قال رئيس مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الانسان في اليمن، عز الدين الأصبحي إن احتكار السلطة والثورة جعل من غير الممكن خلق قوى تخلخل النظام. وأكد في حوار ل"الراية" بالعاصمة الأردنية عمان أن دول الخليج تقبل باليمن جاراً لانظاماً سياسياً مختلفاً. وأوضح الأصبحي أن المحاصصات في اليمن مرفوضة، مؤكدا أن أعضاء الحكومة الحالية جاءوا من مؤسسات سياسية سابقة فاشلة. كما أكد أن ثورة المؤسسات أجبرت صالح على البقاء في الداخل وأن خوفه من الملاحقة القانونية وتم منعه من السفر لأمريكا من أجل العلاج. وشدد الأصبحي على ان الشباب تمردوا على أحزابهم وأن المرأة قادت المظاهرات، مؤكدا أن القاعدة في اليمن موجودة ولكنه مبالغ في حجم تقديرها. وفيما يلي نص الحوار: كيف تقرأ الثورة اليمنية هذه الأيام؟. - هذه الايام أكملنا عاما كاملا من الثورة الشعبية الشبابية السلمية في اليمن، وأعتقد أن ذلك يعطينا فرصة حقيقية للمراجعة والتقييم، رغم الإحباطات بسبب عدم حسم الأمور، وجسامة التضحية التي قدمها الشباب اليمني. كما أن ذلك فرصة لمراجعة الذات بقوة، لوضع السؤال الأساسي :ماذا تريد والى أين نحن سائرون؟. وحتى لا تقع الثورة في فخ يصعب الخروج منه. وأستطيع القول إن الثورة اليمنية، شأنها شأن الثورات الحقيقية الجادة، تمر بمنعرجات سلبية وايجابية. ونحن الان في مرحلة حقيقية من مراحل المواجهة مع الذات، ومسألة الوصول إلى صبغة تتوافق مع التغيير الجذري الذي يؤدي إلى تحقيق الهدف الاكبر المتمثل بالإطاحة بالنظام وتحقيق العدالة والمساواة، ويتيح المساواة في السلطة والثروة، على مستوى اليمن. لم تحقق الثورة أهدافها حتى الآن، ولكني استطيع القول إن هناك خطوات سياسية كبيرة أنجزت بايجابية، ولكنها لم تحقق الاهداف التي خرج من أجلها الناس، ففي 11فبراير شباط 2011 خرج ثلة من الشباب ورأى البعض ان ذلك سيكون انفعاليا ومؤقتا، بيد أن الايام والشهور أثبتت ان تنامي المد الشعبي اكد ان المطالب على مستوى الشارع تشكل الاغلبية العظمى للناس. معروف أن الشعب اليمني مسلح جدا وبأسلحة ثقيلة، ومع ذلك يتمسك بسلمية الثورة، لماذا؟ - حسب الدراسات التي أجرتها منظمات حكومية وغير حكومية، فان حجم الأسلحة في اليمن خيالي، وأنا شخصيا أميل لبعض الدراسات العلمية التي أنجزتها منظمات حقوق إنسان أو منظمة مسح الأسلحة الصغيرة في سويسرا التي تقول إن حجم الأسلحة في اليمن لا يقل عن تسعة ملايين قطعة. بينما تقول بعض الأرقام الحكومية إن هناك ما لا يقل عن 27 مليون قطعة سلاح في اليمن، ومع ذلك فان ما أوردته المنظمات الأخرى، لا يعني قليلا على الاطلاق في حال إسقاطه على عدد السكان وهم 25 مليون نسمة وان اخرجنا نصفهم من النساء والاطفال، فاننا سنجد ان تركز الأسلحة في البقعة الجغرافية والسكانية، يشكل أعلى نسبة في العالم. ويعود عدم استخدام السلاح في الثورة إلى عاملين رئيسيين اولهما انتشار ثقافة النضال السلمي التي كانت مفاجأة للجميع. والثاني هو ان اليمنيين خلال 60 عاما تعبوا من مسألة تصفية الحسابات في دوائر العنف التي انتجت عنفا آخر. وكان كل عنف يلد عنفا آخر وبالتالي أرى ان هناك صحوة لدى الناس، بان القضايا الاستراتيجية الاساسية لا يمكن حلها عبر دائرة الانتقام الفردية، أو عبر التصفيات الجسدية التي تنتج نوعا من الثأر واستمرار العنف. لقد استوعب الكثير من المواطنين هذا الدرس وقد شكل التوازن المجتمعي أداة لكبح جماح استخدام العنف، والسلاح، فالتوازن العشائري والمناطقي والانقسام داخل الجيش، أدى كل ذلك إلى عدم استخدام السلاح والعنف لكن عند خروج الغالبية العظمى وهم الشباب والنساء إلى الشارع، لم يكونوا مسلحين ولم يميلوا لاستخدام العنف. وهم الجسم الرئيسي للثورة، ويؤمنون بثقافة اللاعنف. وهذا هو السبب الرئيسي لعدم استخدام السلاح في الثورة اليمنية. ما دور الاقليم في اليمن؟ - دائما أقول ان اليمن هو ضحية الجغرافيا، فموقعه الجغرافي رغم تميزه الايجابي، جر علينا الكثير من المشاكل والمعاناة، وجعل اليمن في حالة صراع دائم، فمنذ العام 1962 واليمن يدور في حلقة الصراع الاقليمي المفرغة. وقد كنا منذ ذلك التاريخ ساحة لتصفية الحسابات الاقليمية، ما بين مد ثورة جمال عبدالناصر، والرد السعودي المعروف آنذاك. وربما جرب تصفية الحسابات ايضا بين القوتين العظميين في العالم وما بين المد القومي الثوري التحرري، والمد العربي المحافظ، وكان اليمن احدى الساحات لتصفية الحسابات الصعبة، ونحن جيران لدول الخليج التي تقبل باليمن جارا، لكن لن تقبله نظاما سياسيا مختلفا، وبالتالي لابد ان ندفع الثمن للصراعات الاقليمية. كما ان موقفنا الجغرافي من باب المندب والاطلالة على البحر الاحمر والبحر العربي يجعل اليمن تحت نظر الصراعات الدولية ايضا.فالجميع يخشون تحول هذه البحيرة الصغيرة إلى واحدة من أخطر المناطق التي تهدد المصالح الاقتصادية الكبيرة ،وهذا يجعلهم دائمي التركيز على اليمن، وجاهزية الخطط للتدخل المستمر فيه . ومع ذلك فان اليمن لا يستطيع ان يدير ظهره تماما للخليج، كما أن دول الخليج لا تتناسى ان لها جارا مهما مؤثرا على السياسة الاقليمية وعلى سياسة دول الخليج نفسها هو اليمن رقم صعب، في العملية السياسية الاقليمية، ولا بد من التعاون معه على قاعدة المصالح المشتركة والتاريخ المشترك. ما تفسيركم لدرجة القمع التي يستخدمها نظام صالح؟ - كان النظام -وفي الماضي تحديدا- مطمئنا لعدم امكانية حدوث ثورة في البلاد تزعزع أركانه، فخلال الاربعين عاما الماضية، بنيت استراتيجية احتكار الثروة والسلطة التي جعلت من غير الممكن القيام بأي حراك ضد النظام، وخلق خلخلة حقيقية في بنية النظام. وجاءت الصدمة الكبيرة عندما أدرك الجميع، أن محتكري السلطة والمال لم يعودوا قادرين على التحكم بالأمور وحدث نوع من الاستفاقة، وإدراك ان شيئا ما وقع على الأرض وبدأ يغير المشهد. وأن هناك أناسا يستطيعون رفض الواقع الحالي والثوابت الحالية. وبالتالي كان رد فعل النظام عنيفا جدا. والسؤال كيف تستطيع إقناع مجموعة من الناس آمنت انه لا حكم ولا مال خارج دائرة الاحتكار الضيقة فجاءت تصرخ انها الأحق بالمال والسلطة. وأستطيع القول ايضا ان العنف المستخدم حاليا، ليس دفاعا عن الذات فقط، بل هو دفاع عن مشروع تم بناؤه خلال خمسة عقود مضت، وبدأ ينهار وظهر مشروع آخر مناقض له وإن لم يكتمل بعد. لكن الظاهر بوضوح أن المشروع القديم لن يعد له امكانية البقاء. لماذا يصر صالح على عدم ملاحقته ومحاكمته؟ -على الثورة ترسيخ مبدأ العدالة الانتقالية التي تتم على مبادئ واضحة جدا مثل المساءلة والمصالة الوطنية. والاعتراف بالخطأ وجبر الضرر، وكذلك التعويض العادل للناس. وتحقيق العدالة والإنصاف، بعيدا عن دائرة الانتقام. ولكنه يقوم على ضرورة احترام حق الغير واعادة الاعتبار للناس والاعتراف بالخطاء، وعدم أكل حقوق الناس. وبالتالي فان ربط الملف بصفقة سياسية تفوق الحقوق القانونية، ومسألة العدالة الانتقالية، يعني وضع نعم في طريق العملية السياسية. لذلك فان المباردة التي تدعو لعدم الملاحقة وعدم المساءلة القانونية، تضع لليمن قنبلة ستنفجر لاحقا.واذا أراد الساسة اليمنيون حل مشاكلهم فعليهم اعتماد الصراحة ومواجهة المشكلة بشجاعة، ويذهبون لحل يقوم على العدالة الانتقالية. هل أنتم راضون عن أداء الحكومة الحالية؟ - لسنا راضين أبداً لان ما جرى كان حلاً لأزمة سياسية بين أحزاب سياسية تقاسمت السلطة وليس حلاً من أجل تقديم أهداف الشعب ورؤيته، وثورته. وبالتالي فان المشكلة باقية، فقد مضت الأسابيع والأشهر الماضية، ولم تتحقق الخطوات الرئيسية المتفق عليها. ونحن نقرأ بوضوح أن نصف الحكومة إن لم يكن جلها، هي أصلا جاءت من المؤسسات السياسية السابقة الفاشلة. ولا يمكن تسيير أمور البلاد بأدوات قديمة أثبتت فشلها. لوحظ أن المرأة اليمنية أنجزت بصمتها في الثورة اليمنية، ماذا يعني ذلك؟ - هذا يعني أن الحراك اليمني الذي بدأ قبل عام كان فوق المتوقع، والمفاجأة اليمنية الحقيقية في التغيير جاءت من عاملين رئيسيين هما المرأة والشباب. فالشباب خرجوا عن عباءة الأحزاب وتفوقوا عليها، وخرجوا عن العشيرة والنظرية الأبوية وقالوا إنهم رقم مهم في العملية السياسية وليسوا قلة من المهمشين، والمعروف انهم في السنوات الماضية كانوا فعلا مهمشين في العملية السياسية، لكنهم غيروا المشهد خلال عام واحد، وأثبتوا انهم اصحاب رؤية فاقت الأحزاب التقليدية. أما النساء، فقد أثبتن جدارتهن بالقيادة بعد ان كان معظم السياسيين ينظرون إليهن كمجموعة من العجزة غير القادرات على أداء أي دور سياسي فعال، وعندما ضعف الرجال برزت النساء ،وأستطيع القول إن الثورة أعادت الاعتبار للنساء والشباب على حد سواء. ما حجم القاعدة في اليمن هذه الايام؟ - تتضارب الأقوال، ولكننا نقول بعيدا عن التهويل انها موجودة بالفعل، لكن ليس بالحجم الذي يتحدثون عنه ويبالغون في تقديره عبر وسائل الإعلام. وليس سرا القول إن عناصر القاعدة في اليمن مدعومون من قبل متنفذين وأصحاب مصالح وأجهزة حاكمة وهذا معروف في اليمن ومتداول بين الناس. كما أن القاعدة تعد واحدة من الأشياء الأساسية التي تم الاجتهاد بها من قبل اللاعبين الأساسيين، سواء في الداخل أو الخارج أو على مستوى الاقليم إذ أن كل هذه القوى تسوق خططها ومشاريعها بآخر، فمن يرغب وضع قدم له في اليمن يقوم بتضخيم هذا العدو للتبرير للاخرين بان هناك عدوا حقيقيا يجب ضربه، وكذلك فان اللاعب السياسي الذي يريد إبعاد الأطراف الأخرى، يلجأ لأعدائه وخصومه لتقويتهم من اجل مساعدته في تحقيق هدفه.وبالتالي يجب النظر إلى القاعدة تحت هذا المنظور السياسي، فهي موجودة بالفعل، لكن السؤال: متى تكون قوية ومن يدعمها؟ ما هي صورة اليمن بعد إنجاز الثورة والتغيير؟ - من الحسنات الجيدة للثورة انها قدمت الانسان اليمني بما يجب ان يكون عليه، بعد ان كان ينظر إليه كفقير معدم والمحاصر في بلده بالجهل والتخلف لفترات طويلة، وانه ينتمي لمجتمع قبلي مسلح، بينما الحقيقة غير ذلك، فالشعب اليمني أصيل ومثقف وكادح وأمين وعامل ويحب الإنتاج، لكنه جرى تصويره مؤخرا على انه طابور للباحثين عن تأشيرة دخول إلى احدى دول النفط أو لاوروبا وامريكا.وهذا غير صحيح، فنسبة التعليم عالية. وشعبنا جاد وليس كسولا. وقد صمد رغم الإفقار والتجويع، وظهر انه صاحب مبادئ وقيم. وسيكون اليمن بعد الثورة تعدديا شفافا يحترم حقوق الانسان ويقدر المرأة. "الربيع العربي" هذه الايام هل هو مزهر؟ - نحن نتحدث عن الربيع ونحن في فصل الشتاء حيث ثورات تونسواليمن وليبيا ومصر، وجاء هذا الربيع بعد شتاء طويل في الوطن العربي واستمر ستين عاما من حالة الفشل والضياع والتفريط بالحقوق والارتماء في أحضان الاجنبي، لذلك فان انفجار الغضب في الوطن العربي، جاء ردا على فشل المشروع العربي خلال هذه الفترة.وما كنا نسميه ثوراتنا التحريرية اتضح لنا بعد ستة عقود انها لم تكن لا ثورات ولا تحررية وماكنا نعتقده بأنها أنظمة لحمايتنا اكتشفنا أنها عدوة لنا ولم تعطنا سوى الفتات، وبان كرامتنا مهددة من قبلها بشكل أو بآخر.