ليست هي المصادفة التي جعلت البرجوازية تصعد إلى مرحلة الرأسمالية ثم إلى الإمبريالية وإلى النيوليبرالية، لكنها السوق والثروة والإحتكارات والشركات المتعددة الجنسيات،وهي العولمة بتقنياتها واكتساحها للأسواق والبلدان والثقافات والإنسان،كل ذلك بحسب بعض المؤرخين الذين يرون أن العلاقات الدولية المعاصرة تجد تفسيرها في تاريخ النظام الرأسمالي، وأن الحدود السياسية تعكس تطور الاقتصاد الرأسمالي. لم تظهر الاشتراكية العلمية التي فغرت فاها أمام الجشع البرجوازي والاستغلال الاقتصادي للطبقات الفقيرة والعاملة إلا بسلاح فكري منافس ركيك تمثل بحرب الميتافيزيقا واتهام الدين بأنه أفيون الشعوب لتضرب المعتقد الإنساني، فقاومها المعتقد نفسه،ولذلك اعتقد الناس بالحق الإلهي في الاستغلال. كانت الاقتصاديات الصغيرة لا تستطيع أن تنافس الكبرى وأضحى السوق غابة لالتهام الأضعف، فبرز من يبرر ويفكر عن هموم المهمومين واستغلال قوة المستضعفين لينضووا تحت جناح الاشتراكية، لكن البرجوازية كانت الشوكة الأقوى في معادلة الاقتصاد والسياسة.فتكونت تمايزات بين قوى متضررة وقوى مستفيدة،حتى مالت إلى أن تتبلور في هذا التكوين اتجاهات مجتمعية سياسية بأفكار راديكالية،حين ظهرت مايسمى في تاريخ الصراع ضد البرجوازية،الاشتراكية الطوباوية،ونشأت كومنة باريس في القرن التاسع عشر ومن ثم ظهرت الأفكار الفلسفية الداعمة للنظرية الاشتراكية، من هيجل إلى تروتسكي،ومن سان سيمون إلى فورباخ إلى الأفكار الفلسفية العلمية عند ماركس وانجلز ثم الثورة الاشتراكية التي قادها فلاديميرإلتش إليانوف لينين، كل تلك الإرهاصات الفكرية والسياسية والعملية في مواجهة التوسع الرأسمالي والإمبريالي قادت إلى نظام دولي جديد بين قطبين متنافرين في زمن الحرب الباردة، وبعدها كان هذا النظام غير مستثنى من تأثيرات التطور الحاصل في الرأسمالية وما يقتضيه من تكامل وتفتيت لهذا التطور المتميز بدخول الرأسمالية مرحلة عولمية جديدة أعمق قيميا من المرحلة الإمبريالية وأوسع انتشارا جغرافيا. وهكذا، فإن النظام الدولي الجديد إنما هو نتاج التطور في النظام الاقتصادي الرأسمالي، منذ معاهدات واستفاليا في منتصف القرن السابع عشر مرورا بمعاهدات واتراخت في العقد الثاني من القرن الثامن عشر،إلى مؤتمر فيّنا بعد قرن من معاهدات واتراخت، إلى مؤتمر الصلح بمعاهداته العديدة، في هذا السياق نذكر معاهدة سان ريمو1920م التي أقرت ماكرسته القوى الاستعمارية على أرض واقع الوطن العربي،من نظام إقليمي عربي،وخريطة جيو-سياسية محورها التجزئة اللامتناهية للأمة العربية، هذه النظرة حاليا في العولمة،فقد حان الوقت وفقا لمخططات القوى الكبرى الرأسمالية الاستمرار في التجزئة لإلحاق مزيد من الضعف والضرر بالأمة العربية، ومن ثم مزيد من إمكانية دمجها في النظام الاقتصادي الرأسمالي العالمي في منظومة جديدة هي في طور التشكل من أجل السيطرة الاقتصادية والسياسية وحتى الثقافية على دول العالم بأسره..تلك هي سياسة الدول الكبرى التي تقوم بهذا الدور وهي لإضعاف الدول الصغيرة والفقيرة ومن ثم استغلالها بعد تجزئتها بطريقتين: الطريقة الأولى/من الداخل إما بضم دولة أو أكثر كما هو في اليمن بين الجنوب والشمال وتفتيتها من الداخل لتصبح دولة ضعيفة. الطريقة الثانية/بأسلوب تجزيء المجزأ وتفتيتها إلى كيانات متنافرة كما هو في السودان. من بعد الحرب العالمية الثانية أصبحت هذه الدول الرأسمالية تمارس هذا الأسلوب تحت يافطة مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأممالمتحدة وباسم الحقوق والديمقراطية والقوانين الإنسانية العالمية،لكن تلك الدول تمارس هذه الأساليب في تفتيت الدول وإضعافها بما يتناسب مع مصالحها، وذلك عبر تجزيء المجزأ أو عبر تفعيل وإدارة الصراع الداخلي والحروب الأهلية، مثال على ذلك هو إصرار هذه الدول على بقاء اليمن موحدا والمرجع النهائي كان لسببين: الأول/أن الدول الغنية بالنفط عرفت في الوحدة اليمنية طابع الضعف والانقياد،بعد أن كانت تخشى من الوحدة اليمنية،حيث وجدت هذه الدول المجاورة أن استمرار الوحدة هو بقاء اليمن ضعيفا، والدليل الساطع لها في اليمن بعد التوحد خلال أكثر من عقدين من الزمن وذلك كون اليمن يعيش متفاوتا اجتماعيا وطبقيا ومتناحرا ومجزئا داخليا في ظل الوحدة. الثاني/عبر هذا التباين والتعارض والتفاوت تستطيع هذه الدول المحيطة والإقليمية مد أذرعها وكسب موطئ قدم لها بفضل الوحدة وعبر رموز ووجاهات ومشايخ وقيادات اجتماعية وقبلية وتفعيلها لتفعيل الصراع أنَى شاءت وكيف ما تشاء،بحيث تبقى الدولة اليمنية الموحدة بأركانها ومقوماتها معطلة تماما عن أداء فعلها والقيام بدورها المتعارف عليه، بسبب انعدام مقوما ت الوحدة في الوضع الحالي، وهكذا يتم الإضعاف من الداخل لتبقى التبعية السياسية مرهونة بتشتت وتمزق مكونات المجتمع ليكون عبارة عن مكونات وكيانات أو ولايات أو كانتونات يتم اللعب بها والتوازن بينها من الخارج. هذه المراهنة ليست نظرية أو خيالية بل هي حقيقة واقعية مورست خلال 23 عاما من الوحدة بعد أن كانت هناك دولتان مؤثرتان تأثيرا سياسيا وعسكريا على هذا المحيط والإقليم وحتى على المستوى الدولي، وهذا ما يناسب سياسة ولعبة الامبريالي الاحتكارية لإضعاف الدول، وفي اليمن تكمن مثل هذا السياسة في تمكين دول المحيط والإقليم من الهيمنة والسيطرة على اليمن بعيدا عن أن تكون دولتين قويتين في جنوب الجزيرة العربية استعاضتهما بدولة هلامية شكلية لا تستطيع السيطرة على الأجزاء الرئيسية من حدودها على البحر الأحمر أو باب المندب،ولا تحقق قدرة تحكم عالية عليه،كونه منفذا رئيسيا لممر ناقلات النفط وموقعا عسكريا واقتصاديا إستراتيجيا يتحكم بحركة مرور البضائع والمنتجات الاقتصادية إلى كثير من الدول،وبهذا فإن استمرار تدهور الأمن في هذه المنطقة يسمح للدول الكبرى بأخذ مواقعها فيه والتحكم بممرات الطريق الرئيسي طالما كان اليمن دولة موحدة ضعيفة، فهو لا يستطيع خلال الزمن القريب والمتوسط على أن يكون قويا وفاعلا،بل إنه من الضعف ما يجعل دول المحيط والإقليم تتهافت على التدخل بشؤونه وأخذ مواقعه الهامة بديلا عنه،وما هو حاضر اليوم فعليا على الواقع هو شبح هذا التدخل الجواري والإقليمي والدولي في اليمن والتي تسعى إلى ذلك من خلال المبادرة الخليجية، أو صناعة التسوية السياسية، أو رعايتها لهذه التسوية وفرض سياسات متكيفة مع هذا الانهيار المطلوب، والضعف الذي أصاب اليمن جراء فرض الوحدة بالقوة،بدعوى أنها كانت دولة واحدة بالاسم لابالفعل وهو مبرر لخدمة مصالح دول بعينها ومنها الدول الكبرى التي تؤكد وحدة القوة بعيدا عن قوة الوحدة،هذه القوة مهما كانت مترجمة تحت مسمى مجلس الأمن الدولي ومنظمة الأممالمتحدة التي تقودها وتسيرها هذه الدول الكبرى الإمبريالية، فهذه الدول الكبرى ترعى مصالحها بالدرجة الأولى، لكنها ستصاب بلوثة أمام المصالح الحقيقية والحقوق الإنسانية كما هي قضية الشعب الجنوبي،بناءً على مقتضيات ومقررات الأممالمتحدة والمواثيق والعهود الدولية.. لهذا فإن مصالح الدول الكبرى تكمن في إتاحة الفرصة وإعطاء الموافقة والضوء الأخضر لليد الطولى على اليمن للتدخل والهيمنة وإدارة الملفات وفق فرضيات سياسة فرق تسد المؤدي إلى التنافر الاجتماعي وتسيير إدارته عبر اللجنة الخاصة أو بواسطة ضخ الأموال التي تنفث من خلالها سموم النزاعات والصراعات، سواء القبلية أو المذهبية أو الطائفية، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ترى تلك الدول في عدم توفر شروط قيام الوحدة وفرضها هو نوع من الإضعاف الذي تستغله سياسة المصالح للإمبريالية من خلال دعم بعض مراكز القوى المسيطرة عسكريا واقتصاديا بالداخل وتشجيع وهيمنة المحيط بدفع وبتأثير الدول الكبرى نفسها في مبرر حماية المصالح الاقتصادية للدول التي تمثل اليوم قيادة الإمبريالية،وخلال سنوات مضت أصبحت النيوليبرالية،وتحت مسمى مجلس الأمن الدولي،وغيرها من المنظمات، المتحكمة باقتصاد وسياسة العالم، فإنها تصر على بقاء اليمن موحدا بطريقة تسمح للمجلس بدوله الكبرى الهيمنة بالتدخل شبه المباشر على اليمن، باعتبار المصلحة الحقيقية له لا تكمن في اليمن بذاتها ولكنها عبارة عن فرض وتقديم مصالح دول المصالح، أي دول النفط، في فرض الوحدة لإبقاء اليمن ضعيفا تذرعا بحماية المصالح التي لا تستقيم إلا بالوحدة اليمنية. فلماذا أصرت هذه الدول الكبرى على تقسيم السودان مثلا على الرغم من أنها دولة واحدة؟، ولماذا لا توافق على عودة دولتين إلى وضعهما السابق بعد نقض اتفاق الوحدة؟ وهو أمر مشروع في مواثيق الأممالمتحدة، إلا أن الهدف يكمن الآن في تسخير رغبة دول الجوار بأن يكون اليمن حديقة خلفية أو مزرعة تدريب وتخصيب للإرهاب لاستخدامه وقت الطلب، مثلما كان في أفغانستان والعرق والشيشان من قبل وفي سوريا اليوم، ولكي يسهل التخلص من عناصر القاعدة في الدول الغنية بالنفط وإبعادهم إلى اليمن كمرتع خصب للقاعدة، وهذا يسهل لهم بالتالي إعاقة قيام دولة حقيقية في اليمن, هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن نظرة الاستعلاء والاستكبار ضد اليمن من جيرانها هو ما يجعل منها دولة بوحدة ضعيفة، لكي تقع تحت الهيمنة والتبعية السياسية لدول الجوار الريعية لتحصل على الفتات، عوضا عن أن تقوم هناك دولتان كما كان أهمها استعادة شعب الجنوب لدولته جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. والله من وراء القصد صالح محمد مسعد(أبو أمجد) 8/2/2014م