الحرب سلوك طارد للأمن والاستقرار بالضرورة وإن حرص المتقاتلون على أن يكون مسرح العمليات محدداً, خصوصاً أن هيبة الدولة تراجعت إلى مستوى صفري لم نشهده من قبل, واستمرار هذا الواقع لابد أن يُلقي بظلاله على حركة التجارة الداخلية وموقع الشركات المحلية ورؤوس الأموال, إذ لا تجارة ولا صناعة ولا استثمار ولا تنمية إلا بالأمن والسلام, وخذوا العبرة من دول شقيقة مثل سوريا, فأنت اليوم تتمنّى أن تجد مستحضراً طبياً سورياً أو أية سلعة سورية أخرى مما كنا نحرص على اقتنائه، لأن فيه الجودة, فالمدن الصناعية بمصانعها ومعاملها أمست خراباً وأفنى الموت أهليها. مزيد من البقاء في هذا المنزلق الذي انزلقنا إليه يعني أن قدرة الاقتصاد الوطني على الصمود ستستمر في التضاؤل, خصوصاً أنه اقتصاد يعاني في حالة السلم من أمراض كثيرة, فكيف يكون مستقبله في ظل هذه الحرب الناهضة والدمار المتعاظم؟. يقع في تصوّري أن كل يوم في الحرب يعني أننا نتخلّف عن التطوّر والتعافي عاماً كاملاً, واسمعوا نصيحة جدكم عمرو بن معدي كرب فقد قدّم لكم تجربة ناجزة عن الحرب وطبائعها الخادعة, في قوله: الحربُ أوّلٌ ما تكونُ فُتيَّةً تسعى بزينتها لكلِّ جَهولِ حتى إذا استَعَرَت وشَبَّ ضِرامُها عادت عجوزاً غيرَ ذاتِ خليلِ شمطاءَ جَزَّت رأسَها وتَنَكَّرَت مكروهةً للشَّمِّ والتقبيلِ فتحوّل الحرب الفتاة الحسناء إلى عجوز قبيحة المنظر هو في الوقت نفسه تحول الدولة وإمكاناتها الشابة إلى كيان ضعيف تنفر منه رؤوس الأموال الطامحة وتغادره العقول والخبرات وتعنفه الفتوات. تذكّروا أن رأس المال في أية بقعة من بقاع العالم لا يريد أن يكون إلا حيث البيئة المهيَّأة والمشجِّعة على النمو والتطور والنجاح, وتذكّروا قبل ذلك أن رأس المال الوطني في اليمن, بكل ما تعنيه كلمة (الوطني) من معنى, هو الآن يعاني ويتحمل ويواجه كثيرًا من الأعباء جرّاء الأزمات المتلاحقة ودورات العنف والاقتتال التي ترشّح الوضع الأمني للانهيار الكامل. لذلك نقول: البلد مليء بكثير من القوى الناعمة التي يمكن لها أن تضغط سياسياً وإعلامياً باتجاه إنقاذ الوطن من سقوط وشيك إذا أصبحت اليمن بلداً كلّه يحترق, وكل مؤسساته معطّلة, وأوصاله ممزّقة.. وحينها لن نسمع غير الخطاب المتنصّل من المسؤولية, فالكل سيحمّل الآخر المسؤولية؛ لأن الأنا المتعالية لم تعتد على الاعتراف بالخطأ ولا القبول بالآخر, وعندها سيتأكد للشعب أنه وقع ضحية. [email protected]