لو لم يكن البرد حالة من أحوال الطقس وشأناً مناخياً تكتنفه الأجواء لكان أحد الأحزاب السياسية في اليمن، فهو يتصرّف في الحياة اليومية للمواطنين وشؤونهم في البيت والشارع والمؤسسة كما لو أنه تنظيم سياسي يتحرك على قاعدة الكيد والمناكفات والصراعات الهوجاء التي تُخلّف قتلاً ودماراً وظلماً وعبثاً وفساداً وفوضى لا نهاية لها، حيث بدأت فوضاه حينما أزهق في موسمه العام الماضي روح مجنون على أحد الأرصفة بذمار في الوقت الذي كانت تقوم منظمات مدنية وجمعيات خيرية بتنفيذ حملات توزيع بطانيات للفقراء والمساكين ولم يخطر ببال هذه الجمعيات أن من في الأرصفة أحوج إلى البطانيات من غيرهم، ولو كان منهم من هو خارج تغطية العقل فمعظم المجانين يحملون بطانياتهم فوقهم طوال اليوم في تنقلاتهم في الأسواق والشوارع وكأنهم يحملون أوطانهم، لذلك رسّخت الحادثة في أذهان الناس حقيقة أن المجنون «شهيد البرد» لم يكن مخبراً أو عميلاً لجهاز أمني أو لفئة أو تيار أو حزب.. يعني مجنون من صدق وإلا لما كانت نهايته على هذه الشاكلة، لكننا اليوم لم نعد نسمع بأي نشاط يُذكر لجمعيات البطانيات ولم يعد العقلاء ولا المجانين يحظون حتى بملاية منها.. فقد تلاشت كما يتلاشى البشر حينما يُفرض حظر التجوال في الشوارع والأحياء في ساعات مبكرة من المساء وبدون أن تُنصب نقاط على الطرقات أو يُنشر مسلحون على خطوط الأسفلت ودون أن يسيطر على التباب والمرتفعات لكن ضراوته تتزايد بكيده الملعون وهبة زمهريره حين يؤصّل فكرة الجشع في عقول باعة المعاطف والجاكيتات على الأرصفة، ويثير شهيتهم الربحية كلما قدم زبون لشراء جاكيت فيطلبون منه مبالغ باهظة استغلالاً للموسم وبنفس طريقة استغلال الساسة لمواسم الحروب والصدامات والأزمات وهم يغلّبون مصالحهم على الجماهير و فائدة الوطن فالحياة فرص والبيع والشراء شطارة. يعمد البرد بخبث إلى الكشف عن سوءة الوطن بذات الطريقة التي تسعى فيها الأحزاب في الفضح والتعييب وتخوين الخصم فها هو يبدي جنديين في إحدى النقاط الواقعة بين يريم وذمار وهما يعملان ليلاً بمبدأ التداول السلمي للجاكيت، ففي ذهابك تراه يكسو جندياً وحين تعود يكون قد ارتداه زميله، ويستمر البرد في مواصلة العبث بالبلاد وصقيعه «الضريب» يجعل القات في منزلة الحج من استطاع إليه سبيلاً ما يبعث الحسرات في نفوس الموالعة «الحراف» لحظة مشاهدتهم للنافذين واللصوص وهم يضعون سياراتهم الفارهة الممنوحة على ظهر المحاصصة الحزبية بباب أسواق القات ويخرجون منها حاملين أكياس قات بمبالغ تصل إلى ثمن كيس قمح أو كيس سكر كل يوم في إشارة إلى أن الجمعة الجمعة والذحلي الذحلي، واللصوص اللصوص، فلا ثورة شباب اجتثت الفساد، ولا ثورة شعبية أزاحت النهب المنظم للمال العام بينما تكون صورة البرد أكثر قتامة وبؤساً حين يغادر مولعي ضابح مكانه في المقيل لقضاء الحاجة ثم يعود فائشاً على علاقيته من «الصفاط» بالقات من رفقاء المقيل وحاله يقول «من حرّك ربطة القات خاصتي». يتمادى القات في بجاحته وهو يستحكم بتفاصيل العشرة الزوجية داخل غُرف النوم فيوشي للزوجة بالتمنع عن ال.......... مما يثير خلافات زوجية قد تنتهي بما لا يُحمد عقباه كما حدث ما لم يُحمد عقباه في الزواج العرفي بين الأحزاب اليمنية.. ومن قبيل تفاهته إنه يحاول خرق كرامة بعض الأُسر وإثارة حفيظتها الإنسانية لحظة توديعهم لجيرانهم الشبعانين المغادرين إلى المناطق الساحلية لقضاء إجازة شتوية في مناطق الاعتدال كعدن والحديدة، وزد على ذلك أن البرد يحكي فروق الحالة الأمنية للبلد في السابق والآن ويذكّرنا بأن الرئيس السابق كان ينتقل في مثل هذه المواسم الباردة إلى عدن ليُمارس مهامه في إدارة البلد من هناك، فيما لا يستطيع رئيس اليوم الخروج من منزله بسبب خطورة الوضع الأمني والحركة النشطة للاغتيالات التي تفور حدتها أيام الصقيع ليتوافق بردان, بردٌ في دماء القتلة يجعل الأحزاب تتبادل الاتهامات فيما بينها, وبرد في الطقس تختلف عليه من حيث درجات الحرارة عند قراءتها في النشرات الجوية قنوات هذه الأحزاب.. هذا ولله في خلقه شؤون.