اليوم آخر جمعة من رمضان «هذا» لكني فعلاً لا أدري ما ذا أعني برمضان «هذا» لأن الماضي كان «هذا» ورمضان القادم سيكون رمضان «هذا» وهكذا يزوي الزمان في اليوم واللحظة و«الآن» الهاربة لتفر منا وتذوب الأمس واليوم والغد والماضي والحاضر والمستقبل لتصبح نقطة في مهب الماضي وكله هو هذا الذي صار ذاك. قبل عشرين سنة كتبت عن رمضان ذاك بأنه «هذا» وسنجد أنفسنا في لحظة رمضان القادم «هذا» القادم الذي أصبح ماضياً في طرفة العين، ولقد مضى على رمضان «هذا» تسعة عشر عاماً بالتمام والكمال، ومهما تراكمت السنون سنكون مع رمضان «هذا» بعد سلسلة السنوات والأجيال التي تتحوّل بحقيقة الأمر إلى ذاك البعيد «الماضي». شرود الزمان يقول لنا بلغة واضحة إن الدنيا لا تساوي «جناح بعوضة» عند الله، وعليك أن تنظر إليها على هذا النحو لأنها الحقيقة وهي لا تستحق كل هذا التكالب والحرص على وهم زائل لا تملك توقيف لحظة أو ثانية لتستريح أو ترد نفساً بإرادتك أنت؛ لأن الأنفاس التي تتنفسها مثل الموج تهجم عليك مجبراً دون اختيار لتقول إنها دقائق وثوانٍ وصورة من صور الموت والنزع، أنت تموت وأنت تظن أنك تتنفس، نريد أن نمسك الوقت بينما الوقت هو من ينشرنا كل يوم ويذبحنا بأسنانه كوحش لا يمل ولا يكل من أكلنا..!!. ها نحن في آخر جمعة من رمضان «هذا» الذي فارقنا به أحباباً وأصدقاء هم وحدهم من ارتاحوا من الزحمة والدوشة ووصلوا إلى درجة اليقين والحقيقة الوحيدة التي بالتأكيد هي الموت كبوابة للخسران أو للنعيم، مع أننا كمؤمنين بأرواحنا نحس بأننا إلى «نعيم» وأن الموت بوابة نعيم اعتماداً على رحمة الله التي وسعت كل شيء. ما الذي يمكن أن يخفّف من سرعة الوقت وخسارة الحياة غير «عمل صالح» ينقذنا من هروب الزمان ويجعل هذا هو «هذا» وليس ذاك، كنعمة لا تزول ولا تهرب ويجعل من الشيء شيئاً ومن النعمة نعمة لا نقمة. ورمضان الذي نودّعه مناسبة لمراجعة الحساب وتصحيح المسار، لا أحد مخلّد هنا؛ بل الفناء يأخذنا كل يوم، ولا أحد سيذهب بما جمع من مال وقوة؛ بل من عمل صالح «العمل الصالح» هذا هو النجاة، لكن نحن بحاجة إلى معرفة «العمل الصالح» فليس كل «عمل صالح» نعتقده نحن هو كذلك فقد يكون هوى مرتبط بالفناء والغرور والأمور بالمقاصد و«إنما الأعمال بالنيات» لنبدأ في أعمالنا الصالحات إذا فيما يفتح لنا أبواب الجنة، في تنقية القلب من الكراهية والأحقاد والرياء، هذه ضمانة لدخول الجنة وضمانة لكي نتوفق بالعمل الصالح، فبياض القلب وحب الناس بوابة كبيرة للعمل الصالح ونظرة الله إليك، وإذا نظر الله إليك فزت ونجوت من فوهة الزمان المتوحش الذي ينهشك كل لحظة وكل دقيقة دون أن تشعر. يكفي أن تخرج من رمضان «هذا» وأنت قد تعلّمت كيف تنام مستريحاً متحرّراً من حقد أو غل على أحد لتكون من أهل الجنة وتتخلّص من «هذا» الزمان الذي يلفّنا بالوهم والزوال، وجمعة مباركة، وكل عام ورمضان «هذا» أسعد. [email protected]