لكل وطن ذاكرته، ولكل شعب حفرياته في جدار الزمان والمكان والقلوب والمشاعر، مهما قست الظروف وتبدلت الأحوال وتغيرت المواقف والألوان تظل المحبة سياجاً منيعاً وقوة دافعة وحكايات تتناقلها الأمكنة والأجيال.. مهرجان السعيد أصبح الرئة التي تتنفس من خلاله الحالمة تعز، مثلما أصبحت جائزة الراحل النبيل الحاج هائل سعيد أنعم منجماً للإبداع ورافداً للتنوع والتنافس المعرفي، اكتسبت مصداقية وموضوعية عالية، مثلما اكتسب مهرجان السعيد مشروعيته في تاريخ الثقافة اليمنية المعاصرة، إنه إضافة نوعية وحراك لابد منه. لذلك فإن المتتبع المنصف للحراك الثقافي والمعرفي الوطني لا يجد صعوبة في فرز المعطيات والنتائج التي تؤهل هذا المهرجان أو ذاك ليكون عنواناً رئيسياً للإبداع مع فارق الوعي والمسؤولية الوطنية، لأن التميز يعني النوعية والاستمرارية والخلق المتجدد للإبداع المعرفي والثقافي والعلمي والإنساني. إن الأمر يدعونا إلى العمل أكثر فأكثر، وألا نبقى عند حدود الذكرى والسرد التاريخي المنفصل عن المكان الملهم ومرابع العبور إلى الجدارية الأولى لإنسانية الإنسان. إحداث التظاهرة الثقافية المتكاملة المطلوبة بين أطياف الحالمة وأخواتها من محافظات الجمهورية تتحول معها الحالمة تعز إلى «أصيلة» المشرق العربي. لكن ذلك يحتاج إلى تفاعل الحالمة بمن فيها الرسمي والشعبي، الدولة والمجتمع، منظمات المجتمع المدني والروح المبدعة في كل مرفق ومدرسة وكلية ونادٍ وحزب ومنتدى. الإبداع والثقافة الاجتماعية لا تحركهما القرارات الفوقية والشعارات البراقة واللجان الرسمية التي تنظر لهما من خلال الروتين الإداري والتوقيت الوظيفي، إنهما صناعة المهرجانات الإبداعية وفعلها وحراكها. الإبداع والنبوغ والصناعة الثقافية تحتاج للمحبين وجمهور المشجعين والداعمين الرئيسيين والثانويين، تحتاج للكرماء والأسخياء والتنافس في كل الحالات، وإلا تحولت تلك الفنارات الإنسانية إلى أعمدة يابسة لها ظل لكنه باهت لا يقوى على الصمود والاستمرارية أمام زحف التكلس وخفافيش الظلام. مهرجان السعيد أصبح وجه الحالمة تعز دون منازع يعتز به الجميع على اختلاف مشاربهم الفكرية والثقافية، يجمع في أحشائه المقاصد والأبعاد الوطنية، يلملم الوطن من كل طرف. يراهن على أن الإنسان اليمني صاحب تاريخ إبداعي وحفريات إنسانية وصور رائعة للتنوع والتعدد والتعايش الآمن المستقر عبر الحقب التاريخية. فهل نراهن معاً على أن تتحول الحالمة تعز إلى ملتقى ثقافي معرفي إبداعي مفتوح مثلما راهن عليها الراحل النبيل الحاج هائل سعيد حين اختارها حاضنة لحلمه وإبداعه، جعل من «السعيد» قلباً نابضاً بشرايين متعددة ومتجددة بتعدد وتجدد إبداعات أبناء هذه الحالمة؟!. متى تتحول الحالمة إلى مبدعة، إلى أصيلة المشرق العربي؟!.. اليوم ربما كان حلماً لكنه سيصبح غداً مع السعيد ومهرجان السعيد وجائزة الراحل النبيل الحاج هائل سعيد وكل المبدعين وعشاق الكلمة ورهبانها وأبناء هذه المدينة الحالمة حقيقة وواقعاً وحياة.