كانت أيام الثورة أيام عزة وشعور جارف بالقدرة على مقاومة الظلم والاستبداد والاقصاء والتهميش، شعور رسخته إرادة شباب الثورة الشعبية السلمية التي انطلقت في 11فبراير 2011م من تعز، شاركت مع غيري من شباب الثورة المسيرات التي كانت تبدأ من جولة وادي القاضي ومن شارع جمال عند مكتب التربية وتنطلق بشعارات ثورية عارمة تجوب شارع جمال وشارع 26سبتمبر باتجاه المحافظة، وبالرغم من التعامل العنيف من جانب القوات الأمنية، والقمع الذي واجهه شباب الثورة إلا أن وتيرة وحماس الشباب كانت تزداد قوة عقب كل جولة مواجهة ثورية، في يوم المحرقة ككل يوم توجهت الى الساحة في الفترة المسائية وجلسنا هناك نستمع للكلمات والفعاليات المعبرة عن الثورة عبر منصة الساحة، توجهت مسيرة من الشباب الى قسم القاهرة للمطالبة بالإفراج عن شباب الثورة المعتقلين، وكنا نسمع أن بعضاً من الشباب قد احتجزوا جندياً في الساحة كنوع من الضغط على إدارة القسم للإفراج عن المعتقلين وكان الأمر محل معارضة أغلب شباب الثورة على اعتبار أن الثورة سلمية ترفض المواجهات المسلحة أو إيجاد مبررات لاقتحام الساحة التي كان يبدو أن هناك من أجج المشاعر عند بعض الشباب لرفض الافراج عن الجندي مما أدى لإيجاد مبرر حسب وجهة نظر الطرف المعادي للثورة لاقتحام ساحة الحرية وارتكاب جرائم القتل وجرح المعتصمين بالقنص وإحراق الخيام، بدأت المواجهات وأصوات الرصاص ومعدلات 12/ 7 تهز ساحة الحرية، كنت مع صديقي نجيب مطهر ونجيب شرف بجانب منتدى المبدعين والدراجات النارية والمسعفين ينقلون الجرحى الى المستشفى الميداني، كانت لحظات عصيبة والشارع المؤدي الى قسم القاهرة مليء بالخيام وبالمعتصمين وصيحات التكبير وصيحات الثوار ترتفع تعلن عن مرحلة صمود في وجه خطة لقتل الثورة في مهد الثورة تعز، كنا نسمع عن محاولات للشيخ سلطان السامعي وآخرين لثني الشباب عن احتجاز الجندي حتى لا يبرر للمخطط الهمجي الاجرامي ضد الشباب والرفض المطلق للشباب لأي تنازل في هذا الجانب إلا إخلاء سبيل المعتقلين من شباب الثورة في قسم القاهرة، كانت الصور مأساوية للجرحى وربما القتلى الذين مروا من أمامنا في خيمة منتدى المبدعين، على يد المسعفين وفوق الدراجات النارية وسيارات أسعفت البعض الآخر، صلينا المغرب وكلنا تحدثه نفسه أن هذه قد تكون صلاته الأخيرة لشدة ما نسمع من الرصاص وأصوات المعدلات، والله إنها أحلى صلاة وأخلص صلاة لله ركعتها وسجدتها في مغرب وعشاء ذلك اليوم، وكان الموقف ولست أبالي حين أقتل مسلماً على أي جنب كان في الله مصرعي، كنا معرضين للموت ولم نكن نهدد أحداً بالموت، لم نكن نحمل السلاح وعرض على شباب الثورة حمل السلاح لكنهم رفضوا إيماناً بسلمية ثورتهم، وبدأت الحرائق في بداية الشارع الذي فيه مستشفى الصفوة، وشباب الثورة يتدافعون للذود عن خيام الاعتصام في تلك الفتحة التي حاولت قوات الأمن والبلاطجة فتحها، ملاحم الصمود سطرها شباب الثورة بدمائهم وصبرهم وثباتهم طوال فترة تنفيذ مؤامرة المحرقة التي يبدو أنه قد أعد لها بشكل ممنهج ومدروس من القادة الأمنيين الذين كانوا يحكمون قبضتهم آنذاك على تعز، الدخان يتصاعد من الخيام التي بدأت بالاحتراق وصيحات الثائرين تملأ سماء تعز، كانت الأمور تتضح كلما مضى الوقت أن الأمر كمن ينصب كميناً للإيقاع بشباب الثورة، وتحميلهم مسئولية ما سيحدث، عدت الى سكني ليلاً والمواجهات لا تزال مستمرة، وسماء المدينة تمتلئ برصاص القوات المهاجمة للساحة وأسلحة وزعت على عناصر موالية للنظام وزعت على مستوى كل حارة لإضفاء حالة من الرعب لدى سكان المدينة وحتى يتم منع أي زحف للناس إلى الساحة لمساندة المعتصمين، تابعت المشاهد من خلال قناة الجزيرة مباشر التي ظلت تنقل المأساة الى قبيل الفجر عندما وصلت هذه القوات إلى مكان تواجد أجهزة النقل المباشر التي نقلت للعالم بشاعة ما يحدث في تعز لشباب الثورة المعتصمين، أحد الزملاء صب جام غضبه على القيادات التي هربت من الساحة وبخاصة قيادات حزبه الذي يفاخر بدعمه للثورة، واحد آخر أرجع كل ذلك لوقوع الشباب في فخ الجندي الذريعة التي دخل بها البلاطجة والقوات التي ساندتهم بالمدرعات والشيولات والجنود لسحق من في الساحة، ونهب كل الممتلكات الخاصة في الخيام، كل شيء، أحد جيراني من شباب الثورة وصل الي في الفجر وهو خارج من محرقة بكل ما تعنيه الكلمة كان كأنه خارج من منجم فحم، شديد السواد ولكنه كان قوياً وصلباً ولولا أن الجميع خرجوا لما خرج، في صباح ليلة لم تنم فيها تعز، كان الوضع قاسياً وكان الناس في حالة ترقب أكثر لما سيأتي، لم يعودوا خائفين من آلة القمع ومن اليوم التالي بدأ مشوار ثوري جديد وكان الاعتداء على الثائرات في جولة وادي القاضي، إحراق الساحة لم يكن سوى تدشين لمرحلة ثورية أقوى، فكان من الضرورة على أبناء تعز الدفاع عن مدينتهم وعن أعراضهم وعن ممتلكاتهم، وما هي إلا أيام وتحديداً يوم الجمعة إلا وأسود تعز ورجالها يستردون ساحة الحرية وقد تحولت شوارع المدينة الى ساحات ثورية تواجه القمع ومنطق القوة ،أحياناً بالقوة وأحياناً بالحشود القوية المؤمنة بحتمية انتصارها، وكانت ساحة النصر المجاورة لساحة الحرية على موعد مع تحدي جديد وفي ذلك اليوم كان استشهاد الثائر بشير وكانت المواجهات التي اسفرت عن سيطرة مناصري الثورة على أجزاء واسعة من عصيفرة وساحة الحرية، جاري السلفي كان يهم يوم الجمعة للذهاب للصلاة في الساحة بعد أن سيطر البلاطجة عليها مع قوات النظام آنذاك، ولكنه رجع خائباً بعد أن وصل الى هناك وأنصار الثورة قد استردوها، كان لهذا الاسترداد كبير الأثر في استعادة الزخم الثوري الشعبي، وفي تقديم الناس كل ما يستطيعون للثورة وشبابها، وبالرغم من قصف الدبابات وانتشار المدرعات وملاحقتها للثوار من شباب وشيوخ ونساء إلا أن عزيمتهم كانت أقوى من قوات النظام سابقاً، والبلاطجة الذين توزعوا في الاحياء للاعتداء على المناصرين للثورة، لقد لفظت تعز الخوف وكانت جديرة بكلام الأستاذ محمد غالب الشعيبي الأمين العام المساعد للحزب الاشتراكي الذي قال ذات يوم (إذا قامت تعز .. قامت اليمن) وفعلاً عندما تحركت تعز تحركت اليمن بأسرها وكان للمسيرات الحاشدة التي خرجت في سيئون وصنعاء والحديدة وإب وعدن تهتف لتعز وثوارها كبير الأثر في نفوسنا جميعاً وفي تعزيز الوحدة الوطنية بين أبناء اليمن شمالاً وجنوباً .. اليوم وفي ذكرى المحرقة ونحن نعيش ذكرياتها نتطلع الى محاكمة عادلة لكل الضالعين فيها وتحريك الملف في محكمة الجنايات الدولية، لينال المجرمون العقاب الذي يستحقونه، وعلى أبناء تعز أن يتذكروا تضحيات شباب هذه المدينة في هذه الثورة منذ انطلاقتها وأن لا يمكنوا من يحاول استغلال ثورتهم لمصالحه الخاصة أو لمشاريع حزبية ضيقة مرفوضة نختتم ..بقول البردوني: إن يعنفوا أنت أعنف أو يقصفوا أنت أقصف لهم حديد ونار وهم من القش أضعف يا مصطفى يا كتاباً من كل قلب تألف و يا زماناً سيأتي يمحو الزمان المزيف [email protected]