمهم؟ بل ماذا سيقول لنا المدرسين عن ظروفهم، وعن تعامل المدير والإداريين معهم؟ ماذا سيقول لنا المدرسون عن مناهجهم وتدريبهم؟ وعن حضور الطلاب وغيابهم؟ وماذا سيقول لنا الآباء عندما نلتقيهم؟ هل سيحدثونا عن أبنائهم الذين لا يقرأون ولا يكتبون ولا يحسبون بمستوى صفوفهم؟ هل سيحدثونا عن تجاهل المدرسة لهم ولدورهم؟ وماذا سنكتب عن مرافق المدرسة؟ هل سنتحدث عن القذارة في السلالم أو في الفصول الدراسية، وهل سنتغلب عن الحرج في وصف الحمامات ونظافتها؟ ربما ستكون تقاريرنا الأولية صعبة لكنها ستكون مواجهة مع أنفسنا مع مدرائنا، مع مدرسينا ومع أولياء الأمور، هذه الشفافية ستشجع أولياء الأمور على المشاركة بشكل أكبر في عملية تعليم أبنائهم وبناتهم، في الوقت الذي ستوفر المعلومات والمعايير للمدراء والمدرسين للرقي بمدارسهم وبمستوى تعليمهم. لكن، دعونا نعود إلي واقعنا اليوم...إلى الآن ما يتم هو اختبار الطلاب لتقرير نجاحهم أو رسوبهم والتفتيش على المدرسين في يوم معين وبأسلوب غير موضوعي تقليدي خالي من المعايير الواضحة ينتج عنه أثر ضعيف أو محدود. ونحن بذلك نتعامل مع الطلاب والمدرسين وكأنهم وحدهم المسئولون عن التعليم والفهم في اليمن، وهي نظرة بعيدة كل البعد عن واقع وظروف ومتطلبات العملية التعليمية. في العام 2014 يجب علينا أن ندرك أن عجلة إصلاح التعليم يجب أن تمضي بسرعة أكبر لإنقاذ مستقبل اليمن وتصحيحه الذي لن يكون إلا بالتعليم المؤثر والجيد، إذا أردنا أن ننظر إلى دول الجوار سنلاحظ دول الجوار عامة قد اتجهت إلى تصحيح علمية تقويم التعليم، ونجد أن دولتي الإمارات وقطر قد خطت خطوات سريعة نحو تقويم العملية التعليمية بشكل شمولي يعمل على تصنيف وتحديد مستوى المدرسين والطلاب والمدارس والمدراء، وإيضاح المعايير لهم حتى يتمكنوا من إصلاح وسائلهم وخططهم وتحسين مستوياتهم. تصنيف المدارس اليمنية لا يعطينا فقط القدرة على تحديد مستوياتها بل يفرض علينا استخدام معايير واضحة تصبح أدوات إصلاح وتغيير لرفع مستوى أداءها وتحسين قدراتها ومخرجاتها التعليمية.