«1» منذ قيام ما يسمّى «الربيع العربي» والخلافات والحوارات الحادة هي السمة الأبرز في تعاملات الجميع، ساسة ومسوسين، لكني رغم ذلك أستطيع أن أجزم أن هناك مسائل كانت موضع خلاف كبير في مرحلة من مراحل التغيير، وأصبحت الآن واضحة، ولم يعد متاحاً أبداً الخلاف حولها، والمؤسف أننا مضينا مع الأحداث حتى انكشفت وتجلّت من تلقاء نفسها بانتهاء فاعليتها. أهم هذه المسائل التي بتنا في اتفاق حولها أن الربيع العربي برمته ما هو إلا “مقلب” صهيوني استعماري، شربناه بأيدينا شاكرين اليد التي سقتنا!. قولي هذا لا يعني أبداً أننا خرجنا ثائرين من شدة الرفاهية، وأننا كنا في خير ونعيم ورخاء، ولا يعني ما وصلنا إليه من تدهور في الكثير من النواحي الأمنية والاقتصادية أننا نُعاقب وندفع ثمن فعلتنا، وإن كنا - دون شك - أخطأنا كلاً أو بعضاً، لكننا بالفعل كنا نعاني الكثير وقد استغل العدو معانتنا لتحقيق أهدافه بأيدينا. إن الإشارة الأقوى فيما حدث هي أننا لسنا شعوباً واعية بالقدر الذي يسمح لنا أن نتخيّل نتائج أفعالنا قبل أن نقدم عليها، فكل ما نمتلكه من ثقافة وطنية تكمن في بعض الخطوط العريضة عن شيء اسمه الحق الوطني، يمتزج بالكثير من الأحلام المشبعة بالنزعة البطولية التاريخية التي لم يعد لها وجود يجعلنا هذا نسير خلف عواطفنا وأمانينا البريئة دون وعي وإدراك. نحن نريد أن نشارك في سير العملية السياسية؛ لكننا لا نعرف شيئاً عن السياسة، ونريد أن نحيا حياة ديمقراطية، وكل ما نعرفه عن الديمقراطية أن ما نكتبه من مطالب وملاحظات «الفيس بوك» يجب أن تتحقق على وجه السرعة وإلا فإننا لا نحظى بتعامل ديمقراطي من ساستنا. أظننا بتنا في موقف مضحكٍ مبكٍ كما يقال، فالقادة العرب الذين حرصوا دائماً على إبقاء شعوبهم في دائرة الجهل والفقر ليتسنّى لهم الحكم إلى الأبد؛ وجدوا أن ما اقترفوه قد أتاهم بنتائج عكسية عندما أودى بهم وبأحلامهم التي ظنوا طويلاً أنهم الأقدر على تحقيقها دون طرح أية فرضيات حول احتمالات الخسارة. لا أظننا بحاجة إلى قراءة الواقع الذي بات أشد وضوحاً من شمس الصباح، لكننا نحتاج جداً إلى أن نضع أيدينا على الخلل الذي أودى بنا وبوطننا، فإن كنا قد تلقينا الصفعة وكان ما كان، فعلينا أن نبحث عن الخلل الذي نفذ منه العدو إلينا..!!. ليس من المنطقي أبداً أن نعتبر ما حدث قد كان بسبب طمع قاداتنا وحرصهم على السلطة وحسب، حيث إنه لابد من عوامل ساعدت ودعمت وجود هذا الطمع وغذّته ثم قادته أخيراً إلى الهاوية. علينا أيضاً أن نعي أنه دون الوقوف على حقيقة ما جرى ومحاولة التخلص من تلك القشرة النفسية الشعبية الضعيفة؛ سنجد أنفسنا مرة أخرى بل مرات عديدة في مواجهة زلازل شعبية جديدة مصحوبة بضجيج التاريخ الكاذب ونسائم الحلم الواهم.