عادة ماتعتور الكتابة المبدعة ارتعاشات كثيرة ،وهذا هو حال أي كاتب كبير، لابد أن يرتعش حين يكتب ولابد أن تسكنه رهبة القارئ ورعب الورقة البيضاء وواو العطف. يهتاب الكاتب الكبير من قارئه الافتراضي فيستحضره كشريك وناقد في سياق عمله الإبداعي ،إنه - أي القارئ يكمن بين السطر والسطر بكل هيبته المتخيلة. وفي “ثورة العبير” الإصدار الروائي الباكورة للكاتب الصحفي خالد العلواني تحضر هذه الارتعاشات داخل النص وخارجه فلدى العلواني من القلق النبيل والخوف الواجب ما يجعله يعالج الكلمة ويتوقف أمامها وقتاً ،يسبر غورها ويقيس درجة فاعليتها حتى يستقر به القلق على المفردة المناسبة في محل لا يحتمل غيرها. والعلواني كاتب حقيقي وفي روايته البكر يأتي من حيث لا يحتسب القارئ ،وتلك هي الدهشة وقوة المغايرة عامان من العزلة والاعتكاف يخرج منهما العلواني ببنات أفكاره الروائية وبنات أفكاره فاتنات ساحرات آسرات عابقات ،عُرُباً وأبكاراً. هكذا تقول لغته الروائية المفعمة بالشعر و«جمال الجمال». وتؤصّل رواية ثورة العبير لمرحلة فاصلة بين عهدين ،على طرفي نقيض، وللحب كأساس للثورة ،فالثورة هنا والتي هي ثورة 11فبراير 2011م في اليمن ،ليست فعلاً سياسياً وصراعاً دامياً فحسب، إنها حالة أخرى ،ضمن مشهد فلسفي ثقافي فكري، يقوم على الوجد والضوء والحب، نوافذه تطل وبخوره يفوح وشعاع قمره منسدل. لكن أجمل مافي الرواية التي وثّقت لكل خوالج اليمن ولواعج الثورة والتغيير هي أنها اخترقت حاجز جاهزيات ومسلمات عديدة في الذهنية اليمنية والعربية عموماً، إذ أن بطل الرواية الذي هو بطل الفعل الثوري في النص الروائي هذا ،هو «عبير سفيان حجي».يعرفِّها الكاتب هكذا :«هي دون التاسعة عشرة بقبلة ونيف وفوق العشرين برشة عطر .. دمها خليط من هالة النجوم وقوس قزح..». ولقد وهبت “عبير” - الشخصية المركزية والجين الأساس للثورة والرواية – دينامية أنثوية للنص والأحداث، في مجتمع مازال فيه الرجل يمسك بمقبض الباب ويتصدر المشهد العام. أكثر من ذلك فالرواية لا تؤسس - فقط - لجيل المرأة القافزة على تكبيلات واقعها وقيودها العريقة، بل هي تخصي تاريخاً من الذكورية الفاحشة وسلطة الرجل المهيمنة على كل التفاصيل ، فعبر تفاعلات هذه الرواية نعثر على مخزون فكري وفلسفي هائل قد يمثّل وقوداً تاريخاً يمنح المرأة اليمنية إرادة الانعتاق وتغييراً فعلياً. تقول رواية العلواني: إن وراء كل ثورة عظيمة وربما (رواية خالدة) امرأة ما.. عبير ما .. وأقول: إن أجمل مافي أية رواية ثورية هو أن ينساح الكحل على خد كلماتها، لا الدم وكذلك فعلت «ثورة العبير».