الراصد لمجريات الأزمة التي عاشتها اليمن ولا زالت تعيشها حتى اليوم سيدرك تماماً أن اليمنيين هم أهل الحكمة بعد أن كانوا أهلاً للإيمان ، وهذا ما أكدت عليه مسارات الأزمة أو ما أطلق عليه بثورات الربيع العربي أو ما أطلقت عليه الخارجية الأمريكية بفوضى الشرق الأوسط الخلاقة. في يمن الإيمان طغت الحكمة على ماسواها في التعاطي مع تلك الأزمة فلم تشن الحروب كما هو الحال في ليبيا وسوريا والعراق والتي ألحقت الضرر الفادح باقتصادها وأنهكت قواها وصارت حدودها مشرعة لأعداء الإسلام والحضارة والمجتمع المدني والعربي.. فتنوعت الهموم ولبدت سماءها الغيوم السوداء وهاهي تدفع ثمن ما آلت إليه أوضاعها.. في يمن الإيمان ، كانت الحكمة حاضرة كل رأي وقرار مصيري.. وكانت هي الغالب على ماعداها رغم أن هواة الشر والفتنة كان لهم أيضاً حضورهم في الاتجاه المعاكس وإن كانوا محدودين إلا أنهم افتعلوا الإحن ونشروا المشاكل.. وكان لهم ماكان من خراب ودمار كما حدث في أبين وفي الضالع وفي غيرها من المدن اليمنية كشبوة ومأرب والجوف وصعدة وعمران, وفي إقلاق جزء من السكينة العامة للمجتمع من خلال افتعال مخطط الاغتيالات للقيادات الأمنية والعسكرية إلى جانب بعض الشخصيات الاجتماعية, إلى جانب ماحدث من تخريب لبعض البنى التحتية والمشاريع الخدمية الهامة ظناً منهم بأنهم بذلك سيوقفون عجلة البناء والتنمية من الدوران.. لكن ثبت وبما لايدع مجالاً للشك أنهم واهمون بكل ماتعنيه الكلمة “للوهم” فكل أعمالهم وخططهم الإجرامية ضد الأمة والوطن تحطمت على صخرة صمود شعبنا وحكمة عقلائه ،وإذا ماقيّمنا خسارتنا مقارنة بما خسرته بعض الدول الشقيقة التي ابتليت بداء الربيع العربي فسنجد أننا وبحمد الله بألف خير رغم ماتركته المنغصات التي أشرنا إليها سلفاً.. فبلادنا التي حل عليها الربيع المؤلم وهي تعاني من أوضاع اقتصادية صعبة ومن مؤامرات تحاك ضد أمنه واستقراره ووحدته وسلامة أراضيه كان لها تعاطٍ حكيم رغم دفع الضريبة التي كان لابد منها. فالوحدة اليوم محصنة بجملة من الحقائق والثوابت التاريخية.. كون اليمنيين كلهم عرب ومسلمون- وإن وجدت أقليات- فإنها منصهرة في حب الوطن.. هم وحدويون ووطنيون إذ من الحقائق والثوابت أن اليمنيين منذ فجر الإسلام كانوا موحدين وإن افتعلت بينهم الحدود الجغرافية فإنها من صنيعة الاستعمار والإمامة ليس إلا.. واليمنيون الذين تعاطوا بمسئولية مع المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزّمنة وجرت عملية نقل السلطة بكل سلاسة ،وتحاور اليمنيون ضمن إطار المبادرة بعد الانتخابات الرئاسية وبحيث شكلت مخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل وماتلته من إجراءات حصيفة باركها المجتمع الدولي إلى جانب مجتمعنا اليمني والإقليمي والعربي والإسلامي.. وهنا لابد لنا من التأكيد على أن تلك المخرجات قد مثلت الضمانات المطلوبة لحماية الوحدة وتوطيد قواعدها وفقاً لما أطلق عليه بالدولة الاتحادية ذات الأقاليم والتي يتّجه اليمنيون جميعاً نحو بلوغه في انتظار إقرار مشروع الدستور الجديد. من هنا لابد لنا أن نعتز بحكمتنا كيمنيين لسمات عديدة من أهمها أننا انتهجنا الحوار كوسيلة لتحقيق غاياتنا في بناء المجتمع المدني ورفضنا سلوك خيار الاقتتال والاحتراب الذي لن يقود إلا إلى الهلاك وخسران كل شيء.. ومن هنا لابد لنا من الإفصاح في القول بأن من يحلم بالوصول إلى الحكم بالقوة فإنه واهم وأن من يتوهمون عبثاً بأن بإمكانهم العودة بعقارب الساعة إلى الوراء لايمكن أن تتحقق أوهامهم. وواهمون من يفكرون ولو لحظة من الوقت بأن بإمكانهم الانتصار على إرادة الأمة وخيارها في المستقبل الجديد وفي بناء المجتمع المدني القائم على أساس البناء المؤسسي لدولة النظام والقانون.. وواهمون من يحملون باستمرار الأوضاع الحالية إلى ما لانهاية.. فنور الفجر يزيل حاجب الظلام وواهمون من يمارسون مهنة خفافيش الظلام أن يطول ليلهم فالنور لابد من أن يقهر الظلام. أما نحن فإننا لانؤمن بالأوهام لأنها أمراض تصيب أصحابها مهما طال الزمن أو قصر.. ومبعث قناعتنا هذه هي في أن الأوهام تظل أوهاماً لايمكن أن تتحقق على كل من المدى الطويل أو العريض.. فأحلامنا باليمن الجديد كبيرة ولاحدود لها وسعينا لبلوغ ذلك لاشك سيكون النجاح حليفنا إن شاء الله.