كان مجرد الحديث في موضوع يتصل بالثقافة سرعان ما تتشكّل في ذهن ووجدان المتحدث والمستمع لوحة جميلة للحالمة تعز تحكي تنوّع ثقافات وأفكار وأحلام وطموحات أبنائها، وكأن الثقافة اليمنية قد ارتبطت وجدانياً وتفاعلاً وواقعاً بهذه المدينة التي تسترخي في حضن جبل صبر مجهدة ومثقلة بهموم وطن بأكمله. لا يختلف عاقلان حول تشبّع أبناء الحالمة بقيم التعايش الذي لا يعرف حدوداً إلا حين بدأت الحزبية المتطرفة ومحتكرو المنابر الثقافية، والبيوت التجارية التي بدأت تفرز المثقفين وأصحاب الرأي هذا معنا وهذا ضدنا، في عراك المصالح الذاتية والأحلام الطائشة والمراهقات المتأخرة. كانت تعز إلى فترة قريبة تتمتع بقيم التواصل والحوار الثقافي والفكري المستمر والمتنوع، لا تعرف حدوداً أو مؤسسات مغلقة على فصيل بعينه، أو يتم فرز الكتاب والمثقفين بحيث توضع هذه الشلة في القائمة البيضاء المرحومة، ويوضع أولئك غير المرغوب فيهم لمجرد اختلافنا معهم في القائمة السوداء الملعونة، وعلى هذا تقوم الفعاليات والمهرجانات الثقافية في الحالمة.. في كل الأعراف ما يميز هذا عن ذاك هو عطاؤه وقدرته على الإبداع وليس شيئاً آخر مهما كانت درجة الاختلاف مع المدعوين، لأن من مواصفات القيادات الثقافية التي يتم اختيارها لهذا المكان وتلك المهمة الإنسانية الرفيعة أن تتجرد عن الأحقاد وكراهية الآخر، بل وإضافته إلى القائمة السوداء غير المرغوب بأصحابها لمجرد أن اختلف معه في الرأي أو كتب منتقداً طريقة إدارته للحراك الثقافي من خلال المؤسسة التي يتولّى قيادتها. التواصل الإبداعي بين المثقفين يجب ألا تعيقه الحسابات الآنية والمؤجلة ولا الاختلاف في وجهات النظر والانتماء الحزبي، لأنه وتلك حقيقة من صفة المثقف المبدع الترفع عن تلك الحواجز والأوهام والترسبات الضارة والسمو في فضاء الإبداع الإنساني الذي يجمع البشر ويحول دون انقطاع فيض الإبداع الذي يُعد الحبل السري الذي يربط بين جميع المفكرين والمثقفين على اختلاف مشاربهم وولاءاتهم وانتماءاتهم. إن الحالمة تعز قد اختارت أن تكون منارة للثقافة اليمنية ودارها الأول، ولتلك المهمة الإنسانية التي تتحوّل بسببها إلى ملتقى للإبداع وحضن آمن للمبدعين، فقد أصبح لزاماً على أبنائها أن يكونوا عند مستوى المسئولية التي تحملوها، مثلما هو أيضاً واجب أخلاقي أن تتجرّد مؤسساتها الثقافية والإبداعية عن الفرز الخاطئ للمبدعين إن لم يكن التخلي عن ذلك الفرز تماماً، للمحافظة على قيمة وصحة وفاعلية التواصل الإبداعي بين أرباب الفكر والثقافة في مجتمعنا خصوصاً والمجتمع الإنساني عموماً. والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل. [email protected]