لكل واحد رؤيته الخاصة التي تنطلق من تخصصه الذي يعمل فيه ، ولأن التخصصات مختلفة لذا تعدد الرؤى للعالَم ، وهنا أدعوكم لنتخيّل كيف تكون رؤية هؤلاء العلماء للعالَم من حولهم من خلال نماذج منتقاة من علماء الطبيعة.. أولاً: الكيميائي أتخيّل عالِم الكيمياء يرى العالم عبارة عن جزيئات، والكون يسير وفق معادلة كيميائية، والحياة عبارة عن كيمياء معقدة، والروائح مجرد استرات، والمرض، معادلة مغلوطة ! والدوافع البشرية مجرد حفازات، والتاريخ مجرد “تفاعل كيميائي بشري، حافزة الثورات “، وهنا يدخل ماركس “الثورات قاطرة التاريخ “ لكن هل تكفي الكيمياء لتفسير الحياة ؟ طبعا الكيميائي سيقول نعم فماذا تقولون أنتم؟ ثانياً: الفيزيائي أتخيّل عالِم الفيزياء يرى العالَم عبارة عن ذرات تتآلف لتكوّن العالَم ، وربما يغوص أكثر ليراها كواركات وإلكترونات! ولديه أن لكل فعل رد فعل مساوٍ له في المقدار ومضاد له في الاتجاه ، حتى في الأفعال الاجتماعية ! والكون عبارة عن لعبة “طاقة” وكتلة ! ويكاد يرى السياسيون مثل جزيئات الكم تتواجد في موقفين معا ! ولا نستغرب لو كبس العالَم في معادلة أينشتاين الشهيرة E=mc2 .. الفيزيائي لا يتكلم إلا معادلات مختصرة التي قد تحتوي في باطنها معادلات كثيرة ، ولعل المعادلة النسبية العامة أكبر مثال على ذلك .. ولو سألت ما هي الحياة لقال هي الفيزياء أو توابع لها ! يذكرنا هذا بقول رذرفورد “ العلم إما فيزياء أو جمع طوابع” !! فهل الحياة وصفة فيزيائية كما يقول العالم شرودنجر ؟ كنت أريد أسترسل معكم أكثر حول منظور الفيزيائي للعالَم ، لكني أرى أحد علماء الرياضيات يتأهب للإدلاء برأيه حول منظوره للعالَم ، وهذا ما سنسمعه في حديث قادم … ثالثاً: الرياضي أو الرياضياتي أتخيّل عالِم الرياضيات يرى العالَم عبارة عن معادلة معقدة بدون حل ! ويرى الشوارع عبارة عن منحنيات من الدرجة الثانية، أما الجبال والتلال فمجسمات أفلاطونية ! ولا تستغربوا ، فرياضيات الكسيريات جاءت من التفكير حول كم يبلغ طول الساحل الانجليزي ! يعني الرياضيات حولنا في كل مكان « خبر غير سار لمن لا يحبونها!»، إنها لغة الطبيعة كما قال جاليليو “الطبيعة كُتبت بلغة الرياضيات” ، أما العالِم ماكس تجمارك فيرى الكون ما هو إلا رياضيات تماماً ، واليمين التي كان يقسم عليها الفيثاغوريون كانت مجموعة من الاعداد الأولية ! عالِم الرياضيات رجل تجريدي للغاية ، وهنا تدخل مدارس الفن التجريدية ، بدأت منذ التكعيبية وما تلاها .. الرياضيات مع المنطق وضمنها الهندسة بأنواعها هي التشكيل الكوني المنمق ، عالِم الرياضيات معمله في رأسه ، وإذا أراد التوسع كان القلم والورقة ، يقول لنا : تخيلوا العالَم بدون رياضيات ؟ لا أظنه سيكون جميلاً ! ما رأيكم أنتم ؟ رابعاً :عالِم الأحياء أتخيّل عالِم الأحياء يرى العالَم عبارة عن كرة حياتية ، قائمة على نظرية داروين في التطور! وما الاختلافات بين الكائنات الحية المختلفة إلا تغير في عدد الجينات على شريط ال دي إن ايه. ولو سألته عن حلقة الوصل بين الجماد والكائن الحي لقال لك هو الفيروس ، ذلك الحي الميت أو الميت الحي ، أو دراكولا كما يسميه د مصطفى محمود.. تعريف الحياة أمر صعب ، وربما غير واضح؛ فهل الكائن الحي هو منْ يتكاثر ذاتيا ؟ أم أنه من يتكيف مع البيئة التي هو فيها ؟! وحمى البحث عن حياة خارج كوكب الأرض تشعرك أننا قد اكتفينا بالأحياء التي على وجهها ونريد المزيد ! أم أن عالِم الاحياء يريد نمط آخر للحياة ليقارنه بنمط حياتنا ؟ المشكلة - من وجهة نظري- إنه يبحث عن الحياة خارج كوكب الأرض بشروط الحياة على كوكب الأرض ! يرى عالِم الاحياء أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الأحياء وثوراته المتتابعة ، تلك الثورات التي بدأت منذ منتصف القرن العشرين بمعرفة تركيب شريط الدي إن ايه ، وما تتابع من اكتشافات “أحيائية” كاستنساخ النعجة دوللي عام 1997م و مشروع الجينيوم البشري عام 2000م ،ومشروع البروتيوم الجاري منذ عام 2002م ، ومشاريع أخرى لا يعلمها إلا الله وحده .... [email protected]