ها قد أطلّ علينا العام 2015 للميلاد ببهائه ورونقه وخيله وركابه، ولم يتبق لوصوله إلينا إلا بضعة أيام، أطلّ من مكان بعيد يحث الخطى ويصافح العالم وينادي بملء فِيه: هاأنذا أتيت بعد ترقب وحذر لأسألكم عن أحوالكم وسنواتكم الماضية، وكيف كانت ظروفكم المعيشية؟ وكيف كان تعليمكم؟ هل يستحق الإشادة به أم الحزن عليه والدعاء بألا تعود لنا الأعوام السابقة؟. نعم مرت السنون والأشهر والأيام والساعات والدقائق والثواني الماضية من أعمارنا ونحن نترقب تحسُّن الأحوال وعدم تكدّرها، عايشناها بحلوها ومرها، بجهلها وعلمها، بنظارتها وبؤسها، بجمالها وقبحها، رأينا أحداثاً يشيب لها الولدان، بل تشتعل الرؤوس شيباً منها في الأحداث الأخيرة التي مرت بها اليمن منذ العام 2011م وحتى الآن في معظم المحافظاتاليمنية من قتل واقتتال وتفجير ونهب وسرقة وإرهاب وترويع للآمنين إلى غير ذلك، الأمر الذي أثر على نهضة اليمن وتطورها وتقدمها وخاصة في الجوانب التعليمية عندما غضضنا الطرف عنها، وآخرها استهداف طالبات وقتلهن بدم بارد دون ذنب أو جرم اتخذنه غير أنهن حملن القلم والدفتر. من أجل ذلك ونحن نستقبل العام الجديد لابد من وقفات نقفها أولاً مع أنفسنا ثم مع من حولنا، هذه الوقفات كثيرة ولا يتسع المقام لذكرها جميعاً لكن سنختصر بعضها والتي تصب في بوتقة التعليم؛ إذ أرى أن له أهمية عظمى في هذا الوقت الحرج، ولا تُبنى الدول ولا تنهض ولا تتطور إلا بالتعليم الخالي من السلبيات والمنغصات. الوقفة الأولى: لا يخفى على الجميع واقع التعليم في بلادنا وواقع المتعلمين؛ أما واقع التعليم فقد ذُبح بسكين الغش وتم تقطيعه إرباً إرباً وأصبح الطالب لا يحترم معلمه ولا يعرف مستقبله ويتخرج الطالب من الثانوية ولا يعرف القراءة والكتابة الصحيحتين إلا من رحم ربي، وضاع الاحترام المتبادل بين المتعلمين إلا ما ندر، ناهيك عن الشعور بالإحباط من الواقع المأساوي واختلاق الأعذار والقول: (كثر الخريجون ولا توجد وظائف)، وهذا ما سبّب القصور والتسرّب من المدارس، لأن البيئة الحاضنة لهم علمتهم اليأس وأن المستقبل مجهول. أما الذين كافحوا وباعوا الغالي والرخيص من أجل أن يواصلوا التعليم ومنه حصلوا على الشهادات الجامعية أو العليا فتفاجأوا بواقع غير الذي حلموا به؛ بسبب الوساطة والمحسوبية والرشوة ومن كان معه لسان وسنان دُفع به إلى مراتب عليا ومن لم يكن معه ذلك بقي في مكانه إذا كان موظفاً أو ألقي به في ساحل الظلام دون وظائف وما أكثرهم!. والذي حالفه الحظ وحصل على وظيفة يجد أن راتبه لا يفي بكل متطلبات عيشه؛ فتجده يبحث عن مصادر أخرى وأماكن أخرى كي يكون عيشه وأسرته في أحسن حال، الأمر الذي يخفف من كفاءة المعلم والتغذية الراجعة التي يحصل عليها المتعلمون. والذي يندى له الجبين أن الظروف المعيشية أجبرت حاملي الشهادات العليا وبعض الموظفين في سلك الدولة على العمل في أكثر من مكان؛ كي تحس أسرهم برغد العيش ويكابدون جحيم الغلاء وإيجارات منازلهم، الأمر الذي يؤثر على صحتهم وجهدهم ولا يحسون بالراحة ولا يذوقون السعادة إلا قليلاً، ناهيك عن بعض حاملي الشهادات العليا الذين يفضلون الاغتراب على البقاء في وطنهم؛ فبدلاً من أن تكون الدولة هي الراعية والحاضنة والمبادرة بتسليمهم مرتبات جيدة وهم في أعمالهم الرسمية أصبحت هي مصدر الإجبار والتوجيه بالعمل في أكثر من مكان أو الإبعاد من وطنهم الأم وتفضيل الاغتراب، وبالتالي نلاحظ مرتبات حاملي تلك الشهادات العليا أو الجامعية كما هي إلا من بعض العلاوات البسيطة، وأصبح لا يُؤبه لهم، وكم سمعنا عن احتجاجات واعتصامات لحاملي الشهادات العليا في الجامعات اليمنية الذين يعملون كإداريين لم يتم تسوية أوضاعهم أو الموافقة على مساواتهم بالأكاديميين، ومثلها في التربية والتعليم والمؤسسات الصحفية وغيرها، وهذه الوقفة مليئة بالمنغصات والسلبيات فهل سيكون العام 2015 مفتاح نجاح وتقدم ونهضة؟ نتمنى ذلك. والوقفة الثانية: في الأيام الأخيرة أحسنت رئاسة الجمهورية خيراً بصرف استمارات استبيانية لحاملي المؤهلات العليا ووزعتها على جميع المكاتب الحكومية التي يعملون بها، وهذه خطوة جيدة، لكن نخاف أن يصيبها الإعياء والمرض وتؤول إلى ما آلت إليه سابقاتها؛ بحيث يكون مصيرها الأدراج ولا يتم العمل بها ومتابعة وتحسين أوضاع من يحمل تلك المؤهلات مقارنة بأقل دولة عربية وهذا أقل القليل إذا لم تستطع مضاهاة الدول المتقدمة والتي تفخر بأبنائها وحاملي الشهادات العليا. والوقفة الثالثة: أحسنت الحكومة صُنعاً بقيادة رئيس الوزراء الأخ خالد بحّاح بإعلان عام 2015 عام التعليم في اليمن، والذي نتمنى أن يتخذ خطوات جادة ويقوم على تخطيط وتنظيم وإعداد ودراسات قابلة للتنفيذ، ويهتم بجميع المتعلمين منذ الصغر وحتى الوصول إلى حاملي الشهادات العليا، ويتم عمل حاضنات تعليمية جيدة، ويتم عمل مكتبات نموذجية، ويزداد الاهتمام بالأنشطة التعليمية، وتوفير جميع مستلزمات التعليم بدءاً بالمدارس وانتهاءً بالجامعات، و تغيير المناهج بما يتوافق مع المرحلة، إضافة إلى الاهتمام بالمتعلمين والمعلمين. وخلاصة القول: إذا كانت الوقفات السابقة تحمل واقعاً ملبداً بالغيوم وواقعاً مصحوباً بالتفاؤل نتمنى من الدولة بشكل عام أن يكون العام 2015 عام التعليم في اليمن بتوفير الإيجابيات وتعزيزها ومحاربة السلبيات وإعدامها؛ لأن السلبيات طغت على الإيجابيات وأكلت أخضر التعليم ويابسه وجعلته كالهيكل العظمي دون لحم أو شحم أو دم، وكل سنة وأنتم طيبون ومتعلمون وقادرون على طلب العلم من المهد إلى اللحد ومبادرون للتعليم والتعلم دون منغصات أو حواجز إسمنتية. [email protected] رابط المقال على فيس بوك رابط المقال على تويتر