ضبط الخلايا التجسسية.. صفعة قوية للعدو    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    التدريب في عدد من الدول.. من اعترافات الجواسيس: تلقينا تدريبات على أيدي ضباط أمريكيين وإسرائيليين في الرياض    نجاة برلماني من محاولة اغتيال في تعز    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    الأهلي يتوج بلقب بطل كأس السوبر المصري على حساب الزمالك    الدوري الانكليزي: مان سيتي يسترجع امجاد الماضي بثلاثية مدوية امام ليفربول    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    شعبة الثقافة الجهادية في المنطقة العسكرية الرابعة تُحيي ذكرى الشهيد    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    قبائل وصاب السافل في ذمار تعلن النفير والجهوزية لمواجهة مخططات الأعداء    هيئة الآثار تستأنف إصدار مجلة "المتحف اليمني" بعد انقطاع 16 عاما    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    حزام الأسد: بلاد الحرمين تحولت إلى منصة صهيونية لاستهداف كل من يناصر فلسطين    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    عملية ومكر اولئك هو يبور ضربة استخباراتية نوعية لانجاز امني    نائب وزير الشباب يؤكد المضي في توسيع قاعدة الأنشطة وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    عين الوطن الساهرة (1)    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    الدوري الانكليزي الممتاز: تشيلسي يعمق جراحات وولفرهامبتون ويبقيه بدون اي فوز    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    المستشفى العسكري يدشن مخيم لاسر الشهداء بميدان السبعين    وفاة جيمس واتسون.. العالم الذي فكّ شيفرة الحمض النووي    بحضور رسمي وشعبي واسع.. تشييع مهيب للداعية ممدوح الحميري في تعز    الهجرة الدولية ترصد نزوح 69 أسرة من مختلف المحافظات خلال الأسبوع الماضي    القبض على مطلوب أمني خطير في اب    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    ضيوف الحضرة الإلهية    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة الإستعمار "الكولونيالية"!!
نشر في الأضواء يوم 04 - 04 - 2013

ظاهرة الاستعمار «الگولونيالية»!! مركز الأضواء للدراسات الاستراتيجية [email protected]ظاهرة الإستعمار «كولونيالية» تمتد إلى ماقبل القرن التاسع عشر حين نشطت البرجوازية الأوروبية الصاعدة نحو غزو وإستيطان وإحتلال أجزاء أخرى من العالم، لأغراضها التجارية. ومنذ أواخر القرن التاسع عشر تحولت الرأسمالية الأوروبية والأمريكية واليابانية إلى رأسمالية إحتكارية، وتحطمت «الإمبريالية»، وتحولت ظاهرة الإستعمار «الكولونيالية» إلى ظاهرة دولية وإلى جزء لايتجزأ من نظام الإمبريالية هذا.. فلا يمكن فهم الإمبريالية من دون إستعمار «كونيالية» حيث استطاعت الدول الإمبريالية أن تستعبد وأن تتقاسم القارات الثلاث «آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية» وأن تخضعها لإستغلالها الإقتصادي ولهيمنتها العسكرية والسياسية. وكانت التناقضات والخصومات الحادة بين الدول الإمبريالية حول إعادة تقسيم مناطق النفوذ «تقسيم المستعمرات واشباه المستعمرات» من وراء الحربين الكونيتين الأولى والثانية معه.لقد تحولت ظاهرة الإستعمار «الكولونيالية» في أوائل القرن العشرين إلى نظام حكم إستعماري دولي شامل، وقد اخضعت الأجزاء العربية شأن المناطق الأخرى لهذا النظام.وهكذا فإن الإستعمار يعني ويشمل طرق وأساليب وأشكال استغلال وهيمنة الدول الإمبريالية للشعوب المستعبدة، وغير المتحررة.وقد تنوعت هذه الطرق والأساليب والأشكال مع مرور الزمن، وابتكرت الدول الإمبريالية أنماطاً كثيرة منها وفقاً للتطورات الدولية ولنمو حركات التحرر الوطني ووفقاً لتطورها هي ولإعتبارات مصالحها الإستغلالية. ففي الماضي كانت السيطرة الإستعمارية مقرونة عادة بالإحتلال العسكري والاستعباد السياسي المكشوف الداعمين للمصالح الإقتصادية الإمبريالية وكانت معظم أجزاء القارات الثلاث لاسيما آسيا وأفريقيا مجرد ملاحق وتوابع «مستعمرات مباشرة» ليس لها أي مظهر من مظاهر السيادة القومية وشكلياتها.. ثم أخذت الإمبريالية بعد الحرب الكونية الأولى تلجأ «مرغمة في أغلب الأحيان» إلى منح بعض المستعمرات السابقة استقلالاً زائفاً مع الإبقاء على القواعد العسكرية وربط البلد بالإتفاقات السياسية الإستعمارية الجائرة «العراق مثلاً منذ تأسيس العهد الملكي». وبعد الحرب العالمية الثانية اضطرت الإمبريالية إلى التخلي عن هذه الأشكال الصارخة المكشوفة من السيطرة الإستعمارية إلى أشكال اكثر دهاءاً وتسترا تضمن النهب الإقتصادي والإرتباط السياسي غير المدون والمعلن.إن الإمبريالية الدولية كانت تنتقل من شكل إلى شكل ومن أسلوب إلى أسلوب من أساليب السيطرة الإستعمارية والإستغلال الإستعماري تبعاً للأقطار والمناطق.. وتبعاً للتحولات الدولية، وبالدرجة الأولى تبعاً لمدى قوة الحركات التحررية القومية. فحلف بغداد العدواني كان محاولة إستعمارية جديدة قصد بها ربط القطر العراقي وغيره بعجلة المشاريع الإستعمارية تحت شعار «التكافؤ» و«المساواة» بدلاً من معاهدة 1930م الإسترقاقية المكشوفة. والخطط الإستعمارية الجديدة في منطقة الخلية العربي تحاول ابدال الإحتلال العسكري ونظام المحميات بأشكال وواجهات إستعمارية جديدة تضمن مواصلة وتعزيز المصالح الإستعمارية في تلك المنطقة. مع التظاهر المراوغ بالإستجابة للمطامح التحررية القومية لشعب الخلية العربي وتلبية أهدافه في السيادة القومية والإتحاد.إن الأهداف النهائية للإمبريالية «النهب الإقتصادي والإستعباد السياسي» تظل ثابتة في حين تتبدل الأساليب والأشكال والصيغ التكتيكية وفقاً للأحوال. فاليوم مثلاً، وبعد النضال الباسل الطويل الذي خاضته الجماهير العربية ضد الأحلاف العدوانية كحلف بغداد، فإن من العسير تماماً أن يستطيع أي حكم عربي رجعي أن يرتبط علنا بمثل هذه الأحلاف. فإضافة إلى عامل نمو الحركة التحررية القومية-وهو الأساس-فإن التحولات الدولية «لاسيما بروز دور القوة النووية المدمرة» قد أضعفت من دور الأحلاف بالقياس للسابق.أن الأساليب والأشكال الإستعمارية قديمها وجديدها، لاتنفصل بجدران عازلة، بل تترابط وتتشابك. فالمهم بالنسبة للإمبريالية هو كيف، وبأية أشكال وأساليب، تستطيع في كل مرحلة إدامة استعبادها ونهبها للقطر وللمنطقة المعنيين.ومع ذلك يمكن الحديث عن ظاهرة «الإستعمار» ونقصد به الأشكال والأساليب والأنظمة الإستعمارية الجديدة التي أخذت الإمبريالية الدولية تلجأ إليها على نطاق واسع ومنذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية على نحو خاص.. حقاً أن الإمبريالية أخذت منذ عشرينات هذا القرن تحسب الحساب لإمكان وضرورة إبدال أشكال وأساليب سيطرتها وإبتكار أساليب وأشكال جديدة، وقد طبقت فعلاً ذلك في بعض أقطار أمريكا اللاتينية حيث أكتفت بإرتباطات سياسية تضمن عبوديتها الإقتصادية بدلاً من الإستعمار المباشر «من إحتلال أو فرض الحماية».ولكن هذه الأشكال والأساليب والصيغ الجديدة أصبحت هي الطابع الغالب في العقود القلائل الأخيرة من السنين، من دون التخلي عن الأشكال والأساليب والصيغ القديمة.ومن أهم سمات ومعالم «الإستعمار الجديد» بقيادة الإمبريالية الأمريكية استخدام أشكال خبيثة جديدة من النهب الإقتصادي، من قبيل القروض الإسترقاقية، وإقامة مؤسسات «معونة» ذات طابع «دولي»، وتأسيس مشاريع مشتركة في القارات الثلاث تضمن هيمنة الرأسمال الإمبريالي فيها، وإقامة الإتحادات الإقتصادية الغربية والعمل لربط الأقطار الأخرى «من القارات الثلاث» بعجلتها «كالسوق الأوروبية المشتركة». وإذا كانت وجهة الإستعمار القديم هي العمل بكل السبل لمنع قيام أي تصنيع وطني، فإن الإستعمار الجديد مضطر لأخذ مطامح ونضالات شعوب المستعمرات السابقة بنظر الإعتبار، والسماح بقيام بعض الصناعات المتطورة وبمشاركته غالباً. عى أن الهدف الإستراتيجي الجوهري باق ثابت، وهو الإبقاء على المستعمرات السابقة في إطار السوق الرأسمالية العالمية، وملحقاً بالمصالح الإقتصادية الإمبريالية، ومزرعة للدول الإمبريالية تزود الأخيرة بالمنتوجات بأرخص الأسعار، وتستورد من الأخيرة البضائع المصنعة بأعلى الأسعار، وتخسر هذه الشعوب يومياً عشرات الملايين من الدنانير جراء هذه المعادلة الإقتصادية المجحفة التي يجري تطبيقها بمنتهى الخبث والمهارة، بمختلف الأساليب والطرق.وقد برزت الإمبريالية الأمريكية كالممثل الإمبريالي الرئيسي للإستعمار الجديد والمبتكر الأول لهذه الأشكال الجديدة من العبودية الإقتصادية. ويمارس الكيان الصهوني أيضاً أساليب اقتصادية مماثلة في عدد من البلدان الأفريقية، مستخدماً ذلك للتغلغل الإقتصادي والسياسي والفكري.أن الأساليب والأشكال الجديدة للإستغلال والإستعباد الإمبرياليين «الإستعمار الجديد» لاتنفصل نهائياً عن الأساليب والأشكال القديمة كما مر آنفاً، فلا تزال في العالم أجزاء من الشعوب خاضعة للسيطرة الإستعمارية المباشرة ولاتزال بعض الدول الإمبريالية تشن حروباً عدوانية مكشوفة «تدخلاً مسلحاًً» ضد الحركات القومية في عدد من مناطق العالم.إن الإمبريالية المعاصرة تحاول إستخدام القفاز الناعم حيثما أمكن فإذا فشلت في ذلك لجأت إلى التدخل العسكري المكشوف دون تورع وحياء «فيتنام-التدخل الإنجليزي المسلح ضد ثورة ظفار-العدوان البرتغالي المسلح ضد بعض الشعوب الأفريقية... إلخ».إن تبلور الإستعمار الجديد كان يستلزم بالضرورة إعادة النظر في القاعدة الطبقية والإجتماعية للهيمنة والمصالح الإمبريالية.. ففي الماضي كانت الدول الإمبريالية في الوطن العربي وبلدان الشرق عامة تعتمد أساساً على طبقة الإقطاعيين وكبار الملاكين وعلى القشرة العليا من الجهاز الإداري المعروفة لدى الشعب بموالاتها للإستعمار، وبرجعيتها المكشوفة، ولانزال نرى هذه الظاهرة في بعض أجزاء الوطن العربي كالسعودية والأردن والمغرب مثلاً. إلا أن الوجهة الرئيسية للتحالفات الطبقية التي تميز الإستعمار الجديد اليوم هي إيجاد قواعد للإستعمار من بين فئات إجتماعية جديدة وقوى سياسية جديدة تمتاز أحياناً بماضي وطني معين، وتحمل عادة شعارات تقدمية و«ثورية» أو لم يسبق لها أن مارست أي نشاط مكشوف لصالح الإستعمار، «وربما العكس» لقد شعرت الدول الإمبريالية بالنقمة المتراكمة ضد الطبقات الرجعية القديمة التقليدية، وبضرورة إجراء بعض الإصلاحات الجزئية خصوصاً في الريف لمنع إنفجار شعبي عميق على النمط الصيني، وبضرورة كسب قاعدة إجتماعية أكبر، ولهذا خططت لإستمالة بعض مراتب الطبقة البرجوازية «الوطنية» وبعض أقسام البرجوازية الصغيرة، ولأشباع مطامحها الطبقية والشخصية، وأخذت تطبق أحياناً قيام أنظمة حكم ذات مظهر وطني تقدمي معادية للإستعمار و«الفساد» وتقوم ببعض الإصلاحات حيث تحاول الإمبريالية جر هذه الأنظمة إلى فلكها إن لم يكن بعضها قد ولد أصلاً على يديها.. وأن أمثال هذه الأنظمة لايمكن بالطبع أن تقبل بإرتباط مكشوف مع الإستعمار ومعاهداته وأحلافه. غير أنها بحكم بيروقراطيتها وخوفها من الجماهير الكادحة ومن الحركة الثورية الشعبية المنظمة، تميل إلى مهادنة الإستعمار أو إلى نزعة الوهم ب«تحييده».وكلما إزداد ضغط الحركة الشعبية وعزلة النظام، إزدادت قوة هذه الميول حتى تصبح هي الطاغية على ماعداها. وهنا تنحاز إلى معسكر الإستعمار الجديد إلى تنفيذ مخططاته، والإستعمار الجديد بدوره يلعب هنا لعبة مزدوجة: من ناحية يشجع ميول المساومة والمهادنة لدى هذه الأنظمة، لدفعها أكثر في الإتجاه المعادي للشعب، ومن ناحية يحاول إضعافها والإجهاز عليها بتآمر داخلي. إنه يواصل سياسة الضغط والإغراء من جهة، وسياسة التآمر من جهة أخرى لتحقيق هدفه الأساسي وهو ضمان إنحياز الوضع العام لصالحه، وبالطبع، فعندما تنحاز هذه الأنظمة بمحض تطورها الداخلي إلى الجانب الإستعماري، لايبقى هناك مكان لعملية التآمر، مادام الإستعمار قد حقق ما أراد وتقدم الفئات العسكرية الإنقلابية أكثر النماذج الجديدة قابلية للوقوع فريسة للإستعمار الجديد بحكم أنها أكثرها استعداداً لمعاداة المطامح الديمقراطية للجماهير وأكثرها إستعلاءاً عليها.إن الإنقلابي العسكري الوطني غير المرتبط بتنظيم حزبي ثوري، غير المسترشد بأيديولوجية ثورية قومية إشتراكية، يجد نفسه بعد أخذ السلطة غير مطيق لأي تحرك جماهيري منظم، ولا أية قوة سياسية تقدمية منظمة في البلد «تزاحم» الفئة العسكرية في كسب الجماهير. ويصبح هم الفئة العسكرية هو تثبيت سلطتها وحماية مصالحها البروقراطية بأي ثمن كان. وكلما يتضح فشل سياستها الإجتماعية والإقتصادية وانفصام بين ادعاءاتها ووعودها الثورية الكثيرة وخطوات العمل، وبالتالي كلما يزداد تذمر الجماهير وتتحرك قوى المعارضة الثورية المنظمة، لنقد هذه السياسات ولتوعية الجماهير-تجد الفئة العسكرية نفسها تسير «وفق عقليتها ومنطقها وبوعي أو بدون وعي» في طريق اللقاء مع خطط الإستعمار الجديد أو الخضوع لضغوطه واغراءاته من أجل ضمان هدفها «الإستراتيجي» الرئيسي: وهو البقاء في السلطة بأي ثمن. وفي ظل وجود حركة شعبية منظمة قوية، تبرز مع هذا الإتجاه نزعات القهر والعنف الفاشيين ضد الجماهير المنظمة وقياداتها الواعية ومقابل ذلك يخفف الاستعمار الجديد من ضغوطه ويقدم تنازلات معينة للفئة العسكرية الحاكمة، ويرضى ببعض مناوراتها الدعائية حتى إذا تمثلت في مهاجمة كلامية حادة ضده، فالمهم بالنسبة للإستعمار «قديمه وجديدة» هو ضمان أهدافه ومصالحه الإساسية فالعمل لا الكلام هو مايهمه.إن الهجمة الإستعمارية الواسعة الجديدة ضد الثورة العربية تتمثل اليوم على نحو خاص في العمل الدؤوب، المتعدد الأشكال، لتصفية القضية الفلسطينية، وتثبيت وتعزيز الكيان الصهيوني العنصري الإستعماري، ودعم وتخليد تجزئة الأمة العربية. إن هذا في تقدير الإمبريالية العالمية بقيادة أمريكا هو السبيل نحو إعادة وضع المنطقة العربية كلها تحت خيمة الإستعمار الجديد، وإدامة مصالحه الإقتصادية فيها وربطها بقيود خفية بعجلة السياسات الإستعمارية.ولتحقيق ذلك لابد من إخلاء الساحة من القوى الثورية العربية المنظمة، وبالدرجة الأولى حركة المقاومة الفلسطينية واللبنانية وضرب هذه القوى واحدة بعد الأخرى بأساليب الإرهاب الدموي المكشوف، أي بممارسة نمط جديد من الفاشية. إن محاولات تصفية القضية الفلسطينية وممارسة نمط جديد من الفاشية ظاهرتان ستصبحان متلازمتين لتحقيق المخطط
الإمبريالي الرهيب في المنطقة العربية. ويمكن القول، أن أنظمة التسوية والأنظمة المتخاذلة قد أخذت تنزلق «عن وعي وتصميم» في هذا المنزلق الإستعماري الخطير. فهي من جهة تتصدر النشاطات التصفوية الإستسلامية في القضية الفلسطينية معتمدة على «الدور الأمريكي» وهي من ناحية أخرى تعلنها حرباً عنيفة مشتركة لاهوادة فيها ضد القوى الثورية العربية. وكان السودان المختبر الرئيسي الأول لوجهتها هذه. كما لعبت هذه الأنظمة المتحالفة دوراً يتميز بالمراوغة والإحتيال والنفاق تجاه محاولات النظام الأردني العميل لتصفية حركة المقاومة بقوة السلاح، بل أنها هي التي كانت تسارع كل مرة إلى إسناد الحكم الهاشمي وتخليصه من العواصف، مفسحة له المجال، وبالتالي لمواصلة مهمته الإجرامية. كان هدف حكام عمان التصفية، وهدف هؤلاء الترويض وتقليم الأظافر، ولكن حين حدثت التصفية الرهيبة لم يتحرك هؤلاء السادة لإنزال قواتهم كما فعلوا في السودان.. ولربما أعتمد الإستعمار على نظام الملك حسين لإنجاز مهمة التصفية لأن أي نظام آخر كان غير قادر على ذلك ليس لسبب عسكري بل لأسباب سياسية فليس بمقدور نظام يعتبر نفسه تقدمياً أن يسهم مباشرة في تدخل مسلح «ولو محدود» ضد الفدائيين.. ومن المحتمل أن يعتبر أن نظام الملك حسين يستنفذ نفسه بعد الإقدام على جرائمه الفاشية النكراء بحق الفدائيين، وأن يضع من الآن حسابات تبديل الأوجه والأقنعة في الأردن، وإقامة وضع «جديد» ينسجم مع الخطط الإستعمارية الجديدة. وقد نفاجأ ذات يوم بسلطة إنقلابية «تقدمية» في عمان تدخل في ركاب الحلف الرباعي العتيد.. كل الإحتمالات ممكنة بما فيها إحتمالات تغيير ثوري جماهيري.إن الإستعمار الجديد لايعتمد فقط على دس عناصره داخل الحركات والتنظيمات التقدمية والتكتلات الوطنية «بما فيها العسكرية».. بل يعمد أيضاً وبإستمرار على التسلل السياسي إلى داخل هذه الحركات والتنظيمات والتكتلات، ومحاولة إستثمار كافة النزعات والإتجاهات السلبية فيها بأمل تحويلها تدريجياً إلى أدوات معادية للشعب وسائرة في ركابه. ويستثمر الإستعمار الجديد على نحوً خاص نزعات الخوف من الجماهير والإستعلاء عليها والضيق بأي نقد ورقابة شعبيتين، والحرص على السلطة كغاية بحد ذاتها. هذه النزعات عندما تستفحل تشكل أصلح الأجواء لنشاط الإستعمار الجديد «من الداخل» ومن الخارج ومستنداً أيضاً إلى من سبق له أن إشتراهم ودسهم في الحركة المعينة. وقد شهدت تجارب التاريخ أمثلة عديدة على تحول وطنيين إلى أعوان للإستعمار وتقدميين إلى رجعيين. إن الماضي الوطني أو التقدمي لايشفع هنا ولا يستطيع منع أمثال هذه التحولات السلبية إذا نضجت عواملها وشروطها.ويتميز الإستعمار الجديد، شأنه شأن الإستعمار القديم، بسياسة «فرق تسد» وبالطبع فإن هذه السياسة تتخذ اليوم الأشكال والصيغ الملائمة مع التطورات العربية والدولية. سابقاً كانت هذه السياسة تتميز في الأساس بإثارة النزاعات الداخلية الطائفية والدينية والقومية والعشائرية. ومن دون التخلي عن هذه الأشكال والأساليب «حيثما أمكن استخدامها» فإن الإستعمار الجديد يستخدم اليوم وعلى نحو أخص، أساليب وأشكالاً أكثر حذاقة ودهاءاً ومكراً تتمثل قبل كل شيء في اللعب على تناقشات القوى التقدمية. وهذه السياسة جزء من السياسة الإمبريالية الدولية لإستثمار وإستغلال التناقضات داخل القوى الإشتراكية العالمية ولاسيما بين القوتين الإشتراكيتين الكبيرتين، الإتحاد السوفيتي والصين الشعبية وماخطة زيارة نيكسون للبلد الإشتراكي الأخير، إلا مناورة في منتهى البراعة وكذلك في منتهى الخطر في ممارسة سياسة اللعب على متناقضات القوى الثورية العالمية، ومحاولة تعميق هذه المتناقضات وعزل وتطويق وإضعاف قوة بعد أخرى لضربها جميعاً في النهاية كما تحلم الإمبريالية الأمريكية.إن سياسة «فرق تسد» الجديدة على الساحة العربية متنوعة الأشكال والأساليب والجهات. ولانعني هنا بالطبع الخلافات القائمة بين القوى العربية الثورية والرجعية العميلة. فهذه الخلافات «وبالأحرى التناقشات الأساسية» جوهرية وحتمية. وأن تصويرها بأنها تخدم الإستعمار والإمبريالية هو بحد ذاته لعبة إستعمارية لتزكية وحماية الأنظمة العربية الرجعية التي لايجب مهادنتها بأي حال من الأحوال. وقد لعب «الوسطاء» بين حسين والمقاومة الفلسطينية لعبة الإستعمار بالضبط «مهما كانت الدوافع والنوايا» حين وضعوا الطرفين على قدم المساواة، وصوروا النظام العميل ب«طرف» و«أخ» عربي يجب الإتفاق معه ومصافحته. وإذا كان البعض يواصل هذه اللعبة. فإن مدلولاتها ونتائجهما أصبحت ظاهرة للعيان أمام جماهير متسعة ومتزايدة في الوطن العربي كان بعضها مضللاً باللعبة من قبل.إن ماتعنيه بسياسة «فرق تسد» الإستعمارية الجديدة هو محاولات الإندساس داخل الحركات التقدمية والتسلل إلى الثورات وتشويه الشعارات التقدمية، والثورية، ومحاولات تعميق وتشجيع وكذلك افتعال التناقضات بين القوى التقدمية على الصعيد العربي أو بين الجماهير العربية والكردية في العراق، وممارسة نشاطات وإطلاق شائعات تستهدف تأزيم العلاقات بين التقدميين ودفعها نحو الصراع الحاد والإصطدام بما يعود بالخسارة على مجموع هذه القوى، وبالمصلحة للإستعمار وأعوانه الرجعيين، وأن الأخطاء السياسية للقوى والعناصر التقدمية تخلق أنسب الأجواء لهذه المناورات الإستعمارية.إن الحركة الثورية العربية غير خالية من هذه السموم والمخاطر التي تتخذ أحياناً مظاهر مافوق «الثورية» وحين نأخذ الثورة في القطر العراقي فإننا نجد الحملات الدعائية والصحفية المستمرة عليها آتية من جانبين:- اليمين المكشوف والمرتزقة المفضوحين، من جهة وبعض الأقلام والصحف ذات الواجهة «اليسارية» من جهة أخرى. وإذا أمكن فهم دوافع بعض المنساقين وراء الطفولة السياسية و«اليسارية» السطحية الإنفعالية، فإن دوافع الآخرين لاتكون مفهومة إلا إذا نظرنا للأمور من وجهة النشاط الإستعماري المركز والمستمر ضد الثورة في العراق، لأن أي تفسير آخر لايكون مقنعاً ومبرراً.إن الغزو الإستعماري الجديد في الوطن العربي، يستدعي من القوى الثورية الأصلية، المحافظة على نقاوة صفوفها، وعلى نقاوة المفاهيم والأهداف الثورية، ورفض ومكافحة التشويهات الماكرة، الفكرية والسياسية، وتثقيف الجماهير بأولوية العمل على الكلام، والتطبيق على الشعار في تقييم الحركات والأحزاب والتيارات السياسية وأنظمة الحكم.إن ضرورات التصدي الظافر للهجمة الإستعمارية الجديدة في الوطن العربي تستلزم من جميع القوى التقدمية تقوية صفوفها وتعزيز نشاطها الإيديولوجي، من جهة والبحث المخلص الجاد عن سبل اللقاء الجبهوي «قطرياً وقومياً» بينها جميعاً. وهذا من الجهة الأخرى ومن الجهة الثالثة-وهذا أمر في غاية الأهمية الإستثنائية-يجب الإعتماد المطلق على الجماهير الواعية وتحريكها والعمل لتمتعها بكل الفرص الديمقراطية للنشاط المنظم لأن الجماهير هي قاعدة النضال ومفتاح الإنتصار. الأضواء نت

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.