إفراغ الشعائر من الداخل، تحويلها إلى مجرد ظواهر شكلية طقوس مناسباتية تحاكي العادة لا العبادة ، تهتم بقشور الأشياء دون شعور الاحياء أبرز أمراض المجتمعات المتدينة التائهة بين تعاليم سماوية اجترحت منها النص مجرداً دون الروح ، والتدين دون الدين ، وبين ضوابط وقوانين مدنية حديثة مهملة ، لم يُشتغل عليها بما يتناسب وطبيعة وخصوصية هذه المجتمعات المتقوقعة على ذاتها على اعتبار الشمول والعموم التي تتمتع بها الشريعة ( المفتري عليها ) ! كأن تكن غاية رمضان - مثلاً - الامتناع عن الطعام أو ملئ المساجد بالمصلين والقوام ، فيما خارج هذه الدائرة الضيقة من الفهم القاصر للشعيرة – الشعيرة بوصفها التزاماً شخصياً تُعلي من القيمة الإنسانية مقابل الطقس الديني الذي لا يتعدى الالتزام به التزاماً بقاعدة عامة كقاعدة المرور حسب «مرغني »أحد أكبر قيادات التصوف السودانيين - تعيش بين ظهرينا الأف الأسر المشردة المنكوبة النازحة من جحيم الحرب والاقتتال ، وآلاف المشردين والجياع ممن دفعتهم قسوة الحاجة لسكب كرامتهم ومد يد السؤال أمام مرأى ومسمع من تخاذل عام لا ينجو منه أحد ! في رمضان الذي نعيش ورغم الاحصائيات الدولية التي تقول إن أكثر من نصف سكان البلاد يعانون المجاعة مع ترشيح النسبة للارتفاع خاصةً مع استمرار الصراع في عمران وفي غير مكان من أراضي الجمهورية اليمنية ، تكتظ المكبات وتتعفن القمائم بسفه الإسراف وبذر النهم المجتمعي ؛ صنعاء حيث أعيش إنموذجاً ! أطنان من عادم البذخ كانت كفيلة بسد رمق المتضورين جوعاً ، كانت حفظت ماء وجه شيخ مسن أفترش الرصيف بحثاً عن كسرة خبز ، أو كانت حمت براءة طفل من جحيم الشارع ووحشية مآلاته ، و ربما كانت كفت عشرات النسوة من إهانة كرامتهنّ في الأسواق والجولات !! نسبة التخمة لدينا تصل لحدود الإحساس ، وبدانة الروح تطبق على نقاوة التفكير وسلامة الضمير المسؤولان عن إنتاج « الإنسانية» مركز عصب التمييز بين البشر وبين سواهم من الكائنات ! الأقسى من كل هذا وجود كيانات ، جمعيات ، مؤسسات تنظيمية ،بل دولاً حتى ، تحوّج الناس ، تتقن هتك تعففهم ، توظف أوجاعهم ، تتاجر بعوزهم ، ثم وبوقاحة من لا حياء له تستثمر حاجاتهم هذه ، كلما اقتضت حاجتها للدعاية لا إلى الدعوة ، للترويج لا إلى التفريج عن هؤلاء الضحايا بالضبط كأن تشاهد من كانت لهم اليد الطولاء في تدمير سوريا وهم يستغبوا إدراكنا محاولين الاحتيال على التاريخ ببرنامج «سوريون بلا عنوان» كمسحة براقة تواري سوءة الوطن النكرة الذي صيروه ! في رمضان يبلغ التنطع ذروته ، والاستغلال أوجه ، تتحول مساجدنا إلى ثكنات للشحن الطائفي والتعبئة المذهبية والمناطقية ، يتمرس خطابها وراء منطق تدميري كفيل بوأد الهوية الوطنية الجامعة ودهس آمال وأحلام وتطلعات البسطاء بوطن كريم آمن ولو بعد حين!! رمضاننا هذه السنة - تحديداً - أشبه بوجعٍ عضال نتشارك فيه الألم، المعاناة ، الدمار ، الدموع والدماء بفضل المجاهدين والفاتحين الجدد ، الذين تنتشي مشاريعهم المتطرفة مع تقهقر الفكر الديني المعتدل غير إن تفريطنا ( كأمة ) بإنسانيتنا ، تكافلنا، تعاطفنا شعورنا بالآخر هو مصابٌ جلل لا يجبره دعاء ولا تغفره سماء ..!