الفقر الطاعن في مجتمعاتنا الريفية نابع من الجهل المتوارث، الجهل بحروف الأبجدية، الجهل بما في بطون الكتب من علوم مختلفة، الجهل بالصحة، الجهل بكل شيء، الجهل والفقر والمرض ثالوث ثار عليه اليمنيون في 1962م، وثار عليه اليمنيون في 2011م، ومازال ثالوثاً قاتلاً لا تكاد تنجو منه إلا بعض المناطق في المدن. بين كل فترة وأخرى تأخذني الأقدار إلى إحدى المناطق الريفية البعيدة عن المدينة، فأشعر كم ظُلم هؤلاء اليمنيون المقيمون في أدغال الريف بين الجبال، وكم هو الله لطيف بهم وبأرواحهم الطيّبة. ذهبت مع إحدى المنظمات الداعمة للشباب وتمكينهم اقتصادياً من خلال ابتكار فرص عمل وتشجيعهم على الادخار ومن ثم الاستثمار والوصول إلى الأسواق، وفي الطريق إلى تلك المنطقة من مناطق تعز وهي «شرعب الرونة» تخيّلت لو أن امرأة تعسّرت ولادتها وأرادوا نقلها إلى أقرب مشفى؛ ما الذي سيحدث لها..؟!. تخيّلت لو أن أحدهم مرض وأرادوا الانتقال به إلى أقرب مشفى، تخيّلت سيارتين تلتقيان في ظلمة الليل البهيم في تلك الطريق التي لم يشقها إلا السيل في الوديان، ولا أدري كيف شُقّت على أطراف الجبال وتخيّلت وتخيّلت... إلخ. طريق وعرة جداً لا تمر بها إلا بعض السيارات بمواصفات معينة تتحمّل تلك الوعورة، لم نكد نسلم ومن معي من رعب الطريق ومن ضربات رؤوسنا المتتالية على السيارة لدرجة مزحت بها مع الزميلات إن فقدتُ الذاكرة من كثرة الضربات فأنتن تعلمن طريق أهلي؛ عُدن بي إلى هناك..!!. الفقر يتحدّث بدلاً عن ملامح البشر، الطبيعة الجميلة رغم وعورة الطريق تئن لمعاناتهم، حتى من يصل إليهم يشعر بغصّة لأنه لا يفكر بالرجوع إليهم بسبب تلك الطريق الوعرة. كم من الوقت يحتاج هؤلاء لتصل إليهم سُبل التوعية ومن ثم الوعي، من يلتفت إليهم، من يأخذ بأيديهم ليعيشوا كما يعيش غيرهم حياة أفضل، من يرسل إليهم معلّمين إلى مدارسهم ومن يبني لهم المشافي، من يوصل إليهم الخدمات؛ هل ستظل الخدمات الأساسية لهم مجرد أمنية..؟!. هؤلاء لا يحتاجون إلى حروب سياسية، ولا صراعات متتالية لخدمتهم، لا يحتاجون إلى أن تصلهم الشعارات للأحزاب لترتسم على الجبال الكبيرة ولا الميليشيات المسلّحة لأي طرف كان، هم يحتاجون إلى خدمات أساسية تقدّمها الدولة ويقدّمها المخلصون من أبناء المنطقة، يحتاجون إلى لجان خدمات شعبية تحمل على عاتقهما المتابعة وإيصال الخدمات إلى أبناء المنطقة. كفاكم صراعات سياسية يا من تعدّون أنفسكم الأفضل، كفاكم حروباً إعلامية ضد بعضكم بعضاً، كفاكم رصاصات قاتلة لإسالة الدم اليمني، التفتوا إلى الحياة، التفتوا إلى إخوتكم في أدغال الأرياف اليمنية المتعطشة للحياة وابذلوا جهودكم ليشاركوكم صُنع الحياة الأفضل. [email protected]