ثمة ما يثلج الصدر ويفرح القلب - رغم ما في المرحلة من المتاعب المادية والمعنوية التي تعترض حياتنا ليل نهار - ذلك الحراك التنويري التثقيفي الذي تضطلع به مؤسسات ثقافية رائدة وأعمال إبداعية واعية وأقلام وكتاب ومفكرون ومثقفون ودعاة تغيير توزعوا الخارطة اليمنية من حضرموت إلى تعز ومن صعدة إلى عدن ، مستوعبة التحولات والمتغيرات في الزمن الثوري اليمني فكانت والإبداع على موعد وتلاقٍ . في مقدمة تلك المؤسسات مؤسسة بقشان الخيرية والصندوق الخيري لدعم المتفوقين في المكلاحضرموت ومؤسسة السعيد الثقافية في تعز ، ومؤسسة العفيف الثقافية بالعاصمة صنعاء، فقبل أسابيع كان لحضرموت ومبدعيها والمتفوقين في جامعاتها والمتميزين من شبابها ومفكريها وكتابه مهرجان تنويري وثقافي وفكري وتربوي، يرعاه ويدعمه بسخاء مادي ومعنوي كل من المهندس الشيخ عبدالله بقشان والدكتور الشيخ عمر بامحسون، حيث شهد المهرجان توزيع جوائز للطلاب المتفوقين في كل من جامعة حضرموت للعلوم والتكنولوجيا وجامعة الأحقاف، وتوزيع جائزة الشيخ سالم بن سعيد باحمدون، وجائزة الشيخ سعيد بن صالح بن محفوظ، عمل عظيم كأصحابه والقائمين عليه، إنها إثارة إيجابية لكوامن الإبداع والنبوغ والعبقرية والتفوق لدى الشباب ومن سبقهم من المثقفين والمفكرين والكتاب، وندوات مشتركة مع فرع إتحاد الأدباء والكتاب اليمنيينبالمكلا. إنها خطوة رائدة وجريئة، ودور إيجابي غير مسبوق تميزاً وعرفاناً به ومن خلاله المهندس عبدالله بقشان والدكتور عمر بامحسون، فقد امتد شعاع التنوير لتلك المؤسسات إلى المتفوقين في كل المحافظات بدون استثناء ، كما أسهمت مؤسسة الشيخ بقشان في إنجاح فعاليات ومشاريع جامعة عدن من خلال دعم مؤسسة الشيخ بقشان لندواتها ومؤتمراتها العلمية خلال السنوات الماضية وحتى اليوم ، كا لندوة العلمية التي أقيمت بمناسبة مئوية الأستاذ المناضل أحمد محمد نعمان ومئوية الشيخ المجاهد محمد بن سالم البيحاني ومئوية الروائي والشاعر والمفكر الأستاذ على أحمد باكثير وما يتصل بالجامعة من تطوير وتجديد . إن المحافظات الأخرى تزدحم برجال الأعمال والبيوت التجارية وأصحاب رؤوس الأموال، فلا يجد المتفوقون والمتميزون والفاعلون في الجامعات أو المدارس المنتشرة فيها أي لفتة تستحق الذكر أو الإشادة أو يمكن أن تكون صورة مشرفة للمنافسة مع تلك الخطوات السابقة الذكر ، أو مقارنة بجهود تلك المؤسسات والقائمين عليها . أما الأسبوع المنصرم والأيام القادمة فإن تعز على موعد - ومازالت - مع مهرجان السعيد التنويري والثقافي والفكري والتوعوي الذي تقيمه المؤسسة كل عام لتوزيع جائزة الراحل النبيل الحاج هائل سعيد أنعم رحمه الله تعالى، يتخلل ذلك المهرجان ندوات فكرية وثقافية وأدبية وأمسيات شعرية وبرامج توعوية ومعرض للصور والفن التشكيلي الصاعد، يجد المبدعون في هذا المهرجان بغيتهم لعرض بضاعتهم وتجديد جريان ومحتوى أفكارهم ورؤاهم ، يقدم آل السعيد الدعم الكبير والسخي لإنجاح ذلك المهرجان وفعالياته والندوات والمحاضرات المتواصلة على مدار السنة بتنظيم وأداء متميز .. إن نجاح مؤسسة السعيد في أن تكون مؤسسة ثقافية وإبداعية تستوعب المبدعين والمثقفين على امتداد الخارطة اليمنية يقف وراءه مجلس إدارة يرأسه كل من الوالدين الكريمين الحاج أحمد هائل سعيد والحاج علي محمد سعيد على الرغم من المرض الذي ألم بهما ، كما يسهر على استمرارية نجاحها وتألقها الأساتذة الكرام عبدالرحمن وعبدالجبار وعبدالواسع هائل سعيد ، يشاركهم ذلك الاهتمام وتلك الرعاية أحفاد الراحل النبيل الحاج هائل سعيد أنعم ، في الوقت نفسه يقوم على إدارة تلك المؤسسة شخصية إبداعية مرنة ومثقفة متمثلة بالأستاذ فيصل سعيد فارع ، وفريق متكامل يعمل بصمت من الموظفين والفنيين يقفون أيضاً خلف ذلك النجاح الملحوظ . فنارات للخير والعمل الصالح، رجال من الطراز الجيد والفريد والمتفاني ينظرون باتجاه اليوم والغد ، يشعرون بعظمة المسؤولية أمام الله ثم الضمير والتاريخ، ريادة في صنع التحولات الاجتماعية والثقافية والإبداعية، أرادوا أن يخلقوا العقلية اليمنية التي تتحمل الأمانة بحقها، مشاريع نهضوية تستحق المتابعة والرصد والنقد والتشجيع.. إن قطار التطور الحضاري والعلمي والمعرفي والإنساني يتحرك بسرعة كبيرة وعلينا أن نتشبث به وننضم إليه بكل قوانا وإمكانياتنا باستحقاق واقتدار، إن أردنا أن نبني اليمن الذي يتسع للجميع . إن مؤسسة بقشان والصندوق الخيري لدعم المتفوقين ومؤسسة السعيد وجمعية الراحل النبيل الحاج هائل سعيد أنعم الخيرية ومعهم مؤسسة العفيف الثقافية في العاصمة صنعاء ، لكل منها مشروعها النهضوي وأدوات وخطط وبرامج تنويرية وتثقيفية وقدرات وإمكانيات إبداعية ونوعية ، يقف خلف كل مشروع من تلك المشاريع عمل مؤسسي وإدارات نموذجية وعقول وأفكار وجهد متواصل لا يعرف قدره ومكانته وقيمته إلاًَ العالمون . إن مجتمعنا اليمني اليوم وخاصة في هذه اللحظة الفارقة بين مرحلتين يحتاج إلى ما يمكن تسميته بالإحياء القيمي المحمول على المشروع التنويري والتثقيفي والتوعوي والإرشادي المنظم والمدروس، لا علاقة له بالعشوائية والارتجالية التي أعاقتنا لزمن ليس بالقليل ، مستفيدين من إيجابيات الوعي والحراك الثوري الداعم للتغيير ، والمتطلع لإعادة البناء والتحديث في وعي وسلوك الإنسان ومؤسسات الدولة على السواء . إن الثقافة التي لا تؤثر في وعي الإنسان، ولا تغير في سلوكه وتصرفاته ولا تهذب وتجود اهتماماته وقناعاته ولا تحسن في نوعية اختياراته ، هي ثقافة ميتة تحتاج إلى الإحياء ثم إلى النظر والمراجعة والمعالجة والتجديد ، بحيث تستطيع أن تحدث ثقباً في وعي الفرد والمجتمع يسمح بمرور ضوء الكلمة وأشعة المعرفة والتحول مع حركة العصر والتفاعل مع المتغيرات والحراك الحضاري والعقلي للمجتمعات والشعوب الأخرى . * جامعة عدن [email protected]