التعليم سر نهضة الشعوب وضرورة ملحة في تقدم المجتمعات والحضارات الإنسانية، لكن في المجتمع اليمني هناك مشاكل وأسباب وتحديات وصعوبات نابعة من واقع يمني مر ومؤلم جعلت التعليم مقصوصاً جناحاه ويتوعك من شدة الألم، فكان هذا الاستطلاع كدينامو محرك يناقش واقع التعليم اليمني سواء العام أو الخاص أو الجامعي أو العالي ويقترح الحلول والمعالجات المناسبة للنهضة بالتعليم، مهدياً جلّ سطوره إلى أصحاب القرار في وزارتي التربية والتعليم و التعليم العالي من جهة وإلى أعضاء مؤتمر الحوار الوطني باعتبارهم الشريحة المخططة التي سيقوم عليها بناء اليمن الجديد من جهة أخرى، وإلى كل غيور يحب النهضة التعليمية لبلادنا من جهة ثالثة؛ وذلك من أجل الاستفادة من هذه الآراء والحلول الناجعة، مُقدّمَاً من قِبل شرائح مختلفة من المجتمع اليمني قرأت الواقع عن كثب وروية فإلى الاستطلاع.. اهتمام كبير - البداية كانت مع الدكتور محمد عبده قحطان - دكتور جامعي - استهل حديثه بالقول: يظل التعليم ضرورة ملحة في تقدم المجتمعات والحضارات الإنسانية؛ حيث أصبح يشكل استثماراً حقيقياً في كل مجالات الحياة المختلفة، بل أصبح التنافس بين القوى في العالم يرتكز أساساً على امتلاك المعلومة العلمية والتكنولوجية؛ فالتعليم الأساسي يحظى باهتمام كبير من الدولة حيث يهدف إلى إيجاد الفرد المتوازن في معارفه ومهاراته وقيمه واتجاهاته. كما أن المرحلة الثانوية هي الأخرى تكتسب أهمية كبرى؛ كون الطلبة يمرون بفترة تغيرات جسمية وعقلية ونفسية وانفعالية فتحدد ميولهم وتصوراتهم واتجاهاتهم، الأمر الذي يجعل المدرسة أمام تحد كبير في توفير المناخ الملائم لنمو هذه الشريحة المهمة نمواً سليماً متوازناً يجعل الطالب يخدم نفسه ووطنه وأمته. ويعد التعليم الثانوي مقياسًا لمدى قدرة النظام التعليمي على الحفاظ على كفاءته الداخلية، والتقليل من الاختلالات المحتملة من التسرب والانقطاع. واقع التعليم العام ويضيف قحطان: يحتاج اليمن - كغيره من الدول النامية - إلى نظام للتعليم العام يتصف بالديناميكية والجودة والكفاءة العالية؛ فالتعليم العام في اليمن يشهد واقعاً مريراً حيث يواجه الكثير من التحديات والصعوبات الكبيرة.. فغياب الرؤية والسياسة الواضحة للفلسفة التربوية الحديثة، وسيادة النظم التعليمية التقليدية جعل المؤسسات التعليمية عاجزة عن استيعاب الانفجار المعرفي وثورة تقنية المعلومات والاتصالات، مما جعلها مرتبكة وغير متوازنة، فحتى وإن وجدت الاستراتيجيات الحالية للتعليم فهي لم تستند إلى إطار مرجعي (فلسفة وأهداف وسياسات)، فالتعليم في ظل ثورة المعلومات والاتصالات أضحى توجهاً استراتيجياً تفرضه مسئولية الدولة تجاه مجتمعها وأمنها القومي, وتستلزمه مطالب الحياة المعاصرة. وينوه قحطان إلى أن المناهج التعليمية في بلادنا للأسف مازالت تشهد جموداً واضحاً ومازالت أسيرة لتوجيه المتعلمين لتحقيق الأهداف السياسية فقط، هذا فضلاً عن جمود طرائق التدريس ووسائلها وأساليبها المتبعة في مدارس التعليم العام.. تحديات ويرى قحطان ان أبرز التحديات التي تواجه العملية التعليمية تتمثل في العجز الكبير في البنى التحتية للمؤسسات التعليمية مع وجود الاختلال الكبير في توزيع مؤسسات التعليم العام والمهني والتقني جغرافياً لصالح المناطق الحضرية على حساب المناطق الريفية. كما أن التعليم الخاص (الأهلي) جزء لا يتجزأ من النظام التعليمي العام فالواقع يسجل مشكلات كبرى تعيشها معظم هذه المدارس فبعضها لا يحمل مديروها على شهادات تربوية تؤهلهم لقيادة المدارس، وبعضها تعاني من نقص كبير في أعداد المعلمين، والاختصاصات، وتجهيزات المعامل، والأثاث المدرسي، فضلاً عن المنشآت الصحية وغيرها... استيعاب الانفجار المعرفي وتحدث قحطان عن الحلول المقترحة من أجل إصلاح التعليم وتحديد مشكلاته فقال: أهم الحلول التي يجب مراعاتها من أجل إصلاح التعليم وتحديد مشكلاته استيعاب الانفجار المعرفي وثورة تقنية المعلومات والاتصالات؛ من خلال إيجاد رؤية وفلسفة واضحة لنظام التعليم، ومن خلال وضع المناهج والمفردات الدراسية المواتية لهذا التطور ومراجعتها دورياً بما يلبي حاجات التنمية والمجتمع. وربط سياسات ومناهج مراحل التعليم العام بالمراحل التعليمية الأعلى، وتأهيل المعلمين الحاليين والمستقبليين، وتوفير الجهود لزيادة القوة التعليمية واستبقائها في المناطق الريفية، وتقليل الحوافز للمعلمين الذين يهاجرون من المناطق الريفية إلى الحضرية. والإعداد المهني والتربوي للعاملين في المؤسسات التعليمية. وتوفير الوسائل التعليمية والتقنيات اللازمة في جميع المؤسسات التعليمية، والإشراف على التعليم الأهلي والخاص وفق السياسة التعليمية والمناهج التربوية المقرة من الوزارة، وإشراك القطاع الخاص في مجال التعليم وعدم كفاية الدور الحكومي لمواجهة كل الصعوبات والتحديات. وتطوير المؤسسات التعليمية بما يتلاءم وحاجات المجتمع ومتطلبات تطوره المتلاحقة، وإعداد الخطط الشاملة لمحو الأمية وتنفيذها والعمل على إتاحة الفرص لتعليم المتحررين منها في صفوف المتابعة ونظام تعليم الكبار وفقاً لمفهوم التعليم المستمر. وإعداد وتوفير الكتب المدرسية والمراجع والمواد التدريسية المقررة للمؤسسات التعليمية التابعة للوزارة. وتنمية وتطوير الموارد البشرية اللازمة لاحتياجات التنمية والتحديث في البلاد. وتخطيط وإدارة البحث العلمي في مجال التربية والتعليم. وتعميم الخبرات والتجارب الناجحة بين مكاتب التربية في المحافظات , وتنمية علاقات وطيدة بين المدرسة والأسرة والمجتمع لضمان عملية تربوية متفاعلة مع المجتمع واحتياجاته المتجددة، وتنمية وترسيخ العلاقات التربوية والتعليمية مع الوزارات المماثلة في البلدان العربية والإسلامية والأجنبية ومع المنظمات الإقليمية والدولية المتخصصة في شئون التربية والتعليم. وتمثيل الجمهورية في المؤتمرات والندوات والاجتماعات الإقليمية والدولية ذات العلاقة بشئون التربية والتعليم. مشكلات التعليم العالي - أما الباحث في أصول التربية بجامعة تعز الأخ محمد السقاري تحدث عن مشكلات التعليم العالي في المجتمعات العربية على وجه العموم واليمن على وجه الخصوص فقال من اهم المشكلات التي تواجه التعليم الذي يدرس بغير اللغة القومية في بلداننا العربية أن الطلاب المبتعثين إلى بلدان مختلفة يتعلمون بلغات تلك البلدان، كالطلاب المبتعثين مثلاً إلى روسيا أو الصين أو ألمانيا، وعليه فإنهم إذا رجعوا إلى بلدانهم يواجهون مشكلة في ترجمة علومهم من اللغة التي درسوا بها إلى اللغة الأجنبية الأخرى التي يدّرس بها هذا التخصص، في الوقت الذي لن يجدوا فيه هذه المشكلة لو ترجموا ما تعلموه إلى اللغة العربية مباشرة؛ لأنها لغتهم الأصلية. وهذه المشكلة تحتم على العقلاء من أصحاب القرار: مراجعة قرار التعليم بهذه اللغات الأجنبية؛ لأن الأمم من حولنا لا تعترف بلغة عالمية للعلم، فكل أمة تتخذ من لغتها القومية لغة للتعليم، حتى الطلاب المبتعثين إليها يدرسون بلغة تلك الدول. واقترح السقاري عدداً من الحلول على النحو الآتي: مشكلات التعليم العالي في اليمن كثيرة من أهمها ضعف موازنة البحث العلمي، وقلة المعامل التطبيقية في الجامعات، واقتصار الدراسة على الجانب النظري دون الجانب العملي الذي هو الأساس، وغيرها من المشكلات المعروفة التي يرددها الطلاب فضلاً عن الأساتذة والمتخصصين، لكن في ظني هناك مشكلة عميقة في التعليم وهي مشكلة التعليم بلغات أجنبية غير لغة المجتمع، في كثير من التخصصات في العلوم الطبيعية والإنسانية. ولغة المجتمع العربي عموماً هي اللغة العربية، فهذه المشكلة هي مشكلة قومية بالأساس. تعريب العلوم واختتم السقاري حديثة قائلاً: من أجل التغيير المطلوب لابد من قرار قومي عربي لتعريب العلوم، ومن ثم تتخذ بعض الإجراءات المهمة التي منها: تبني مؤسسات ترجمة كبيرة تعنى بترجمة أهم الكتب العلمية في التخصصات المختلفة إلى اللغة العربية، وجعلها مراجع كبيرة تستفيد منها الجامعات العربية والباحثون العرب. وفرض التدريس للعلوم الطبيعية والإنسانية باللغة العربية على جميع المؤسسات التربوية العربية. وترجمة التكنولوجيا وتقنية المعلومات إلى اللغة العربية، وترجمة المصطلحات العلمية إلى العربية؛ لأن في لغتنا العربية ثراء في المفردات يساعدنا على ترجمة تلك المصطلحات، وبدون هذا القرار القومي الشجاع ستبقى محاولات التعريب محاولات فردية ضعيفة الأثر، في ظل غزو كبير للغات الأجنبية لمجتمعاتنا العربية. ذبح التعليم - وعند التوجه إلى قطاع المعلمين فاجأنا عدد من المعلمين العاملين في الميدان التربوي والتعليمي بتوضيح هذا الواقع فكانت البداية مع الأخ تميم الزبير المقطري – معلم لغة عربية – إذ تحدث إلينا قائلاً: هناك من يقول إن التعليم في بلادنا بدأ بالتحسن والتعافي بعد الانهيار الكبير الذي حل به في السنوات العشر الأخيرة، ولكن أنا أقول إنه لا يوجد أي تغيير ولو بالشيء اليسير؛ كيف ونحن نرى بأم أعيننا من يقتل التعليم ويذبحه من الوريد إلى الوريد!! كيف ونحن نرى أن هناك أيادي خفية تعمل ليل نهار على تجهيل هذه الأجيال. التعليم الخاص أفضل ويشير المقطري إلى أنه إذا قارنا بين التعليم الحكومي وبين التعليم الخاص فإن التعليم الخاص أفضل؛ وذلك لسببين الأول قوة الإدارة وعدم تهاون وتفلت المعلمين في أداء واجبهم حيث إنهم يعطون كل ما لديهم من مهارات وإبداعات وملتزمون بالدوام بحذافيره، رغم أنه الحلقة الأضعف في التعليم الخاص، حيث يتقاضى راتباً ضئيلاً، وهنا يكون العجب. والسبب الثاني هو اهتمام الموجهين بمتابعة المدارس الخاصة دون العامة حيث إنهم يقومون بزيارة المدارس الخاصة بمعدل ثلاث إلى أربع مرات في الشهر بحيث إنهم لا يزورون المدارس العامة إلا مرتين أو ثلاث في السنة. إحباط وراتب لا يكفي - أما الأخ محمد أحمد الديم – معلم فيزياء – فقال: العملية التعليمية على وشك الانهيار؛ وذلك لأن جميع أركانها أصبحت آيلة للسقوط، فالطالب محبط بعد أن انطفأت في نفسه جذوة التنافس، والمعلم يبحث عن مصدر آخر للدخل؛ لأن راتبه لا يفي باحتياجات أسرته الضرورية، ورب الأسرة مشغول في البحث عن لقمة العيش له ولأسرته، والمنهج الدراسي غير مناسب للواقع ولا لمستوى الطلاب، والنخب غارقة في المماحكات السياسية ولا تعير هذا الموضوع أي اهتمام، باختصار شديد قل: (على العملية التعليمية السلام). انحدار إلى الهاوية - أما معلم الكيمياء الأخ محمد أحمد الحميري فقد تأسف من الواقع التعليمي قائلاً: للأسف بدأ التعليم في اليمن ينحدر إلى الهاوية إن لم يتداركه عقلاء القوم، وهكذا سعى الحكام لهدم التعليم عبر تاريخهم المشؤوم؛ لأن حضارة الأمم لا تبنى إلا بالتعليم وثورات الشعوب لا تنجح إلا بمدى حضارة أبنائها. عدم الاهتمام وقال الحميري أيضاً: لاشك أن التعليم يمر بمراحل عصيبة وهذا يعود بدرجة أولى إلى عدم اهتمام الدولة بالتعليم وكذلك أولياء الأمور الذين لهم دور بارز في إنجاح التعليم أو فشله. عدم تأهيل المعلم - الأخ علي عبدالسلام قاسم – موجه تربوي – أشار من جانبه إلى تدني التعليم في بلادنا.. وذكر بعض الأسباب والمعالجات حيث قال: إن أسباب تدني التعليم في بلادنا كثيرة ومعلومة لكن أهمها ترجع إلى عدم إعداد وتأهيل المعلم؛ فيلاحظ أن التأهيل والإعداد للمعلم لا يتم ضمن معايير علمية وتربوية، وإذا حصل تأهيل أو إعداد فإن من يقوم بإعداد هذا الكادر لا يُختار وفق أسس تربوية فتجد جل اهتمامهم وتركيزهم على الجوانب النظرية والبعد عن الجوانب العملية والتطبيقية، وعند نزول المعلم إلى الميدان لا تتوفر له أدنى متطلبات العمل من توفر الوسائل التعليمية والعدد المناسب من التلاميذ. ثورة ويختم الموجه التربوي حديثه قائلاً: وعلى العموم تحتاج العملية التعليمية إلى ثورة بكل ما تحويه الكلمة من معنى في جميع الجوانب والمجالات؛ فإذا عولجت هذه الأسباب وغيرها وفق منظور علمي ودراسة علمية متخصصة ورصدت الإمكانيات المادية والبشرية المناسبة فإننا سنحقق ما نصبو إليه من تطور في كل المجالات التنموية؛ لأن التعليم أساس تطور المجتمعات ورقي التنمية بكل المجالات. الطالب الجامعي صنفان - وفي قطاع الطلاب تحدث إلينا الأخ أنس المنيفي – طالب جامعي – تخصص هندسة كيميائية - قائلاً: لا يدرك الكثير بأن الجامعة هي مصنع الشباب.. مصنع العقول .. مصدر الموارد البشرية. فالطالب الجامعي هو المنتج المعرفي الذي تم صناعته في الجامعة، فلكم الخيال كيف يكون هذا المنتج؟!!.. وما نوعيته؟؟ وماذا في جوهره ؟؟ فتارة يكون متميزاً أحياناً وهذا يدل على المراحل الصحيحة التي مر بها من تخطيط وتوجيه وتنفيذ وتقييم وتقويم، وتارة يكون النتاج في أسوأ أحواله، نتاج رديء وجوهر خاوي، فما يلبث أن يُمقت ويعاب في أحسن الأحوال، وهذا إن دل فإنما يدل على ركاكة البناء وسوء الإعداد. عدم الرقابة وأوضح أيضاً الأخ عبدالمؤمن العديني - طالب جامعي، تخصص إدارة أعمال – أموراً أخرى تتعلق بالتعليم الجامعي قائلاً: التعليم الجامعي متدهور إلى درجة كبيرة، وينذر بكارثة تعليمية إذا استمر الوضع على ما هو عليه؛ بسبب: عدم الرقابة من وزارة التعليم العالي ورؤساء الجامعات وعمداء الكليات على سير العلمية التعليمية وعدم وضع خطط مستقبلية وتطوير المناهج العلمية لكي نواكب تطورات العصر. ويضيف العديني: أما الحلول المقترحة لتطوير التعليم الجامعي فهي كثيرة لكن أهمها: توفير قاعات دراسية مع الأدوات التعليمية اللازمة والمتطورة كالمعامل والكهرباء والخدمات، ومواكبة عصر التكنولوجيا، وتوفير كادر مؤهل، ونظام رقابي واضح على سير العملية التعليمية، وتطبيق اللوائح الجامعية التي لم تطبق، إضافة إلى تطوير المناهج. الغش وغياب القدوة الحسنة - وفي قطاع المرأة تحدثت إلينا الأخت ذهنية صادق جزيلان – سكرتارية المرأة والطفل في مؤسسة التواصل للتنمية الإنسانية مكتب تعز – عن واقع التعليم الحالي وما نتمنى أن يكون في المستقبل فقالت: إن ما يعانيه التعليم في اليمن من تدهور وانحدار يرجع لمعوقات كثيرة لعل أهمها: عدم مراعاة التخصصات؛ فربما كان التخصص جغرافيا والتدريس علوم وهكذا، والبعد عن التعليم التطبيقي والعملي مقارنة بالنظري، وإحباط الخريجين؛ لعدم توافر وظائف بعد التخرج، وغياب القدوة الحسنة، وانتشار ظاهرة الغش والتزوير والوساطات، والإدارة اللا مسؤولة أو السياسات الإدارية الخاطئة، وقلة الاهتمام بالموهوبين والمبدعين وغياب التشجيع لهم، وارتفاع نسبة الأمية؛ بسبب كثرة التكاليف وقسوة الحياة. - الاهتمام بالنشء وحول الحلول وما نتمناه في المستقبل أوجزت جزيلان بالقول: إن المتأمل لتاريخ ماليزياوالصين وما حققته هاتان الدولتان من تنمية شاملة ونهضة فسيجد الركيزة الأولى التي قامت عليهما كانت العناية بالتعليم؛ فلابد من النهضة بالتعليم، ولذلك كم نحلم بالآتي: الاهتمام بالنشء الصغير وتأسيسهم على القراءة الصحيحة والفكر الإسلامي، وتفعيل المعامل وتأثيثها سواء في المدن أو الأرياف، وتوفير فرص عمل للخريجين والاستفادة من طاقاتهم، ومجانية التعليم مقابل الجودة العالية والأداء المتميز، واتخاذ إجراءات صارمة ضد الظواهر اللاأخلاقية كالغش والرشاوى والتزوير، وتشجيع الموهوبين وتوفير المنح الدراسية لهم، والاهتمام بالبحث العلمي والتعليم العالي، وتوفير وسائل التعليم المختلفة (المقروءة والمسموعة والمرئية), والاهتمام بالإعلام التعليمي. ارتفاع الأمية - أما الكاتب الصحفي الأخ رمزي العولقي فقد أدلى بدلوه قائلاً: التعليم في اليمن واقع مر ومستقبل مجهول؛ لأنه بطبيعة الحال إذا أردت أن تعرف مستوى شعب من الشعوب ومدى تقدمه حضارياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.. فانظر إلى مستوى التعليم ومستوى الأمية؛ فإذا كانت نسبة التعليم مرتفعة والأمية متدنية فإنك بالتأكيد ستعلم أنك أمام شعب حضاري يعيش حياة راقية.. وإذا كانت نسبة الأمية مرتفعة ونسبة التعليم منخفضة بالتأكيد أنك تقف أمام شعب أقل ما يمكن وصفه شعب جاهل ومتخلف، وهذا ما نراه في الواقع اليمني. لوث الساسة العلم ويفصّل العولقي أن التعليم في اليمن مر بعدد من المراحل، وخاصة من زمن الوحدة عام 1990م إلى الآن؛ فبعد قيام الوحدة المباركة كان الناس متفائلين بكل شيء، وكان التعليم هو بوابة المستقبل التي ينطلق من خلالها الشعب إلى بناء مستقبله.لكن بعد الوحدة كان الجيل يذهب للمدارس والمعاهد والجامعات حاملاً معه الأمل بغد مشرق.. واستمر بالذهاب حتى بدأ الساسة بالخصام والاختلاف وبدأ كل طرف يبحث له عن أنصار وقواعد، فاتجهت أنظار الساسة وأحزابهم نحو التعليم لتبدأ من هنا أول خطوة لتدمير التعليم وحلم الجيل بغد مشرق؛ فلوث الساسة العلم بخلافهم وبدأ الاستقطاب بين المتعلمين.. في هذه الأثناء كانت هناك مؤسسة تعليمية رائدة اسمها المعاهد العلمية ساهم في ريادتها أنها كانت محسوبة على جهة سياسية بعينها وقلعة من قلاعه.. ومع ظهور الخلاف بين الساسة والأحزاب السياسية بما فيهم الإصلاح بدأت أيادي الخراب السياسي تمتد إلى هذه المؤسسة، ثم تلوث التعليم بالصراعات السياسية والخلافات من بعد عام تسعين حتى قامت حرب الانفصال فكانت المدارس والمعاهد والجامعات ميادين لحرب الأفكار كما هي ساحات الوطن ميادين لحرب الدبابات، وإدخال المدارس والجامعات والمعاهد في العملية الديمقراطية أيام الانتخابات وجعلها مقرات للانتخابات ساهم أيضاً في إضعاف التعليم.. ثم تأتي المرحلة الثانية التي مر بها التعليم وهي مرحلة ما بعد 1994م.. مرحلة شراكة المؤتمر الشعبي العام والإصلاح ومع ظهور الخلاف السياسي بينهما في ميدان السياسة انتقل إلى ميدان التعليم فبدأ المؤتمر مرحلة الإقصاء والتخلص من شريكه في الحكم، ومن ضمن الممارسات التي استخدمها المؤتمر الشعبي العام بقيادة الرئيس السابق قرار إلغاء المعاهد العلمية.. وكانت هذه المرحلة الثانية التي أدخلت التعليم في اليمن مرحلة بين مرحلتين.. وبعد تمكن المؤتمر الشعبي العام من مفاصل الدولة وإلغاء المعاهد العلمية بحجة توحيد التعليم بدأ بانتهاج سياسة ممنهجة لتدمير التعليم كوسيلة من الوسائل المساعدة على بقاء النظام السابق أكبر قدر ممكن؛ لأنه كان يعتقد أن الشعب إن تعلم فإنه سيعجل برحيله.. ولذلك نلاحظ مظاهر تدمير التعليم في هذه الفترة؛ فبعد إلغاء المعاهد العلمية بدأ النظام السابق بالتخلص من الكوادر التعليمية المحسوبة على الإصلاح وبقية الأحزاب السياسية في كافة المجالات والمستويات وبدأ بإحلال كوادره المحسوبة على المؤتمر الشعبي العام، وبدأ الكتاب المدرسي بالاختفاء فلم تستطع الحكومة توفيره ولكنه كان يباع في السوق السوداء. واستمر تدمير التعليم كذلك بهجرة الكوادر العلمية النزيهة من أساتذة ودكاترة مدارس ومعاهد وجامعات إلى دول الاغتراب بحثاً عن لقمة العيش الحلال؛ لأنهم لم يقبلوا على أنفسهم الفساد والمال والحرام. سياسة ممنهجة ويدلل العولقي كلامه بالقول: وهكذا أصبحت الساحة شبه خالية من الشرفاء من أبناء الوطن حتى وصل المسؤولون الفاسدون إلى أعلى قمة في سلك التعليم من وزراء وعمداء ووكلاء ومديري مراكز تعليمية.. واستمرت الحكاية يوماً بعد يوم، حتى أن أحد دكاترة الجامعات وهو ثقة حدثني أن وزير التعليم السابق ذات يوم قبل سنين معدودة وبعد إقرار ميزانية التعليم قال لمعاونيه في اجتماع مغلق خاص بالوزارة: (سمعوني خبر ميزانية التعليم. من قال لكم إننا نشتي تعليم).. إعادة الكوادر المهاجرة ويختم العولقي حديثه بما يجب فعله من أجل النهضة بالعلم والتعليم قائلاً: إذا أردنا أن ننهض بشعبنا وأمتنا فإن علينا أن نهتم بالعلم ونعيد الكوادر العلمية المهاجرة والاستفادة منها.. ومن خلال رفع مستوى المعلمين حتى يؤدوا دورهم على أكمل وجه ومن خلال رفع ميزانية التعليم في الموازنة العامة للدولة.. ومن خلال الاستفادة من تجارب الدول الأخرى في هذا المجال... تسرب الطلاب ومثله الإعلامي والمصور الفوتوغرافي الأخ: عامر اليوسفي يقول: التعليم العام في اليمن يعاني منه المجتمع ككل؛ فترى الطلاب يتهربون من مدارسهم ولا يكملون مرحلة التعليم الثانوي أو الإعدادي أحياناً والمعلمون لا يقومون بواجبهم كما ينبغي. وهذا ما يشكل خطراً كبيراً على المجتمع؛ حيث إن تسرب الطلاب من الفصول يؤدي إلى إنشاء جيل جاهل لا يفهم أبسط المعارف والعلوم وهذا بدوره سيؤثر على مستقبل التعليم بل على جميع المجالات. استراتيجية وطنية للتعليم وحول الحلول يقول اليوسفي: الحلول تبدأ من وضع استراتيجية وطنية للتعليم يتم تطبيقها على مدى 10 سنوات تتبنى مناهج علمية تنهض بالوطن يعدها متخصصون في كل المجالات. ومن ثم عمل ضوابط لمعالجة مشكلة التسرب من المدارس والاهتمام بالطلاب وتشجيعهم حيث هم أساس العملية التعليمية والارتقاء بالمعلمين بما يتواكب مع الهدف المرسوم من النهضة بالتعليم. وضع الطالب - أما الطبيب والشاعر د. محمد الحالمي فقد أشار إلى وضع (الطالب) بين سندان وزارة التعليم العالي ومطرقة التعليم العام والخاص؛ حيث يقول: إنه عندما نتحدث عن التعليم لاشك أننا أجبرنا أنفسنا على الدخول في وحل لا طرف له ولا حدود, فمن أين نبدأ؟ من الطالب الذي لا حول له ولا قوة بما هو حاصل, أو من وزارة التعليم العالي المشغولة بالعُطل والمُناقصات والمُعاملات, وليس لديها الوقت حتى تُتابع حركة السير والنقاط والجولات الموجودة في الجامعات الخاصة والحكومية وما يمكن أن يواجه الطالب من مشاكل, أو من قطاع خاص مثل وجه المكياج يزول بنزول المطر؟ واقعٌ مكتظ بالأوراق والمُعاملات والمُلصقات.. أما التطبيق في الواقع فاقرأ على الدنيا السلام, كمٌ هائلٌ من الاحتياجات التي يفتقر إليها التعليم فإضراب من جهة وإهمال من جهة أخرى. فلا نار التعليم العام التي تحرق أطراف مستقبل الطلاب حيث غياب التخصصات والكادر التعليمي والوسائل التعليمية ولا جنّة التعليم الخاص, جثثٌ فقط تضجّ تحت مُسمى (طالب جامعي) حيث الرفاهية والرقّة في تلقي العلم لا الرُقي في حضرة المفهوم الذي ترسب في أذهان الكثير أنه يدرس بمالهِ الخاص. التأهيل النفسي من جانبه يتألم الشاعر نبيل القانص من واقع التعليم، وما يجد إلا أن يقول: التعليم بشكل عام في بلادنا في حال يرثى له؛ فالتعليم الأساسي والثانوي يفتقر إلى المعلم المؤهل علمياً وحياتياً وثقافياً كي يستطيع أن يتعامل مع عقلية ونفسية التلميذ بدون انتقامية وتعسف وتسلط .. لذلك يحتاج المعلم إلى التأهيل العلمي والنفسي قبل أن يقوم بتدريس المادة للتلاميذ والطلاب، ويحتاج الطالب أو التلميذ إلى التجريب والتطبيق العملي بشكل مستمر ويومي، ويلاحظ أن هناك طلاباً بمعدل ذكاء خارق يستحقون وضع قانون قياس نسبة الذكاء بحيث يؤهلهم ذكاؤهم غير العادي لتخطي بقية سنوات الدراسة الأساسية أو الثانوية وبدء الدراسة الجامعية كما في الدول المتقدمة. أما بالنسبة للتعليم العالي فيواجه نفس المشاكل؛ مشكلة المعلم ومشكلة التجريب والتطبيق.. كما يحتاج الطالب الجامعي في مرحلة ما بعد البكالوريوس إلى إلغاء الشروط التعجيزية في التعليم؛ كي يتمكن من الحصول على مقعد الماجستير وتسهيل عملية الالتحاق بالماجستير.. التلقين الممل - الأخ عصام الحمادي – خبير ومستشار تدريب، من جهته قال: إن المتتبع لحالة التعليم والعملية التعليمية سواء أكانت في الخاص أو العام من مدارس وجامعات.. في الحقيقة لن يجد تعليماً بل سيجد تلقيناً. إن التعليم في اليمن يخرج لنا مجموعة من الحفظة، “مع العلم أن الحفظ قدرةٌ تجيدها الحمير.. أيضاً”. ما لم يتحول التعليم من التلقين إلى التفكير، سنظل مستهلكين لكل شيء.. كل شيء.. وسنظل في ذيل الأمم، لن نستطيع أبداً أن نبنِي إنساناً يبني وطناً. ويوضح الحمادي قائلاً: هناك جهالةٌ في كل زاويةٍ تقع عينك عليها.. وتتجلى تلك الجهالة بتلازمٍ كبيرٍ بين بوابات المدارس، وأكوام القمامة بينها، وكأن رسالة الحال: هذا هو التعليم لدينا.. هوةٌ كبيرةٌ بين ما نتلقاه وبين واقعنا.. مازالت أكوام القمامة في أذهاننا بسبب التلقين الممل والغبي. لست أدري متى نستفيق، ونخرج من دائرة التلقي والتلقين والتقليد إلى إدراك المعرفة؟. متى نخرج من دائرة الحفظ، إلى دائرة التفكير؟ لأنه في المسجد تلقين، وفي المدرسة تلقين، وفي الجامعة تلقين، وفي البيت تلقين.. الإهمال المتعمد - الأخ بندر الحداد – موظف في إحدى الشركات الخاصة - من جانبه أدلى بالقول: التعليم في اليمن ليس ضعيفاً فحسب بل في أدنى مستوياته وبالذات التعليم العالي؛ والسبب في ذلك ضعف أداء وزارة التعليم العالي وكذلك الإهمال المتعمد من قبل رؤساء الجامعات, لا نظام ولا رقابة, الطالب الجامعي لا يحصل على أدنى حقوقه من معامل ومكتبات ومراكز بحوث إلى آخره.. الوساطة والمحسوبية أما الأخ عصام الشوكاني - خريج تربية لم يتوظف بعد - فقد ذكر أن الواقع التعليمي واقع مؤلم لعدة أسباب حيث يقول: الواقع التعليمي مؤلم لعدة أسباب منها عدم توفر الكفاءات والمهنيين الإداريين في الهياكل التنظيمية ذات القرار في المؤسسات التعليمية القادرين على القيام بالعملية الإدارية للعملية التعليمية من تخطيط وإدارة وتوجيه ومتابعة وتقييم واتخاذ قرارات للتحسين والتطوير ابتداء من الوزارة وانتهاء بالمؤسسة التعليمية “المدرسة، المعهد، الجامعة،..”؛ ويضيف الشوكاني: عدم توفر البنية التحتية والبيئة التعليمية للعملية التعليمية أحد أسباب تدني التعليم؛ حيث لا توجد إلا أنصاف مدارس تجد الطلاب إما أنهم لا يدرسون أو يدرسون تحت الأشجار أو لا يوجد الكتاب المدرسي أو لا توجد المكتبات والمعامل والأنشطة. وهذا علاجه يكون بتوفير البيئة والمناخ الملائم لتحقيق عملية تعليمية ناجحة” مدارس، مدرسين، كتاب مدرسي، معامل، مكتبات، أنشطة، مبدأ الثواب والعقاب”.. كما يقول: إن عدم كفاءة المعلم أحياناً وسوء التعامل مع الطلاب من أسباب تدهور التعليم؛ وهذا إما بسبب إعطائه مهمة تدريس مادة أكبر من مستواه التعليمي “مربون يدرسون ثانوية”، أو عدم استشعاره للمسؤولية فتجده “يتغيب، ديكتاتور، قائد عسكري، قاضي وليس مربياً.....” وهذا علاجه يكون بتوفير الدورات العلمية والمهارات وبكل جديد للمعلم، مما يؤدي ذلك إلى تنشيطه، وتوفير التخصصات كلها، وتوزيع المعلمين حسب مؤهلاتهم وتخصصاتهم. البطالة وفي الأخير تحدث إلينا الأخ بشير أحمد قائد – عامل في بقالة – قائلاً: التعليم في اليمن متدهور إلى حد ما؛ بسبب عدم استشعار المعلم المسؤولية الملقاة على عاتقه. الأمر الذي يجعله يسهر طوال الليل ويصبح بلا نوم (ضابح) ولا يوصل المعلومة بصورة صحيحة، ويهرب الطلاب بسبب عدم الرقابة، وهناك سبب آخر هو البطالة، وعدم الحصول على وظيفة تكمل الناقص فتجد متخرجاً من الجامعة يبيع (بطاط)، وآخر يشتغل حجر وطين... وغيرهم كثير. أما الحلول التي اقترحها قائد فقال: لابد من توفير الجو المناسب للتعليم من خلال الرحلات الترفيهية تكون في الأسبوع مثلاً لتقضي على الملل والابتعاد عن الغش وتوفير مدرسين أكفاء والضبط وتوفير الوظائف والمناهج المدرسية لكل الطلاب ونبعد حاجة اسمها إشراك عدد من الطلاب بكتاب واحد. [email protected]