ثلاثة أعوام ونيف على ثورة 11 فبراير 2011م، فرزت الكثير في السياسة والاجتماع وعلم النفس وعلى مستوى السلوك المجتمعي فردي وعام، فرزت الانتهازي الوصولي النفعي في جانب، وفي الجانب الآخر أبقت المؤثر المضحي التواق للحرية، وبينهما المحبط الذي آمن بالثورة حين آمن غيره وكفر بها حين كفروا. ولأن الثورة فعل مستمر والحرية ديمومة فهناك من هو في ثورة قبل 2011م وحتى الآن وسيظل، روح تائقة ومحبة غير محتواه، وأمل غير منقطع إلى الوصول. إن ما يتراءى اليوم على أنه انتكاسة للأحلام وتقهقر للثورة، ما هو إلا فرز الحقيقي من المصطنع، وانتقاء النَظِر من المعطوب، وتمييز النقي من المغشوش، فما أجملها من انتكاسة إن كانت ستصنف هذا من ذاك، وتجمع ذاك بتلك، وتطرح تلك من تلكم، إلى حين تستفيق فيه ثورة الحالمين وانتفاضة الأحرار وهدير الغضب الذي لا يشوبه صوت مائع ولا نية رخوة ولا إرادة مترددة. الثورة بعد ثلاثة أعوام ما هي إلا أفراد مؤمنين بها حاضرة وغائبة، خاملة وواثبة، مخصبة ومجدبة. ليس من حر يلقي اللوم على الثورة، فالثورة ليست فبراير أو أبريل، أيلول أو تشرين، الثورة طبع في نفوس الناس، فمن لم تكن الثورة طبعه فالحرية ليست في قاموس مراده، فإن كانت سبتمبر أو أكتوبر خفتت، وفبراير بهتت، فالثورة التي لم تأت بعد تبقى الأسمى والأجمل والمنتظر، إذ قد تأتي غداً أو بعده أو بعد عام أو عقد أو قرن. الثورة المزمنة قد تتأنى أو تتعجل، لكن الثورة التي تتطبع عليها النفوس فإنها حاضرة في كل حين، باقية قيد الحياة، وقيد النفوس التواقة التي ستطلقها حرية وعدالة ومحبة، الأنفس الحرة تطلق الثورة، والثورة تطلق النفوس المستعبدة، وإن كانت الثورة اليوم قد جثمت على ركبتيها تلتقط أنفاسها قبل الوصول، فإنها تميز كل من كان معها، إما حراً وإما عبداً، تصنف من أطلقها ممن كانت تشكل له منطلقاً. بعد ثلاثة أعوام هناك من يرى أن الثورة قد تمت دون أن تصل، وهناك من يرى أنها لم تبدأ بعد، وهذا جوهر التمييز بين ثورة وثورة في نفس كل ثائر.