منذ أكثر من قرن وعلامات التعصُّب الديني والمذهبي تثير أكثر من تعجّب بظهور الحركات الإسلامية السياسية التي حظيت بالدعم لما يقوم به أتباعها من أعمال إرهابية منذ أن تشكّل تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن في أفغانستان وأعلن مسؤولية التنظيم عن تفجير بُرجي التجارة العالمية في مدينة نيويورك في عام 2001 في التلفزيون مباركاً العملية وداعياً الله أن يرحم أولئك الطيارين الاستشهاديين وينزلهم فسيح جناته. على أن تلك العملية لم تكن باكورة التنظيم فيما وراء الحدود فقد سبق وأن سمعنا به في الثمانينيات في تلك البلاد أثناء الوجود السوفيتي هناك، وكنا نندهش لما يقوم به المجاهدون الأفغان والعرب من عمليات شجاعة وبأسلحة جلّها أمريكية خفيفة الوزن وشديدة التأثير، وطويلة المسافة، ومنها صواريخ استنجر المحمولة فوق الأكتاف لإسقاط الطائرات السوفيتية الحديثة، مما أجبر الغزاة الشيوعيين كما كانوا يطلقون عليهم الرحيل من أفغانستان في نهاية الثمانينيات، وسهّل عبور طالبان من باكستان إلى أفغانستان، والاستيلاء على كابول وكل الولايات والقبض على الرئيس نجيب الله وإعدامه. غير أن القادة الثوريين اختلفوا بسرعة ثم احتربوا وفرّ منهم من فرّ إلى خارج البلاد، وقُتل أحدهم بواسطة كاميرا وهي في الأساس مدفع قضى على قلب الدين حكمتيار في الحال، ووضع الحزب الإسلامي الذي كان يتزعّمه - وهو شيعي - في مرمى الأحزاب الأخرى التي كانت تبدو متجانسة إلى حدٍ ما بحكم المذهب السني الذي انضوت تحت أجنحته أحزاب من أقليات كثيرة اتقاء المصير الذي آلت إليه في النهاية. وما هي إلا أسابيع حتى أقدمت الولاياتالمتحدة في عهد جورج بوش الأب على حشد كل أساطيلها البحرية وقواعدها الجوية باتجاه العراق وإعادة تحرير الكويت من قبضة صدام حسين فيما يسمّى عاصفة الصحراء، وانتهت الحملة بإخراج القوات العراقية من الكويت وفرض حصار وحضر جوي استمر حتى عام 2003م، وتقدمت قوات التحالف الدولي بقيادة الولاياتالمتحدة من حدود العراق الجنوبية ويتسلّم الجيش العراقي ويقبض على صدام حسين، ويُقتل ولداه عدي وقصي في الموصل بمساعدة خالهم الذي اختبأوا في منزله عدة أيام قبل أن يُحاكم والدهما ويُعدم شنقاً أمام عدسات التلفزيون. خلاصة القول هي أن الذين شجّعوا الإرهاب وأرادوه حاكماً باسمهم في بعض الأقطار دون أن يُعلنوا ذلك يتجرّعون اليوم مرارة الخوف من الانتشار السريع للإرهاب وتحت أسماء ومسميات عديدة وتطرّفه الذي لا يميّز بين رجل كبير وطفل صغير، وبين هذا المذهب من ذاك، ناهيك عن الأقليات والقوميات ومنها المسيحيون يشعرون الآن بأنهم قاب قوسين أو أدنى من الدخول في المعمعة التي تدور رحاها في أكثر من قطر عربي شاءوا أم أبوا، وما لم يتضامن العرب بصدق فيما بينهم فإنهم سيعضّون أصابع الندم بعد فوات الأوان.