18 محافظة على موعد مع الأمطار خلال الساعات القادمة.. وتحذيرات مهمة للأرصاد والإنذار المبكر    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    خطر يتهدد مستقبل اليمن: تصاعد «مخيف» لمؤشرات الأطفال خارج المدرسة    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    رواية حوثية مريبة حول ''مجزرة البئر'' في تعز (أسماء الضحايا)    اسباب اعتقال ميليشيا الحوثي للناشط "العراسي" وصلتهم باتفاقية سرية للتبادل التجاري مع إسرائيل    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    جامعي تعزّي: استقلال الجنوب مشروع صغير وثروة الجنوب لكل اليمنيين    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    ما الذي يتذكره الجنوبيون عن تاريخ المجرم الهالك "حميد القشيبي"    الزندان أحرق أرشيف "شرطة كريتر" لأن ملفاتها تحوي مخازيه ومجونه    الحوثيون يلزمون صالات الأعراس في عمران بفتح الاهازيج والزوامل بدلا من الأغاني    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    وفاة شابين يمنيين بحادث مروري مروع في البحرين    اعتراف أمريكي جريء يفضح المسرحية: هذا ما يجري بيننا وبين الحوثيين!!    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    الدوري الاسباني: اتلتيكو مدريد يعزز مركزه بفوز على بلباو    تشيلسي ينجو من الهزيمة بتعادل ثمين امام استون فيلا    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    ضربة قوية للحوثيين بتعز: سقوط قيادي بارز علي يد الجيش الوطني    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    قيادية بارزة تحريض الفتيات على التبرج في الضالع..اليك الحقيقة    إصابة شخصين برصاص مليشيا الحوثي في محافظة إب    الشيخ الأحمر: أكرمه الأمير سلطان فجازى المملكة بتخريب التعليم السعودي    قبل شراء سلام زائف.. يجب حصول محافظات النفط على 50% من قيمة الإنتاج    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    فريق طبي سعودي يصل عدن لإقامة مخيم تطوعي في مستشفى الامير محمد بن سلمان    اختطاف خطيب مسجد في إب بسبب دعوته لإقامة صلاة الغائب على الشيخ الزنداني    ارتفاع إصابات الكوليرا في اليمن إلى 18 ألف حالة    أسفر عن مقتل وإصابة 6 يمنيين.. اليمن يدين قصف حقل للغاز في كردستان العراق    "نهائي عربي" في بطولة دوري أبطال أفريقيا    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    لماذا يخوض الجميع في الكتابة عن الافلام والمسلسلات؟    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة السبتمبرية وعلاقتها بالهوية اليمنية
نشر في حشد يوم 10 - 10 - 2009

من منكم لا يشعر بالاعتزاز والانتماء لتربة هذا الوطن مهما جانب التبرم والتذمر تفكيره جراء غبنه الذي قد تخلقه مواقف وظروف معينة وفي مقدمتها المعيشية إن ساءت؟؟! بالتأكيد أننا جميعاً نشعر بايما اعتزاز بيمنيتنا وليس جديداً علينا هكذا شعور "باعتبار هذا الاعتزاز هو جزء لصيق بالشخصية اليمنية جبلنا عليه منذ الأزل ونتوارثه جيلاً بعد جيل، باعتبار هذا التوارث مفردة رئيسية من مفردات هويتنا الثقافية، على نحو جعل اليمن وطناً يعيش فينا قبل ان نعيش فيه وليس أقل من هذا اعتزازنا بثقافتنا الجمعية في جوانبها القيمية والسلوكية ذات السمات المتفردة".
اليوم، والثورة اليمنية المباركة الأم ثورة ال26 من سبتمبر توشك أن تدلف عقدها السادس نحبذ ان نكتشف معكم علاقة الثورة السبتمبرية بالهوية الثقافية الوطنية اليمنية تأثيراً وتأثراً والى أي مدى خدما بعض من خلال استعانتنا ببعض آراء الأكاديميين والباحثين المتخصصين وتسليط الضوء على خاصيتين فقط من خصائص الثقافة الوطنية والهوية اليمنية هما ثقافة العمل والفكر التعاوني بالإضافة إلى عقلانية الثورة اليمنية.
عقلانية الثورة

يقول الدكتور حمود العودي – أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء: ان"الثورة اليمنية المعاصرة عودة لعقلانية الماضي والانطلاق نحو المستقبل.." ذلك ان عقلانية التفكير والسلوك ميزة يمنية ويمكن تحديد مفهوم ومضمون هذه المفردة الصفة الجوهرية في ثقافتنا الوطنية عبر التاريخ في اهتمام الإنسان اليمني وتركيزه النظري والعملي على ما هو موضوعي (...) وإعراضه أو عدم غلوه فيما هو عقائدي وزهده الشديد فيما هو خيالي وفلسفي ميتافيزيقي من جهة أخرى، وميله إلى التبسيط والتجريب العقلاني في التفكير والسلوك من جهة ثالثة.. والدليل على ذلك هو غياب الغلو الديني وتغليب الفكر الواقعي – قديماً – وأيضاً استجابة اليمنيين طوعاً للدعوة الإسلامية بسبب عقلانيتها..، وبناءً على ذلك يرى الدكتور العودي ان "رفض اليمنيون للإمامة هو رفض للغلو الديني المنافي لجوهر الإسلام والثقافة الوطنية" ويستطرد: يكفي ان نشير إلى ما صنعته الإمامة في اليمن من محاولات تكريس نزعة المغالاة في التشيع وتقسيم الحقوق السياسية والدينية والاجتماعية بين الناس على أسس مذهبية وعنصرية مقيتة حيث كان الإمام يحيى نفسه يقود مواكب يوم عاشورا إلى ضواحي مدينة صنعاء ويحمل الناس على الإيمان بحقه الإلهي وحق سلالته الوهمية في السلطة والوصاية على الدين والدنيا من دون الناس، وذم وتكفير من يقول بغير ذلك في الحاضر أو قاله في الماضي في اليمن وغير اليمن، وتمت محاولات دؤبة لتعميم ثقافة الغلو هذه في حياة المجتمع اليمني عبر عقود طويلة من حكم الإمامة المتأخرة بدءاً من موكب عاشورا الإمامي هذا مروراً بتوظيف المسجد والمدرسة وحتى تهاليل دفن الموتى وأناشيد ومداحي الأعراس والمناسبات ومجاذيب القرى والطرق لتكريس مفهوم الإمامة وسلطة مقدسة، وقد كان جدير بتلك الجهود الحثيثة والطويلة ان تجعل من اليمن (قم) أخرى أو كربلاء أو نجف ثانية، إلا ان خاصية الوجدان العقلي وندية الشخصية اليمنية وعدم ميلها إلى الغلو العقائدي من أي نوع لم يحل دون ذلك المشروع الإمامي المتخلف فحسب بل قد انبثق من عمق ذلك الغلو الظلامي المتخلف فجر فكر وثقافة إسلامية يمنية عقلانية ومستنيرة متقدمة.. ولم يتوقف تأثير تلك الثقافة والفكر العقلاني المتطور على مواجهة تيار الغلو الظلامي للإمامة المتخلفة في اليمن وقطع دابره فحسب بل امتد إشعاعه المشرق إلى مختلف الأقطار العربية والإسلامية، وسقطت بذلك الإمامة كثقافة متخلفة قبل ان تسقط كسلطة سياسية أكثر تخلفاً في السادس والعشرين من سبتمبر 1962م.
الثورة اليمنية المعاصرة بالفعل عودة لعقلانية الماضي والانطلاق نحو المستقبل.. تلك الثورة التي وضعت نهاية لسلطة الإمامة المستبدة كما وضع قادة الفكر والثقافة الوطنية والإسلامية المستنيرة حداً لثقافتها المتخلفة.. والحديث ما زال للدكتور حمود العودي..: إلا أن البقايا العفنة والمريضة من حثالة تلك السلطة وتلك الثقافة والمتمصلحين بها في الماضي لم يتخلوا بعد عن أحلامهم بالعودة إليها في المستقبل والذين لن يكون الحوثي هو أولهم ولا آخرهم، جاهلين أو متجاهلين على الأصح حقائق التاريخ والواقع المتعلق بطبيعة التكوين الاجتماعي والتاريخي لهذا المجتمع التي تتناقض وطبيعة تلك الثقافة العنصرية المريضة وأحلامها السياسية المخزية ناهيك عن جهلها لمتغيرات التاريخ والعصر وان لا مكان فيها للطاغوت والكهنوت، فالثورة اليمنية بأبعادها الشعبية والوطنية والوحدوية والديمقراطية ومبادئها الستة بقدر ما انها قد شكلت بذلك تجاوزاً ثقافياً وتاريخياً لواقع ثقافة الإمامة والاستعمار والتجزئة فانها قد جسدت كذلك روح العقلانية كخاصية حضارية وثقافية أصيلة في ماضي وحاضر المجتمع وتطلعاته نحو المستقبل.

إستراتيجية فكرية

بعد قرون طويلة من العزلة والجمود وبقيام الثورة اليمنية الكبرى في بداية الستينات شهدت اليمن تحولات شاملة سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، كما أحدثت الثورة تغييراً جذرياً في بنية المجتمع اليمني القديم، وفي الجانب الثقافي شهدت اليمن تحولات كمية وكيفية في مجال التعليم والثقافة.. بهكذا جمل مقتضبة ومكثفة تحدث الدكتور حسن الكحلاني – أستاذ الفلسفة المعاصرة وفلسفة التاريخ والحضارة بجامعة صنعاء عن الثورة اليمنية خلال وقوفه على الأسس الفلسفية والنظرية للهوية الثقافية الوطنية والقومية، وبشيء من الإيضاح يقول الدكتور الكحلاني: "اقتحمت اليمن عصراً جديداً من الانفتاحات وخرجت من عزلتها وانفتحت على ثقافتها العربية، واتجهت إلى الانفتاح على الثقافات الإنسانية بعد قرون طويلة من الانغلاق على الذات والعزلة والجمود.. وقد أحدثت هذه التحولات تراكماً معرفياً وثقافياً عظيماً شكل إضافة وثراء وغنى لهويتنا الثقافية الوطنية لما يقرب من نصف قرن".
ويضيف الكحلاني: "لقد حقق شعبنا الكثير من الانجازات في مجالات متعددة لكونه يحمل أهدافاً واضحة رسمتها ثورته العظيمة، ويمتلك هوية ثقافية معالمها واضحة ومتميزة، أثرتها مبادئ الثورة وأغنتها، وعمقت جذورها الوطنية والقومية والإنسانية وشكلت تلك الإضافات الجديدة إلى هويتنا الوطنية قوة دفع جديدة".
لكن هل انجزت الثورة كلما كان مؤملاً منها تحقيقه؟.. يجيب الدكتور الكحلاني على هكذا سؤال بقوله: "الإنجازات التي حققتها الثورة اليمنية اعترضها الكثير من الأخطار والأزمات التي تعرقل سيرها التقدمي في كل مراحلها مما أدى إلى تأخر تحقيق معظم أهدافها النبيلة.. مثلها مثل سائر الشعوب العربية خصوصاً في هذه المرحلة التاريخية التي تتعرض فيها أمتنا العربية لسلسة من المؤامرات الاستعمارية من جهة وعدم إدراك البعض لخطورة تلك المؤامرات من جهة أخرى، ففي ظل حركة النهوض والتقدم الذي تسعى إليه قيادتنا السياسية وشعبنا العظيم تعترض مسيرتنا أخطار كثيرة ناتجة عن تحديات داخلية وأخرى خارجية يتركز معظمها في الجانب الفكري والثقافي".
لكن ما الحل؟؟!
بحسب الدكتور الكحلاني فان حل مثل هذه المعضلة يكمن في "ان التحديات الفكرية والثقافية التي تواجه الشعوب، لابد ان تجد لها ردود أفعال، ولابد ان يسعى مفكروها إلى وضع استراتيجية فكرية للتصدي للأزمات الداخلية والتحديات الخارجية، حيث لا يمكن ان نواجه الفكر إلا بفكر، ولابد ان يحمل الفكر رؤية جديدة لمواجهة مشكلات وتحديات جديدة أيضاً، إذ لا يمكن مواجهة إشكالات الحاضر بحلول من الماضي وهذا لا يعني التخلي عن عناصر القوة في تراثنا أيضاً.. ان قدرة الشعوب في مواجهتها للأزمات تكمن في خلق أفكار جديدة، تعالج مشكلاتها المتجددة، أما الأمم التي تبحث عن إجابات قديمة لإشكالات جديدة فهي أمم ميتة فاقدة للوعي، تعيش على الذاكرة فقط، ان عوامل النهوض تكمن في إنتاج فكر نظري جديد، يحدد من نحن وما أهدافنا المستقبلية".

في ثقافة المهنة

خاصية احترام العمل المهني المنتج هي إحدى المكونات الخاصة بالثقافة الوطنية اليمنية منذ القدم وثوابتها المستمدة من طبيعة المكان وأسباب وظروف معيشة الإنسان عليه.. هذا ما يؤكده الدكتور حمود العودي الذي يرى "ان معظم الحضارات والثقافات القديمة والوسطية وحتى قيام الثورة الصناعية قد اتسمت باحتقار العمل المهني واليدوي المنتج، في حين ان هذه الصورة قد اختلفت كثيراً بالنسبة لليمن وما في حكمها من مناطق الفائض الأقل بجهد أكبر ليس فيما يتعلق باحترام العمل والإنتاج كقيمة عليا في حياة الناس بدلاً من احتقاره، منذ نشوء الحضارة اليمنية القديمة..، ويضيف الدكتور العودي: "الأمر لا يتعلق بالماضي بقدر ما هو موصول مع الحاضر والمستقبل فاليمنيون اليوم ورغم ظروف التخلف والانحطاط التي أفسدت بعض جوانب هذه الحضارة والثقافة المشرقة فيما يتعلق بشيوع بعض الأفكار المتخلفة التي تحتقر بعض الأعمال الزراعية والمهنية بغير حق كالخضري والجزار والحلاق والحداد.. الخ وهو ما يتنافى مع أصالة ثقافتنا الوطنية الإصيلة وديننا الإسلامي المكرم للعمل إلا ان الثورة والجمهورية والديمقراطية قد أعادت للكثير من عناصر ومفردات ثقافتنا الوطنية الأصيلة وجهها المشرق ولتعاليم ديننا الإسلامي الحنيف مقامه الرفيع المتعلق باحترام وتكريم كل الأعمال والمهن والحرف المفيدة لصاحبها وللمجتمع وجعل العمل أفضل من العبادة".
وفي وقفة طويلة على الهوية الثقافية الوطنية واحترام العمل المهني يتفق الأستاذ احمد محمد الحريبي مع ما ذهب إليه الدكتور حمود العودي وان احترام العمل اليدوي والحرفي والمهني في الثقافة اليمنية، شكل إحدى ركائز الحضارة اليمنية القديمة، وان هذه الخاصية امتدت حتى ما بعد انهيار الحضارة وظلت الأعمال اليدوية والمهنية والحرفية متوارثة وتعتمل في الواقع مع كثير من المتغيرات السياسية وتحافظ على طبيعة التوازن في سوق التبادل السلعي ذات الطابع الكفائي..، ثم ماذا بعد؟؟!
يقول الحريبي "نظام حكم بيت حميدالدين وجه ضربة قوية لمجالات النشاط الحرفي والمهني وفروعه فقد عمل ذلك النظام على محاولة تشييد نظام الحكم الذي بدأ يشيد ترتيباً قيمياً للنظام الاجتماعي مقللاً من شأن قيمة العمل اليدوي والحرفي.. ووضع الحرفيين المنتجين في أدنى سلم الترتيب مما دفع ببعض أصحاب المهن والحرف اليدوية إلى الانصراف عن حرفهم ومهنهم أو التقليل منها أو الهجرة خارج البلاد لممارستها، الأمر الذي أدى إلى سيطرة "اليهود اليمنيين" على معظم جوانب الحرف والمهن اليدوية الفنية.. فيما كان انصراف اليمنيين المسلمين عنها خشية أضعاف مكانتهم الاجتماعية بفعل الارتباط بهذه الحرف أو المهن، من جراء سلم القيم لنظام الحكم الإمامي، وحينها لم يعد يمارس تلك الحرف سوى نسبة ضئيلة من اليمنيين المسلمين كادت ان تختفي بعد ان سمح النظام المتوكلي الإمامي لليهود اليمنيين بالهجرة إلى فلسطين".
إذاً كادت الحرف اليدوية وغالبية المهن الانتاجية ان تختفي ولن نجانب الصواب إن قلنا أنها اختفت تماماً في غالبية المناطق وأصبحت النظرات الدونية تتجه إلى من يمارسها فما الذي قدمته الثورة اليمنية لخدمة هذه الصناعات وكيف تعاملت مع هكذا معضلة ثقافية تجذرت وتمددت في أعماق المجتمع اليمني بشكل سلبي؟!
هنا يتدخل الأستاذ احمد الحريبي ليجيب على هكذا سؤال، مؤكداً ان "قيام النظام الجمهوري أسقط سلم القيم البالية لحكم الإمامة وأحيا قيمة العمل المهني والحرفي.. مبدياً كل الاحترام لتلك الحرف فشهد هذا المجال بعض الانتعاش وان لم يكن الانتعاش المطلوب فالعمل المهني والحرفي ورغم سقوط سلم القيم "الكهنوتي" لم يعد بالقوة التي كان عليها سابقاً..

فكر الثورة والتعاون

خاصية التعاون هي أيضاً إحدى المكونات الأساسية للهوية الثقافية الوطنية.. وعلى تعاقب القرون والأطوار ولأكثر من ثلاثة آلاف سنة تأرجحت خاصية التعاون الجماعي في اليمن بين صعود وهبوط وثبات ونكسات وازدهار وضمور..، هذا ما اتفق عليه الدكتور حمود العودي والأستاذ عبدالرحمن العلفي، لكن ما هو موقف النظام الجديد – الثورة اليمنية – من هكذا خاصية؟!
يشير الأستاذ عبدالرحمن العلفي المدير التنفيذي للمركز اليمني للدراسات التاريخية واستراتيجيات المستقبل في دراسته الموسومة ب"خاصية التعاون في العمل والإنتاج بين الخيار الشعبي والرسمي والضرورة والموضوعية وعلاقتها بالهوية الثقافية" يشير إلى ذلك بقوله "كان لابد للثورة اليمنية ان تستوعب خاصية التعاون ضمن فكرها وتوجهاتها لبناء المجتمع اليمني الجديد الذي تستهدف العناية بحسن تربيته في ظلها فيرضع مبادئها وينشأ ديمقراطي الحس، تعاوني النزوع، ولكي لا يبثر عن الأصالة فان نظام الثورة يسيره ويرتب قوانين تسييره بنظام معرفي مستوحى من روح الشريعة الإسلامية، وهذا ما أفصح عنه البند الرابع من المبادئ الستة التاريخية العظيمة التي أعلنتها الثورة صبيحة يوم ال26 من سبتمبر عام 1962م "إنشاء مجتمع ديمقراطي تعاوني عادل مستمد أنظمته من روح الإسلام الحنيف" ولثلاثة عقود زمنية – تقريباً – من مسيرة الثورة وحتى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية المباركة في ال22 من مايو 1990م، شهدت اليمن إرساء مداميك حركة تعاونية ناشطة وكان لها في فترات ازدهارها إسهامات رائعة في الاضطلاع بتنفيذ العديد من المشاريع التنموية والخدمية بمبادرات ذاتية طوعية، كما تنوعت أشكال التعاون الجماعي الأهلي المنظم (زراعي، سكني، استهلاكي، حرفي)".
الدكتور محمد صالح قرعة هو الآخر يتفق مع سابقيه في أن "ما أسسه الأجداد في اليمن من أسس متينة للتعاون أثمرت وانتجت حضارات مزدهرة في العصور السابقة لم يحافظ عليها ويجعلها تستمر.." لكنه يختلف مع الأستاذ "العلفي" في ان النماذج والأمثلة الرائعة والنتائج الباهرة لتمازج التعاون الشعبي مع التعاون الرسمي التي كانت من ثمار الثورة اليمنية كان مصيرها الذبول والفشل السريع.
ويدلل "قرعة" على ذلك بقوله "تجربة هيئات التعاون الأهلي للتطوير إحدى الأمثلة الرائعة والتي كانت نتائجها باهرة كثمرة لتمازج التعاون الشعبي مع الرسمي لكن للأسف افسدتها السياسة حينما تدخلت الأهواء والأمزجة في اندحار هذه التجربة الرائعة وربما يرجع السبب ان التجربة ذاتها لم تستوف بعد شروط نجاحها لكي تستمر وكانت فقط رغبة ذاتية وطفرة لم يؤطر لها حقاً ولم تراع تهذيب الشوائب التي لازمتها منذ البداية، وكان ربما للتغاضي عن هذه الشوائب مجاراة للسياسة وعدم الإفصاح عن السلبيات التي بدأت تبرز وعدم معالجتها في حينها بشيء من الصدق والصرامة مما أدى إلى انهيار واندحار تجربة كان ربما أن تؤسس لعمل أعظم وأكبر وأطول ديمومة".

تحديات وحلول

"الثورة والجمهورية تجسيد لمعادلة التوازن بين المركز والمحليات" هكذا يقول الدكتور حمود العودي..، ويدعم أستاذ علم الاجتماع بجامعة صنعاء رأيه بالإشارة إلى أن "مسيرة الثورة اليمنية المعاصرة بأبعادها الجمهورية والوحدوية والديمقراطية هي المشروع التاريخي الجديد للقضاء على انحراف التسلط الفردي في القمة ونزعات الانفصال المناطقية الاقطاعية والقبلية والطائفية في القاعدة كعوامل وأسباب للدمار والتخلف، وتحقيق معادلة التوازن والشراكة السياسية بين الدولة والمجتمع كضمان وشرط مسبق للاستقرار والتقدم".
ويضيف الدكتور العودي "حتى يحافظ هذا المشروع على ما قد تم إنجازه وهو القليل رغم أهميته ويستكمل إنجاز ما لم ينجز بعد وهو الأكثر والأخطر على مكاسب الحاضر وطموحات المستقبل، لابد من القبول بالتحدي المتمثل بجملة من التحديات بدءاً باستئصال شأفة الفساد المالي والإداري الضارب أطنابه في أجهزة الدولة، مروراً بعمليات الإفساد الثقافية والدينية المتطرقة في المجتمع "من أبو الحسن إلى السعواني وحتى الحوثي" وانتهاءً بتعزيز الشراكة السياسية والديمقراطية الحقة بين الدولة والمجتمع، وانجاز مهام التقدم والتنمية الشاملة وصولاً إلى تحقيق المجتمع المدني الديمقراطي المزدهر الأكثر ضماناً لديمومة الاستقرار والتطوير ونجاح المشروع التاريخي لليمن الجديد".. وبحسب الدكتور العودي فان القبول بمثل هذه التحديات لم يكن مجرد خيار سياسي أفضل لما ينبغي ان يكون في المستقبل بقدر ما هو كذلك ضرورة موضوعية لحماية مكاسب الحاضر وتعزيز المسيرة نحو المستقبل، لأنه لا توسط بين حركة الخير والشر وبقدر ما يتحرك الخير يتراجع الشر والعكس بالعكس صحيح وبضدها تتبين الأشياء.

[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.