جاء الإسلام ليبصر الناس بالله حتى لا تحتار عقولهم فيه نظرا لضعف قدراتهم على فهم هذا العالم, كما عرفهم على الخطوط العامة لفهم عالم المخلوقات وترك تفصيلات هذا العالم -أي النسبي- للعقل البشري ليصل فيه إلى أعلى مستوى من الحكمة, كما عرفنا الإسلام كيف تكون العلاقة بين الخالق المطلق والمخلوق النسبي. فرسالة الإسلام جاءت لتهدي الإنسان إلى الصراط المستقيم, الصراط المستقيم إلى حقائق عالم الغيب والشهادة, عبر ما أوحاه الله سبحانه إلى أنبيائه, ولم يأت الوحي ليحل محل العقل بل ليسد المنطقة التي لا يستطيع العقل الوصول إليها نظراً لنسبيته, فالنسبي لا يدرك تماما المطلق إلا عبر رسائل ورسل تجعله يعرفه ولكن لا يدركه. كما أن الوحي يجعل من تلك القيم -التي تجعل حياة الناس أجمل وأسعد- قيماً ذات بعد أخروي فيكون التزامهم بها أشد, خاصة وأن العقل أحيانا قد يفلسف قيماً للباطل يمحق بها قيم الحق, وقيما للشر يمحق بها قيم الخير, وقيما للقبح يمحق بها قيم الجمال, فكان تأكيد الرسالات لقيم الحق والخير كي لا يعبث بها الإنسان ضد أخيه الإنسان. وليس بعيداً منا ما أنتجته بعض أفكار الحداثة وما بعدها من ثقافة حطت من قيمة الإنسان وحولته في الأحيان إلى سلعة في السوق كإحدى السلع!! و المتأمل في رسالة الإسلام - القرآن الكريم- يجد أنه يخاطب الإنسان ويحدثه عن عالمين, عالم يدركه وهو العالم المشاهد المحسوس, وعالم آخر لا يشاهده ولكنه لا يستطيع إنكاره ولا إنكار تأثيره على عالمه وكونه إنه عالم الغيب, ولذا جاءت الآيات لتخاطبنا عن العالمين وعلاقتهما. فآيات تحدثنا عن عالم الغيب وآيات تحدثنا عن عالم الشهادة وآيات تحدثنا عن علاقة عالم الغيب بالشهادة.. ولذا أستطيع القول إن شُعب الإسلام ثلاث, وهو نفسه التقسيم الذي قسمه السابقون وإن اختلف في تسميته أو في بعض حدوده. وستكون شعبه كالتالي: الشعبة الأولى: آيات الإيمان وهي الآيات التي تختص بعالم الغيب وقضاياه. الشعبة الثانية: آيات الشريعة وهي الآيات التي تختص بعالم الشهادة. الشعبة الثالثة: آيات الشعائر وهي الآيات تختص بالعلاقة بين عالم الغيب وعالم الشهادة (العلاقة بينهما). الإسلام دين الأنبياء جميعاً: والإسلام هو دين الأنبياء جميعاً وقد جاء لفظ الإسلام والمسلمين مع أغلب الأنبياء الذين ذكرهم القرآن ابتداء من نوح وحتى محمد عليهما السلام. فقال تعالى عن نوح:{فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ}يونس72, وقال عن إبراهيم:{مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}آل عمران67, وقال عن إبراهيم وإسماعيل: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ}البقر128, وقال عن يعقوب: {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}البقرة132, وقال عن لوط:{فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ}الذاريات36, وقال عن يوسف:{رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ}يوسف101, وقال عن موسى:{وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ}يونس84, وقال عن سحرة فرعون الذين آمنوا بموسى:{وَمَا تَنقِمُ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِآيَاتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ}الأعراف126, وقال عن الحواريين الذين آمنوا بعيسى:{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}آل عمران52, وقال عن الجن:{وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً}الجن14.