عرف جنوباليمن سابقاً فن الصحافة متأخراً كثيراً عن شطره الشمالي؛ وذلك لأسبابٍ سياسيةٍ بحتة، فالجنوباليمني حينذاك وإن كانت نسبة الأمية فيه أقل بكثير مما هي عليه في الشمال؛ إلا أن البُعد السياسي المتمثّل في إدارة الاحتلال الانجليزي للجنوب وقف عائقاً قوياً أمام السماح للأهالي والأحزاب السياسية بإصدار صحفهم الخاصة، في حين استغل الانجليز وجود المطابع التي أحضروها إلى عدن في طباعة منشوراتهم وبياناتهم وأوراق تعاملاتهم الإدارية والاقتصادية. وفي يناير 1940 سمحت إدارة الاحتلال بصدور صحيفة “فتاة الجزيرة” التي وإن جاءت متأخّرة عن موعد صدور أول صحيفة في شمال اليمن ب68 عاماً، إلا أنها عند الدكتور محمد عبدالجبار تجاوزت صحف الشمال بمراحل مهنية كبيرة من حيث الإخراج والتبويب واستخدام الفنون التحريرية والاحترافية في صياغة المواد الصحفية وانتشار توزيعها وانتظام صدورها كأول صحيفة أسبوعية - تصدر كل أحد؛ لأنه يوم العطلة التي فرضتها إدارة الاحتلال - من عدن، واستمرت في الصدور حتى قبيل الاستقلال في1967م. والملاحظة المهمّة هنا هي أن الصحافة في جنوباليمن آنذاك بدأت أهلية الملكية، على عكس كثير من دول العالم العربي التي بدأت فيها الصحافة حكومية الملكية والتوجه. ويمكن القول إن “فتاة الجزيرة” هي البداية الحقيقة والمحفزة للصحافة اليمنية عموماً، فهي في نظر الباحث عبدالباري طاهر “قد أدّت دوراً سياسياً وتأسيسياً في الصحافة العدنية كناطقة باسم الجمعية العدنية، وكانت المدرسة الأولى للصحافة اليمنية، فقد استوعبت آراء وأقلام كوكبة الأحرار الأولى: مطيع دماج، الزبيري، النعمان، عقيل عثمان، وفتحت صفحاتها لنقد الحكم المتوكلي، وكان نَفَسَها الليبرالي عالياً”. وهذه حقائق يجب أن تُحسب ل“فتاة الجزيرة” بقطع النظر عن صلتها ب“مكتب النشر البريطاني” وموالاة رئيس تحريرها المحامي محمد علي لقمان لإدارة الاحتلال كما يعتقد مؤرخ الصحافة النقابية في عدن عمر عبدالله الجاوي في مقال له بعنوان «نشوء الصحافة وانفصام الثقافة» بمجلة «الثقافة الجديدة» في 1992م. [email protected]