يأتي احتفاؤنا هذا العام بالذكرى ال24 من عمر الوحدة اليمنية المباركة، وبلادنا تشهد زخماً حافلاً بالانتصارات والبطولات التي حققها أبطالنا في القوات المسلحة والأمن واللجان الشعبية في جبهات القتال ضد فلول الإرهاب في كل مناطق ونواحي شبوة وأبين ومأرب.. تتزامن تلك الانتصارات، ويفوح شذاها.. وعبيرها ليعانق فرحة شعبنا بمناسبة العيد ال24 للوحدة اليمنية الخالدة.. إن مرور 24 عاماً من عمر الوحدة اليمنية الخالدة ليس بالأمر السهل خاصةً في ظل الأوضاع والتحديات التي يعيشها الوطن.. ولكن عجلة التاريخ دائماً تدور نحو الأمام.. رغم حجم التحديات والمعوقات.. لأن حقائق التاريخ والجغرافيا تؤكد ان من رحم المعاناة والمكابدة تولد الثورات.. وتبنى الدول والشعوب.. وان المؤامرات والدسائس والأزمات لن تزيد الشعوب إلا صلابةً وقوةً وإصراراً على المضي نحو تحقيق أهدافها المنشودة.. وعلينا ان ندرك حقيقة مفادها: ان الشعوب التي تمجد ماضيها وتغفل عن أخطائها وسلبياتها.. وتنسى أو تتناسى حاضرها ومستقبلها، هي شعوب تظل تعيش على أوهامها، وأحلامها التي لم تخلق بعد.. الذكرى ال24 من عمر الوحدة المباركة مليئة بالجراحات والدماء.. كما هي حافلة بالإنجازات والمكاسب.. وليكن تقييمنا شاملاً ومنصفاً لما تم إنجازه.. ولما لم يتم إنجازه.. دون تحيز أو محاباة.. لأن الأمانة العلمية والتاريخية تفرض علينا ذلك.. هناك سلبيات وقصور.. وممارسات خاطئة.. مورست ضد أبناء المحافظات الجنوبية منذ قيام الوحدة وحتى عام 2010م.. من إقصاء وتهميش لمعظم الكوادر والكفاءات من رجال قواتنا المسلحة والأمن، وفي كافة مؤسسات الدولة المدنية.. كل هذا بسبب رواسب حرب صيف 1994م المشؤومة.. التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير «بعير مسار الوحدة».. ومنذ اندلاع تلك الحرب أصبحت الوحدة تسير على قدمٍ واحدة .. مشلولة الزمان والمكان.. ومجهولة الهدف والمصير.. إلى ان جاءت هبة الشباب على مستوى محافظات الجمهورية لتعيد للوحدة والوطن رونقه.. وألقه، وتصحح المسار الوحدوي.. والوطني.. والسياسي لبناء يمن جديد.. علينا ان نحترم عقلية شبابنا وقرائنا.. ان الوحدة لم تولد على مهد مفروش بالورود والياسمين.. بل عانت وقاست وكابدت وكافحت ونافحت من اجل ان تعيش حرةً أبيةً شامخةً.. ولكن أيادي المستبدين والحاقدين والمتمصلحين أرادوا لها أن تعيش مشلولة اللسان واليدين.. والقدمين حتى يعيثوا في الأرض فساداً وإفساداً.. ليصنعوا لهم بطولات وهمية ومجداً زائفاً يلبي لهم رغباتهم المريضة.. ولكن دوام الحال من المحال.. فذهبت أحلامهم الصفراء.. وثرواتهم الملوثة وقصورهم المدنَّسة أدراج الرياح.. لأنهم لو آمنوا واتقوا، واخلصوا النوايا لله ثم لشعوبهم لما وصلوا إلى ماهم عليه الآن.. ولكن طغوا واستبدوا فكان جزاؤهم من جنس أعمالهم وأفعالهم.. إذا اردنا بناء الدولة اليمنية المعاصرة على أسس قويمة.. ودعائم راسخة، وركائز نابعة من قيمنا الروحية والثقافية والحضارية والتراثية علينا بالاهتمام أولاً بتوفير الأمن والغذاء للمواطن.. ثم بناء العقيدة الصحيحة في نفوس وعقول النشء بدءاً بالمناهج الدراسية وانتهاءً بدور وبيوت الثقافة والمساجد والجامعات.. لن نتقدم خطوةً إلى الأمام، ومازالت هناك عقول متخلفة تعيش بيننا.. وثقافة مهترئة.. وعقليات سلطوية مستبدة.. تعودت على ماضيها.. فلابد من تحررها ومعاصرة ومواكبة ثقافة العصر الحديث.. وإلَّا سنظل في مؤخرة الركب الحضاري العالمي.. أو تتلاشى حضارتنا وتاريخنا -لا سمح الله-.. لهذا وذاك علينا ألا نفكر في مساحات رؤانا الذاتية.. وننسى مساحات الوطن الشاسعة الواسعة.. مهما تلبَّدت السماء بالسحب الداكنة السواد.. فلابد من غيث ورحمة وإيمان.. غيث الإيمان في قلوبنا.. وغيث الرحمة في أوطاننا.. وليكن احتفاؤنا بالعيد الرابع والعشرين للوحدة المباركة هو تقويم وتصحيح للمسار الوحدوي لبناء اليمن الجديد بعيداً عن المغالاة والمباهاة.. وليدرك الجميع ان الوحدة لا خوف عليها اليوم من أي ترهات أو مماحكات أو مؤامرات.. لأنها أصبحت أوكسجين اليمانيين بدونها لا يستطيعون الحياة.. هل يدرك هؤلاء وأولئك فحوى الرسالة؟!.. أم مازالوا في غيهم وضلالهم القديم؟!..