يصحو أحدنا على موت بالغ الوحشية كأن «دراكولا» غادر تابوته المظلم برعب مضاعف ودموية أكثر فظاعة لامتصاص الحياة «كل الحياة» ولا أدري إن كان من المنصف الاستناد على دموية «دراكولا» الأسطورية لتوصيف وتقريب بشاعة الموت الراهن القادم من المنظور المتطرّف للدين. مشاهد مريعة في اليمن، العراق، سوريا، ليبيا وفي غير مكان لحز رؤوس، لتهجير مواطنين من أراضيهم، لبقر بطون، لسبي نساء، لعمليات تدمير وتفجير مريعة تهز الوجود وتفزع الوجدان..!!. من كل مكان يأتيك الموت، يباغتك العنف، تحدفك فواجع الفكر المتطرّف حزناً، خراباً، ظلماً وشرّاً مستطيراً، كأن الحياة ساحة جحيم والدين مقصلة للموت الأسود..!!. اضمحلال أخلاقي لا يأبه لحرمة نفس أو عرض، لا يقيم وزناً لحياة أو لكرامة إنسان، جرائم لا يقوم بها إلا مختل يمضي نحو غيبه عبر جثث الأبرياء وأشلاء الضحايا ليشيد فردوساً مسخاً تتوهّمه عقلية منقادة جاهزة للتشيطن. اتكاء الإرهابيين على الإسلام - الدين النابت من رحم الرحمة والحب والسلام – لإضفاء طابع شرعي على هول المجازر وعمليات العنف المرتكبة بحق الإنسانية؛ استهداف ممنهج له، وتشويه مموّل ينخر في صورته، نهجه، مبادئه، ثوابته، يظهره كما لو أنه جابٍ للأرواح يمتد بامتداد رقعة الخوف والرعب في نفوس الناس، وهو نجاحُ كاسح لم يكن ينتظره المتربصون به. غير أن اعتيادنا على كل هذا الموات وهذه الوضاعة اللا أخلاقية واللا إنسانية يسلبنا تدريجياً حتى حقنا كبشر في الحنق والحزن والاحتجاج الداخلي كأدنى درجات الرفض والمقاومة، يصيبنا ببلادة شعورية لا تلقي بالاً لعواقب الفقد والتقهقر الذي تشهده أوطاننا في ظل غياب أجهزة الدولة وتوافر بيئات حاضنة «مجتمعياً» تتكاثر فيها فقّاسات العنف والإرهاب فضلاً عن توغُّل الاستغلال والتوظيف الدنيء للخارج الرامي إلى خلط الأوراق والاستفادة القصوى من ثروات ومقدّرات الأمة مع الإبقاء على حالة التفكُّك والفوضى كوسيلة مجدية لفرض الوصاية عليها. في اليمن تحديداً يشهد الإرهاب تناماً وتطوّراً متسارعاً من النواحي المادية والتكتيكية مثيراً للاهتمام والتساؤل عن حقيقة تورُّط أسماء كبيرة في دعم وتقديم التسهيلات الاستخباراتية واللوجستية للتنظيم. حادثة ذبح 14 جندياً في حضرموت مثال قريب يعزّز هذه التناولات والأطروحات ويسلّط الضوء على حجم التستر أثناء وقوع هذه الحوادث الشنيعة..!!. في أحسن أحوالها تُدير الجهات المعنية ظهر المسؤولية والشفافية مع المواطنين وتغرق في صمتٍ مطبق، فيما تتولّى القوى المختلفة إدارة رحى الكيد السياسي وإلقاء وزر الحادثة جزافاً على بعضها البعض، وبينهما تتضخم على الأرض إرادة الموت والقتل. موت الإرهابي الوحيد الذي تم إلقاء القبض عليه في مذبحة حضرموت الأخيرة يضع ذات علامة الاستفهام التي طُرحت من قبل في سابق الجرائم المماثلة: لمصلحة من كل هذا التمييع وهذا التلاعب، ومتى يأتي اليوم الذي نكف فيه عن تفقُّد نبضنا وتحسُّس رؤوسنا مطلع كل نهار جديد..؟!.