في أكثر من مقال صحفي قلنا إن الفشل ممنوع وغير مسموح به في اليمن كجغرافيا ودولة، وهذا ما تقوله الأحداث وتفاعلاتها عند كل منعطف خطير مرت وتمر به البلاد، فعندما تصبح اليمن قاب قوسين أو أدنى من الفشل المدمر بعد التصعيد إلى أقصى حد ويمارس طرف أو أطراف لعبة «سياسة حافة الهاوية» تأتي التهدئة وتبريد حرارة التصعيد قبيل الانفجار بقليل، وتبدأ مراهنات المراقبين والفاعلين في الداخل على الحكمة اليمانية، وتسبقها ممارسة الضغوط والتهديد باستخدام القوة والتدمير من الخارج، والهدف تجاوز الأزمة. ما سبق أسلوب وتكتيك يجري استخدامه منذ زلزال الربيع العربي الذي بدأ قبل خمس سنوات ولازال مستمراً بصور متضادة ومتعاكسة، لكنه بصوره المتعددة صمم بدقة لتفكيك عوامل قوى المنطقة العربية كلها وعلى مستوى القوى ومركز القوى حاكمة ومعارضة داخل كل دولة، وبالتالي «هز» وتحريك خرائط المنطقة، بما يؤدي إلى الحفاظ على مصالح الكبار في العالم أولاً ومن ثم مصالح الكبار في الإقليم ودوماً تتغير وتتبدل مصالح كبار الإقليم لصالح كبار العالم، وبتغير مصالح كبار الإقليم يجري إضعاف البعض لتقوية آخرين في المنطقة ليصبحوا كباراً. وهكذا تستمر اللعبة بقدر ما تكون ربيعاً لهذا الطرف على مستوى الإقليم وداخل كل دولة على حدة تصبح خريفاً وشتاءً لذاك الطرف على مستوى الإقليم وداخل كل دولة على حدة، وكله بثمنه، فمن يحقق المصالح يتم دعمه والوقوف معه، ومن لا يجيد لعبة المصالح يتم سحقه وإضعافه، والأمر لا علاقة له بالمبادئ والمشاريع السياسية بقدر ما يتعلق بتقديم الخدمات للكبار في الإقليم وفي العالم؛ فلا مقاييس سياسية ولا ديمقراطية ولا حقوق الإنسان هنا لها علاقة بالأمر؛ فالمصالح لا تحكمها قيم وأخلاقيات؛ لأنها تتعلق بالتحكم بأدوات القوة والسيطرة على الثروة. ولهذا منذ انقسام «القوة والثروة» في اليمن خلال ثورة 11 فبراير 2011 بدأ الكبار إقليمياً والكبار دولياً يحسبون مواقفهم وخطواتهم بدقة، وقالوا بالحرف الواحد: غير مسموح لليمن بالفشل كدولة وجغرافيا وبشر ؛ كون ذلك الفشل سيشكل خطراً كبيراً على مصالح كبار الإقليم وكبار العالم معاً نظراً لما تتميز به اليمن من موقع جغرافي يسيطر على ممرات دولية هامة ولقربها من خزان وقود العالم ومنطقة مصالح دولية هامة. ولهذا رأينا ذلك الاهتمام الكبير على مستوى الإقليم والعالم باليمن، وما يجري فيها وكذلك الحديث المبالغ فيه عن أهمية وضرورة الحفاظ على وحدة وأمن واستقرار اليمن، العبارة التي ظل يلوكها ساسة وقادة الإقليم والعالم طويلاً ولازالوا، ورأينا كيف كانوا يقولون: إن الربيع العربي في اليمن تحول إلى تسوية سياسية ستصبح نموذجاً يحتذى به، وسيجري تطبيقه في دول أخرى ليس حباً في اليمن وشعبها بقدر ما هو حب لاستمرار مصالحهم سواء كبار الإقليم أو غيرهم. فقد جاءت ثورات الربيع العربي ونقيضها ثورات الخريف والشتاء العربي لتحقيق أهداف متشابهة هي المزيد من تفكيك عوامل القوة «السلاح والثروة» على مستوى الدول، فضربت قوى حاكمة بقوى كانت معارضة ليتم ضرب الأقوى من بين القوى التي صعدت إلى الحكم بقوى أخرى كانت معارضة وصغيرة جرى تكبيرها ودعمها ليبدأ المسلسل من البداية الترتيب والتهيئة والتمهيد لضرب القوى التي تم دعمها وتكبيرها، والهدف بقاء الجميع صغاراً على مستوى كل دولة وعلى مستوى الدول في المنطقة يعانون الضعف ليسهل قيادتهم ويقدمون خدمات مجزية تزيد من حجم مصالح الكبار إقليمياً ودولياً. وأثبتت مجريات الأحداث أن الفشل المسموح به في اليمن يتعلق بقوى ومراكز قوى يتم اختيارها بدقة فيجري تضخيمها أو لنقل «تسمينها» بجعلها تندفع وتظهر عوامل قوتها ليجري بعد ذلك تقليم عوامل قوتها وإضعافها أو تدمير قوتها لتصبح سهلة الانقياد والترويض أو تكبيرها وتضخيمها وتمكينها من عوامل القوة والثروة لاستخدامها في تحقيق أغراض وأهداف تخدم الكبار مثلاً ضرب خصومهم وإضعافهم ليجري بعد ذلك إضعاف من تم استخدامهم وضربهم إذا اقتضت الضرورة. وأخيراً الهدف النهائي بالنسبة للكبار دولياً تفتيت وتدمير عوامل القوة «السلاح والثروة» وتحويل جميع الأقوياء على مستوى الإقليم وداخل كل دولة على حدة إلى صغار ضعفاء ليسهل قيادة الجميع بعد ذلك، وجعلهم محتاجين لكبار يستجدون منهم الدعم والحماية.