في اليوم العالمي لحرية الصحافة.. الإرياني: استهداف ممنهج وغير مسبوق للصحافة من قبل مليشيا الحوثي    أول رد أمريكي على عرض الحوثيين لطلاب الجامعات الأمريكية الدراسة "مجانا" في جامعة صنعاء!    شعب حضرموت يتوج بطلاً وتضامن حضرموت للبطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت    تتقدمهم قيادات الحزب.. حشود غفيرة تشيع جثمان أمين إصلاح وادي حضرموت باشغيوان    وكلاء وزارة الشؤون الاجتماعية "أبوسهيل والصماتي" يشاركان في انعقاد منتدى التتسيق لشركاء العمل الإنساني    عودة التيار الكهربائي لمدينة الغيضة في المهرة بعد انقطاع دام ساعات بسبب الأمطار    عيدروس الزبيدي يصل عدن رفقة قيادات عسكرية بارزة.. والمجلس الانتقالي: غدا يوم تاريخي!    بالفيديو.. داعية مصري : الحجامة تخريف وليست سنة نبوية    د. صدام عبدالله: إعلان عدن التاريخي شعلة أمل انارت دورب شعب الجنوب    فالكاو يقترب من مزاملة ميسي في إنتر ميامي    برشلونة قد يهبط للمستوى الثاني اوروبيا والخطر قادم من ليفركوزن    امريكا تستعد للحرب الفاصلة مع الحوثيين والجماعة تهدد بضرب السفن بالبحر الابيض المتوسط    الكشف عن كارثة وشيكة في اليمن    الوزير البكري يعزي الاعلامي الكبير رائد عابد في وفاة والده    أمين عام الإصلاح يعزي في وفاة أمين مكتب الحزب بوادي حضرموت «باشغيوان»    خادمة صاحب الزمان.. زفاف يثير عاصفة من الجدل (الحوثيون يُحيون عنصرية أجدادهم)    ميلاد تكتل جديد في عدن ما اشبه الليله بالبارحة    45 مليون دولار شهريا يسرقها "معين عبدالملك".. لماذا لم يحقق مجلس القيادة فيها    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    غضب واسع من إعلان الحوثيين إحباط محاولة انقلاب بصنعاء واتهام شخصية وطنية بذلك!    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    الصين تجدد دعمها للشرعية ومساندة الجهود الأممية والإقليمية لإنهاء الحرب في اليمن    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    الخميني والتصوف    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    دورتموند يفوز على سان جيرمان بذهاب نصف نهائي أبطال أوروبا    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قالوا عن " دملان " !!
نشر في التغيير يوم 02 - 06 - 2005

" دملان" رواية حبيب سروري : عزلة كائن في مواجهة الوحدة اليمنية
الرياض - أحمد زين الحياة 2005/05/31
في رواية «دملان» (صادرة عن مؤسسة العفيف الثقافية) للروائي اليمني حبيب عبد الرب سروري، المقيم في فرنسا، نبدو أمام عالم يتغير ويتراجع عن قيمه، مفسحاً المجال لنمط جديد من القيم يكتسحه بقوة، هذا الاكتساح تؤكده الذات الراوية، وهي ذات واعية، تمر التفاصيل والأحداث عبرها فتتكشف أو تتفكك إلى عناصرها الأولى.
يكشف الروائي، عبر شخصية تعيش في عزلة صارمة بعيداً من الواقع الذي تعيش فيه، احتجاجاً وربما شعوراً بالقهر لانتهاك إنسانيته، يكشفعن ولع برسم صور تواجه وتعارض لمدن وأشخاص، صور تنضح بمحمولات أقرب إلى الكوميديا السوداء.
يعبر وجدان الشخصية الرئيسة في الرواية، عن كائن سلبي يصدمه الواقع في شكل عنيف، بتحولاته التي تتوالى دراماتيكياً، فمن الصراعات الدموية بين أعضاء الحزب الاشتراكي التي تنتهي بمجزرة 13 كانون الثاني (يناير) 1986، مروراً بالوحدة اليمنية في 1990، التي دشنت عهداً جديداً في ما كان يسمى بجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية. ويشعر السارد أنه ضحية، لكن ليس لأحد سوى نفسه، يعيش في تناقضات عميقة وقديمة، فهو متخصص في علوم الكومبيوتر، لكنه محكوم بثقافة الجن، تتنازعه ثقافتان:» ثقافة تربيتي القديمة وثقافة العالم المعاصر؟». علاقته بالكومبيوتر علاقة هروب من مأساته: «يكفي أن أحدق في شاشته لأغيب ساعات وساعات عن كل شيء... لذلك تحجرت حياتي وراوحت كما كانت في أيامها الأولى». ولئن جاءت الرواية مفعمة بالخيبات، فإنها قدمت مادة شديدة الخصوصية عن المجتمع اليمني، في تنوعه واختلافه، عبر مدينتيه الرئيستين(صنعاء وعدن).
في «دملان» لسنا أمام حبكة روائية وشخصيات تنمو وتتعقد مصائرها لحظة تلو لحظة، كما في روايته الأولى «الملكة المغدورة» التي صدرت بالفرنسية، وترجمها إلى العربية الروائي والباحث اليمني علي محمد زيد، إنما تتكثف تفاصيل الرواية (445 صفحة) في شكل يوميات من منظور أحادي، تقوم به شخصية وجدان التي تحكي تحولات الواقع من حولها، إضافة إلى غرائب ومواقف مشحونة بروح الفكاهة، في لغة جميلة ورشيقة. ومع أن السارد يؤكد أنه لا يقوم بسرد يومياته، إلا أن كمّ المواقف والتفاصيل، التي هو بطلها الرئيس، لا تدع مجالاً للاقتناع.
وينشغل السارد بمحاولة كشف الأسباب التي أدت إلى عزلته للقارئ، هذا الكشف الذي ظل يؤجله حتى آخر لحظة، فيكرر طوال الرواية في حديث مباشر إلى القارئ: «سأبوح لكم بسلسلة الأحداث... سأرصف أمامكم بالتزام وانتقاء ذلك الخط المستقيم من اللعنات والانكسارات والخرائب، الذي قاد حياتي حتى «علبة السردين».
ينقسم العمل إلى ثلاثة أجزاء، محورها كلها وجدان. الأول: «شارع دغبوس»، ويتناول فترة المراهقة وما يكتنفها من تفاصيل صغيرة، تترافق مع مراقبة شديدة لما يحدث، على الأقل ظاهرياً على الصعيد السياسي، من صراعات و تطبيق لمبادئ تبدو نافرة عن طبيعة المجتمع، لا يكفي ترديد الشعارات الثورية لترسيخها، يتخلل هذا الجزء دخول السارد في مغامرة عاطفية تنتهي بالفشل، لينتهي الجزء الأول باستعداد وجدان للسفر إلى فرنسا في العام 1978 للدراسة.
في ما تستغرق فترة الدراسة والحياة في فرنسا الجزء الثاني بكامله، يروي هذا الجزء وعنوانه «سانت مالو» مشاهدات السارد التي تصطدم في وعيه مع ما تختزنه ذاكرته عن اليمن.
هذا الجزء بدا مفصولاً عن الرواية، وهو أقرب إلى أدب الرحلات منه إلى جزء في رواية، فالسارد يحدثنا عن رحلاته في المكان على تنوعه واختلافه، عن أصدقاء الدراسة، عن المواقف التي يتعرض لها نتيجة جهله بتلك البلاد. ينتهي هذا الجزء بانقطاع المنحة الدراسية، من دون أن نعرف لماذا، وبعودته خائباً ومحبطاً بعد 15 سنة، لكن ليس إلى عدن إنما إلى صنعاء، حيث سيبحث عن محبوبة متخيلة. في الجزء الثالث «علبة السردين»يأتي البحث عن المحبوبة، مجرد ذريعة فقط لاكتشاف عاصمة الوحدة، إذ يعود وجدان بعد تحقق الوحدة اليمنية في 22 أيار (مايو) 1990، كما يشهد هذا الجزء دخوله في عزله طويلة، إذ يعيش نحو 8 سنوات في منزله، من دون أن يحاول الخروج. يتغذى السرد في الجزء على أفكار جاهزة ومستهلكة عن مدينة صنعاء، أفكار طالما طرحها المثقفون اليمنيون في جلسات المقاهي في عدن، ولا يعدو فعل السارد هنا سوى استدعاء تلك الأفكار والمقولات المسبقة...
ومع ذلك فالرواية تتعرض على نحو غير مسبوق، إلى تجربة الوحدة اليمنية وانعكاساتها على الواقع، إذ يختار السارد جملة شواهد لا يجيء اختيارها عفوياً أو بريئاً من شبهة الإيديولوجي، فمن خلال هذه الشواهد، يروح في تصوير تلك الانعكاسات على مقدار من السوء والجهل والدمار، ليس أقلها الصورة التي تطرحها الرواية عن صنعاء، إذ تأتي في مظهر المدينة:» المحنطة بالسواد، مدينة مسكونة بكل أنواع الجن»، تثير الاشمئزاز، وتتحول فيها الشخصيات المشهورة بنقائها الإيديولوجي، المقبلة من عدن، إلى مطبلين للنظام الحاكم في عاصمة الوحدة. وفي المقابل، تحضر عدن، تحت ظل اليمن الموحد، كمدينة مسكينة يخيم عليها شبح الجوع والفقر والمستقبل الأسود،»شيطان الجهل «يبترع» منتصراً على آخر معاقل المدينة المنهزمة».
تحاول الرواية، ضمن ما تحاوله،انتقاد النظام السياسي في شطري اليمن، قبل الوحدة وبعدها... لكن السارد يبدي تحيزاً واضحاً لحقبة ما قبل الوحدة، فعلى رغم الصراعات والقتال بين العناصر الاشتراكية نفسها، يزعم الراوي أنها كانت أجمل من العهد الذي توحد فيه شطرا اليمن: «كانت فترة صعبة لكنها كانت تعج بالآمال والطموحات...».
وضمن ثنائية عدن/ صنعاء، حقبة الوحدة وما قبلها، يمكن استيعاب الرحلة الخرافية، التي يقوم بها وجدان، إلى بلاد (دملان)، التي تأخذ الرواية اسمها، ولعلها تسمية مجازية للشمال، فالرحلة التي نعرف في الختام أنها ليست غير حلم طويل، على رغم واقعية تفاصيله، تكشف عن شبه كبير، من خلال الدمار والعزلة ووفيات الأطفال والطقوس الأسطورية وتفشي الفساد، بما يسوقه السارد من تفاصيل عن الواقع اليمني في الشمال. وعدا المشهدية وجمال اللغة الوصفية، قد لا يجد القارئ أن استخدام تقنية الحلم هنا أفاد الرواية وأسهم في ثرائها فنياً ورؤيوياً، فما يريد أن يكشفه السارد عبر الحلم، يكون قام به في شكل أكثر وضوحاً خارجه وعلى نطاق واسع، وبالتالي كأن الرواية تقع في التكرار، الذي لا طائل منه.
من جانب آخر، تحضر شخصية جعفر الدملاني، الذي قدم إلى عدن وهو شاب في السادسة عشرة، لتعبر عن القيم التي تسود في ذلك الشمال. فلسفته في الحياة، كسب كاف في مقابل مجهود ضئيل، كسول ولا يحب المعرفة والتعليم، حلمه أن يصير شيخاً كبيراً غنياً جداً، وأن يتزوج أربع صبايا، وأن يمتلك قصراً كبيراً مملوءاً بالخدم والحشم... واللافت في هذه الشخصية أنها تشهد تحولات مفصلية، فأحلامه تتحقق من دون أن يمنحنا حبيب عبد الرب سروري إمكان استيعاب كيف حدث ذلك، ففجأة نجده في فرنسا مع الراوي في منحة عسكرية، ثم يختفي ليظهر في عاصمة الوحدة (صنعاء)، وقد صار نافذاً، وسيعود إلى مدينة عدن، يمارس فيها سلطته الأسطورية. يمضي جعفر حياته انطلاقاً من وصايا عشر، يرى أنها مفتاح كل شيء في اليمن، نجاحه الخرافي وهو محدود القدرات، يأتي في مقابل فشل وإخفاقات وجدان، الذي أجاد اللغة الفرنسية وعلوم الكومبيوتر بإتقان.
تجربة الكترونية
في الجزء الثاني»سانت مالو»، نقرأ:»أريد رواية جديدة تنضح خيالاً و دهشة، أريد أحداثاً مثيرة، نصاً مختلفاً يربكني... أريد رواية حقيقية لا أعرفها مسبقا، أريد أن أفاج». يحاول السارد من خلال برنامج إلكتروني يدعى» شهرزاد» أن يكتب رواية في تلك المواصفات، فينصحه صديقه (ح ع س) مصمم البرنامج: «عليك أن تملأها بمواد خام من الأحداث والقصص، أن تشحنها بالأحلام والاستيهامات، أن تغدقها بنماذج بشرية وأمكنة كثيرة...». على أن نصيحة (ح ع س) وهذه هي الحروف الأولى من اسم المؤلف يمكن تلمسها في شكل جلي في رواية «دملان»، إذ جاءت مشحونة ببشر وأمكنة عدة، ولهجات وكلمات موغلة في شعبيتها، ولغة كومبيوتر ومشاهدات وأحلام... لكن هل صنع منها كل ذلك رواية تدهش الكاتب وتربكه قبل القارئ؟!
عن " الحياة "
قراءة في ثلاثية اليمني حبيب سروري: رواية شاملة تزاوج بين المتخيل والافتراضي
محمد برادة الحياة 2005/05/29
يطالعنا من وراء «دملان» بأجزائها الثلاثة (مؤسسة العفيف - صنعاء، 465 صفحة)، للكاتب اليمني حبيب عبد الرب سروري، نزوع الى كتابة رواية شاملة، كلية، تُزاوج بين الرحلة والتعلم، بين أسطرة الواقع وانتقاده، بين نص التخييل الحلمي ونص الحاسوب الافتراضي المتوسل بالكلمات وبالموسيقى الالكترونية.
هي رواية «كلية» لأنها، الى جانب تجريب طرائق متباينة في تشكيل النص، تطمح الى تصفية حساب – بالمعنى الفكري – مع مجموعة أسئلة جوهرية تواجه شاباً يمنياً يقف موزعاً عند مفترق طرق بين سطوة الماضوية ونداءات العصر الحديث، وكأنه يعيش، بالمعكوس، تجربة أهل الكهف الذين ناموا دهراً وصحوا على زمن آخر، فيما عاش وجدان زمن الحداثة أثناء دراسته في فرنسا ثم عاد الى بلاده ليجد نفسه محاصراً بعقلية أهل الكهف.
لكن التركيب الفني المزيج، يفتح الرواية على مسالك وتيمات متكاثرة، تتضافر لتمثيل الرؤية التي لا يطاولها المنطق الواقعي وحده. من ثم، نجد ان الثلاثية المقسمة الى ثلاثة أجزاء: «شارع دغبوس» و»سانت مالو» و»علبة الصاردين» (السردين)، ينتظمها على رغم اختلاف فضاءاتها وفتراتها الزمنية، حلم أساس تبدأ به الرواية في جزئها الأول ثم تعود لاستكماله في نهاية الجزء الثالث، فيأخذ ضمن البناء العام، طابع النموذج المضاد لما تعيشه الشخصية المركزية «وجدان» من خيبات عاطفية ويتحول الى مجال للتنفيس عن مرارته تجاه الأوضاع السياسية والاجتماعية الموغلة في التزييف والجمود. على هذا النحو، يأتي بناء الثلاثية دائرياً: ينطلق من الحلم وينتهي اليه قبل أن يستيقظ وجدان على كابوس الواقع القائم، المفزع.
يستحضر الجزء الأول الحامل عنوان «شارع دغبوس»، لحظات بارزة من طفولة ومراهقة «وجدان» الذي آلت به رحلته الحياتية الى الانغلاق طوال ثماني سنوات داخل غرفته وكأنه في علبة سردين، على حد تعبيره. وهو يرتد الى طفولته ومراهقته بحثاً عن نواة مشكلاته وتعثراته. لقد عاش «وجدان»، المولود في إحدى قرى تنزانيا، قصتي حب: الأولى وهو في الثامنة مع بنت يسميها مانيارا، والثانية مع سوسن حفيدة جدته سلمى في عدن، والتي ستنقلب الى مأساة تلازمه على مر الأيام. من هاتين التجربتين، سيتعلم «وجدان» تقديس المرأة واعتبارها الأفق المخلص. لكن الجرح الأعمق، هو ما لحق «وجدان» من أسرته ومن تجربة الاشتراكية العلمية الفوقية في عدن خلال السبعينات. في محيط العائلة، كانت أمه تسرف في تحصينه ضد اغراءات البنات والعلاقات العاطفية. وكان أبوه المؤذن في أحد المساجد، يطمح الى أن يصبح خطيب يوم الجمعة، فلما تحقق له ذلك، اكتشف أن ليس له موهبة الخطيب، فاضطر «وجدان» وهو في الرابعة عشرة من عمره، الى أن ينوب عن والده في تدبيج وإلقاء خطب صلاة الجمعة، والى ان يرتدي الجلابية والعمامة، ما تسبب له في نفور الفتيات منه ومضايقة عيون «النظام الاشتراكي» لممثل الكهنوت!
أسفرت علاقة وجدان العاطفية البريئة، مع سوسن المطلّقة، عن فضيحة عرضتها للخطر، لأن جعفر حارس بيت الجدة، أبلغ والدة «وجدان» ان ابنها يختلي بسوسن لتقرأ عليه صفحات كتبتها عن قصة حياتها وخيانة زوجها لها... الا ان حبه لنسرين سيظل ثاوياً في الأعماق، وسيعود الى الظهور بقوة بعد عودته من فرنسا واستئنافه البحث عن سوسن المختفية... كان «وجدان» قد تعرف إلى جعفر الدملاني في منزل جدته سلمى ونشأت بينهما صداقة غريبة لأن جعفر شخصية نقيض له، فهو يحب الضحك وتقليد حركات الناس والسخرية منهم، ولا يتورع عن شيء في سبيل تحقيق مكاسب اجتماعية وسياسية على نحو ما تبين ذلك خلال فترة الخدمة العسكرية التي خلّفت في نفس «وجدان» ندوباً لم تندمل. وتشاء الصدف أن يغدو جعفر الشخصية – الضد الملازمة لوجدان، والواقعة على طرف نقيض من مساره ومصيره. ذلك أنه حصل هو الآخر، مثل «وجدان»، على منحة للدراسة في فرنسا، فالتقيا في المطار وأصر جعفر على أن يظل قريباً من «صديقه» الذي بذل ما في وسعه للابتعاد عنه، فاختار «سانت مالو» الواقعة في الشمال الغربي ليبتعد عن جعفر الذي اختار مدينة نيس...
يمكن القول ان هذا الجزء الأول من الثلاثية، هو على مستوى التركيب الفني، بمثابة «رصد مرآتي» يؤشر إلى تطورات لاحقة، ويستبق أحداثاً سنتعرف إلى تفاصيلها في الجزءين التاليين.
في الجزء الثاني، «سانت مالو»، يسرد علينا «وجدان» – دائماً بضمير المتكلم – رحلته العلمية واكتشافه لعلائق مجتمعية مغايرة، واستمرار فشله العاطفي والجنسي. اكتشف في مدينة «فيشي»، خلال تعلمه اللغة الفرنسية، فضاء الطلبة وحرية الاختلاط، غير انه فوجئ بجعفر يلاحقه الى هناك فاحتمله على مضض وواصل دراسته بجد الى أن تمكن من الانتقال الى سانت مالو والالتحاق بكلية العلوم. كان «وجدان» يتحرق الى أن يعيش علاقة عاطفية قوية، لكن سوء الحظ جعله يغرم بإيزابيلا في الوقت نفسه الذي تعلق بها صديقه الفرنسي فردريك: علاقة حب ثلاثية عاصفة في ظل نشاطات سياسية موالية للحزب الشيوعي، والمحبوبة موزعة لا تستطيع الحسم بين عاشقيْها، فيقررون الاحتكام الى ضربة نرد تفصل بينهم، فكان الحظ لفردريك!
في الأثناء، يلتقي «وجدان» بجعفر ومعه روسية عمدها باسم «حفصة»، ممعناً في لهوه ومغامراته، معرضاً عن الدراسة والتحصيل. أخبر جعفر «وجدان» بأن اليمن محتاجة اليه، أي ان قبيلته تريد أن تُنصبه شيخاً ذا نفوذ. يعود جعفر الى صنعاء حيث يغدو صاحب سلطة ونفوذ ومال وفير. أما «وجدان» فيتابع اقامته في سانت مالو لانهاء أطروحة، متحمّلاً خيبته في العشق، معوضاً عن ذلك بالانغمار في متاهات الحاسوب، مبتدعاً شخصية افتراضية سماها «تيماء» وجعل منها خلال خمس سنوات، ولعه وهوسه وعشقه الفاتك! صار «وجدان» يحلم بكتابة: «برنامج كومبيوتر يؤلف لي روايات خيالية. لم أكن أعشق شيئاً في الدنيا أكثر من روايات الخيال...». (ص 225)، ولأن طيف «تيماء» سيطر على مخيلته، فإنه لم يستطع أن ينجح في أي علاقة مع طالبات الكلية، لأن لا واحدة منهن هي مثل «تيماء».
راح «وجدان» يستعين بصديقين من شلته ليمداه ببرنامج حاسوب ينتج روايات حتى يتمكن من رؤية «تيماء» تتحرك داخل فضاء القصة التي يتخيل أنه يعيشها معها. أمداه ببرنامج «شهرزاد» الذي يحتاج الى ان يضخه بمعلومات كثيرة لينتج له روايته. واستطاعت شهرزاد – الحاسوب أن تكتب نصاً يشخص قصة «وجدان» مع «تيماء» المتخيلة ونسرين الكامنة في الذاكرة، لكنه لم يحتمل ما ابتدعته شهرزاد التي ردت على اعتراضه: «آسفة جداً، «تيماء» بالنسبة لي مثل نسرين تماماً، ضحيتان روائيتان بنفس المقام، لا أستطيع أن ألغي احداهما الآن دون أن تتحول الرواية الى مهزلة». (ص 286).
أخفقت، اذاً، جهود «وجدان»، في أن يعيش عشقه المثالي عبر رواية تنجزها شهرزاد الالكترونية بحرية ومن دون اعتماد على أحداث وعناصر تشحن بها. بل ان «وجدان» لم يحتمل ذلك الصراع اللامتوقع بين الشخصية المعشوقة الافتراضية والأخرى «الواقعية» الكامنة في الأعماق... عندئذ، كسر الحاسوب وقرر العودة الى صنعاء ليلتقي معشوقة جنية متجنسة ببني الإنس، بعد أن تأكد من أن لا حظ له مع بنات حواء، متأثراً بما حكاه له أحد الطلبة المغاربة في فرنسا عن أنه قد يكون منذوراً لأن يُناكح بنات الجن فقط!
نلاحظ، في هذا الجزء الثاني، أننا على امتداد ثلاثة فصول، نقرأ ميتاً – رواية من خلال برمجة «وجدان» نماذج تصنع نموذجاً روائياً مفترضاً عبر الحاسوب. وهذا التضعيف النصي يتوخّى اثارة الانتباه الى الأفق المعرفي المتنامي منذ ثمانينات القرن الماضي، ويستحضر بعداً تخييلياً اضافياً يبرز – في شخصية «وجدان» – طابع الرومانيسك باعتباره نموذجاً مضاداً للواقع المألوف عند القارئ.
يكتشف وجدان بعد عودته الى صنعاء (الجزء الثالث)، ملامح البؤس وعجائب الحياة الليلية، وفتنة المعمار التي جذبت سيدة أجنبية، سماها عنانيص، الى تصوير «سمسرة النحاس» التي كان هو أيضاً موجوداً بها... سرعان ما انغمر «وجدان» في استحضار معشوقته الجنية عبر برنامج رقمي يتوسل بالموسيقى الالكترونية بدلاً من الكلمات. وذات ليلة، رأى شبح امرأة ملثمة واقفة بالقرب من الفندق، فظنها من ستدله على بغيته، لكنها كانت هناك لتستدرجه حتى يأتي آخرون ل»يدقدقوا» عظامه ويستولوا على فلوسه. اضطر «وجدان» حينئذ الى الاستعانة بجعفر الذي أصبح شيخ قبيلته، فزوده بالوصايا العشر لحماية النفس في يمن ما بعد الثورة، وأعطاه عشرة آلاف دولار تعويضاً عما ضاع منه، الا ان حراس جعفر نشلوا منه المبلغ... عندئذ قرر «وجدان» العودة الى منزل أبويه في عدن، وآل به الأمر الى الانحباس داخل غرفة ليتحاشى رؤية البؤس والتدهور، وليتناسى خيباته العاطفية المتواترة. بعد مرور ثماني سنوات على سجنه الاختياري، يحلم ذات ليلة، أنه يذهب برفقة أستاذه نجيب وعنانيص الأجنبية، في رحلة الى مملكة دملان.
في تلك الرحلة الحلمية الى جبال الهملايا ثم الى العاصمة الميثولوجية لمملكة دملان: «تنكاء»، يكتشف «وجدان» حضور وجمال وفاعلية المرأة من خلال عنانيص التي جمعها الحلم بأستاذه الطيب نجيب، ومن خلال المؤسسة الثقافية التي تشرف عليها ناتارين الجميلة. تعلق قلبه بهذه المملكة المطمورة التي تقودها النساء بجرأة وذكاء، خصوصاً عندما استمع الى ناتارين وهي تدعو الى: «احداث تغيير اجتماعي جذري على ايقاع اسطورة تحرك الجماهير»، مبررة ذلك بأن «كل الحركات الاجتماعية والثورات الدينية أطلقت عباراتها الأولى على ايقاع حلم أو أسطورة، وبدأت تغييراتها الاجتماعية رويداً رويداً، في أطر تنسجم مع ثقافة الناس عشية التغيير، ومع ما يتوقون اليه». (ص 495). وخلال تحضير النساء لحفلة تتويج تشومولونجا امبراطوراً على المملكة، تبدى ل «وجدان» ان الامبراطور المزعوم هو جعفر الذي لم تعجبه الاشادة بمجيء الملكة الموعودة، فوجه بندقيته نحو ظهر مانيارا، تلك الجميلة التي عشقها «وجدان» في طفولته قبل أن تصبح رمزاً للتغيير. لكن ما أثلج صدر «وجدان» هو أنه، خلال جولته مع الأستاذ نجيب وعنانيص، لمح طيف رعية جميلة سرعان ما تكشف عن وجه حبيبته نسرين، فأمضى معها ليلتين سماويتين، وصار انساناً آخر: «صار الكون في ناظري نسبياً، افتراضياً، هلامياً جداً. وهي الحق، المطلق. هي الجذر والمركز، هي البداية والنهاية» (ص 441).
أشرفت الرحلة الحلمية التي اجترحت البديل، على نهايتها فعاد «وجدان» الحابس نفسه داخل غرفة السردين الى الواقع الكالح: «انتهى الحلم فعلاً. ها هو كابوس اليقظة الدائم: شارع دغبوس. ما زال مقفراً، كئيباً، أكثر عبوساً وجوعاً وفقراً وتدهوراً من أي وقت مضى...» ص: 458.
كابوس اليقظة وأسئلة محيرة
استطاع حبيب عبد الرب سروري أن يبتدع في ثلاثية «دملان»، صيغة روائية متعددة الأدراج والطوابق، تزاوج بين فضاءات اليمن وفضاءات فرنسا، بين مشاهد الواقع ومراتع الحلم ومواقع الحاسوب...
وعلى صعيد التركيب الفني، نجد مستويين يتراوحان في التشكيل والحكي:
- السرد المؤسطر للواقع (الرحلة الحلمية، تجربة الحاسوب في برمجة كتابة رواية مؤتمتة، استحضار الطفولة في تنزانيا...).
- والسرد اليسيري للطفولة والمراهقة في عدن، وتجربة الحياة في فرنسا ثم العودة الى اليمن.
وبقدر ما يستبدل السرد المؤسطر التخييل بالواقع، بقدر ما يبدو نموذجاً مضاداً لما هو مألوف في الحياة المعتادة، أي ان الكاتب يصوغ رومانيسكاً مركباً من التخييل الحلمي والافتراضي ومن غرابة شخصيتي «وجدان» وجعفر المتناقضتين والمؤطرتين لحيز القيم السائدة والمتصارعة داخل المجتمع. وهذا الشكل المفتوح، الفضفاض، يتسع للأفكار والانتقادات الكثيرة الكامنة وراء صوغ النص. واذا انطلقنا، في التأويل، من صدمة اليقظة التي دهمت «وجدان» بعد عودته من فرنسا ومعاينته، عبر المقارنة، مدى المسافة الفاصلة بين نموذج المجتمع الغربي المالك لدينامية الفعل والتطور وانتاج المعرفة، وواقع مجتمعه الغارق في منطق القبيلة والغيب والأنساق الوثوقية والوصائية، فإن هذا المناخ يجعل أسئلة الفرد اليمني، تأخذ طابعاً جذرياً يبرز تبادل التأثير بين المجتمع والفرد، بين إرث الماضي وتحديات الحاضر والمستقبل.
لكننا اذا انطلقنا من مسار «وجدان»، الشخصية الأساس، التي وسمها الكاتب بانهزامية شبه قدرية تتحكم في اختياراتها ومواقفها، فإنني أخشى أن نؤول الى تفسير بالجوهرانية يسجن «وجدان» في خانة الطبائع التي تتحكم في الفرد ومصيره.
يكون من الأفضل – والرواية تقدم لنا بتركيبها وتخييلاتها العناصر اللازمة – أن نؤول النص من منظور جدلي يستحضر السياق ويشغل أبعاد التخييل. على هذا الأساس، تبدو رحلة «وجدان» الى فرنسا، انفتاحاً على الحداثة واكتساباً لوعي مغاير للوعي الموروث. الا ان رواسب الطفولة والمراهقة السلبية داخل بيئة قامعة، مراقبة، ومع استمرار سياسة الوصاية والروابط العشائرية، ودونية المرأة، كل ذلك يعطي للبنيات الماضوية القدرة على امتصاص وتعطيل محاولات التحديث ونشر الوعي الجديد.
لا يجد «وجدان»، المأخوذ في هذا الشرك، سوى طريق الحاسوب وابتداعاته الافتراضية لمجاوزة انهزامه المعقد الأسباب، وسوى طريق الحلم الذي يجعل من المرأة الجميلة الذكية، أفقاً للتغيير وتجديد «الأسطورة المؤسسة» لمجتمع العدالة والمساواة...
على هذه الشاكلة، تكون ثلاثية «دملان» قد طرحت بقوة اشكالية الزمن «المتوقف» داخل مجتمع اليمن (وكل المجتمعات العربية ضمنياً)، لأن آليات التعامل معه لا تفضي الى دينامية مغيرة. وفي المقابل، يجعل الكاتب من الحلم والتمرد وحضور المرأة، وسيلة لتحريك ذلك الزمن المتوقف، الدائري، الذي يحول المواطنين مجرد سردين داخل علب عفنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.