اليمن مقبلة على الحرب الأهلية، وزارة المالية اليمنية تتخذ إجراءات تقشّفية بعد تراجع عائداتها، الصندوق الاجتماعي للتنمية يوقف مشاريعه، السفارات تُجلي موظفيها وتعلّق أعمالها وكذا المنظمات الدولية، أكثر من مليوني مغترب يمني في دول الخليج ممنوعون من التحويلات المالية لذويهم في الداخل، تردّي الوضع الأمني يحول دون وصول المساعدات إلى مستحقّيها؛ عناوين على قتامتها وتقويضها للآمال التي ظلّ ينسجها ويُعوّل عليها المستضعفون على أرض اليمن منذ أربعة أعوام دون أن تظهر أية بادرة لانفراج أزمات سياسية تزداد تفرّعاً وتعقيداً إلا أنها ليست جديدة. بعيد عن الدخول في تعداد الأسباب التي أوصلت الوطن إلى أن يعتلي قمّة هرم الدول الأكثر فقراً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ إذ لا تخفى على أحد، تغلب على بعض المحلّلين والمراقبين لوضع اليمن من اليمنيين وغيرهم نظرة التشاؤم، والتركيز على تضخيم النتائج السلبية المُتَوقّعة، بدلاً من العمل على تعزيز روح التفاؤل التي لم تزل تظلّل الخيرين. ويتناسى أولئك أن هذا الشعب قد اعتاد القهر وقلّة ذات اليد ولايزال كما ظلّ لعقود معتمداً على نفسه في تدبير شؤونه مما أكسبه مناعة يُجابه بها كل مخاوفه على الرغم مما يصوّره إعلامنا الداخلي، والناقل الخارجي. صحيح أن ما مرّ ويمرّ به اليمن كبلدٍ فقير أفرز فئات تتسوّل اللقمة والمأوى، لكن ما يوجع هو التعمُّد الفاضح للتعميم، لربما يكون من المناسب في هذه الظروف الصعبة، وبدلاً عن سدّ المنافذ الصغيرة أمام من يرون اليُسر بعد العُسر قاب خطوة جادة، هو زرع الثقة في القدرة على مواجهة الوضع القديم - المطل بوجه مختلف - بكل هذا العجز في المدّخرات التي لم توجد أصلاً، وهو العجز الآتِي كنتيجة متوقّعة لمقدّمات محزنة، تفشّي الفقر وما خلقه من أمّية وأمراض لم تكتفِ بنهش الأجساد؛ بل تعدّت إلى أن طالت النفوس والعقول، وارتفاع نسبة البطالة وتخدّر ضمائر لم توقظها نداءات الاستغاثة في الداخل والخارج بضرورة التمركز حول النقطة الأهم وهي الوطن. ما يواجهه المواطن اليمني اليوم من وضع كان قد جرّب مثيله في التسعينيات إبان أزمة الخليج التي عاد على إثرها مليون مغترب في شهر واحد وما تلاها من صراعات حرب صيف ال94م، ما استجدّ فقط –وهو الأولى بالمخافة - هو إيقاظ الفتنة الطائفية والمذهبية بين فئات مجتمع تآلف سنّته وشيعته ويهوده لعشرات السنين دون أن يتربّص أحّدهم بالآخر. أما توقف مساعدات الدول المانحة والمنظمات الدولية؛ فلا نظن أنها ستكون ذات أهمية بالنسبة للمواطنين، لأنها - المساعدات - لم توظّف لمصلحة الشعب الذي اُستغل جوعه وفقره وتشرُّده لتحصيلها، ولم يستفد منها إلا من تشهد عليهم أفعالهم وحساباتهم في بنوك الخارج، تُستثنى منها المنظمات الإنسانية التي كانت تقوم على مباشرة مهامها وإيصال مساعداتها إلى مستحقّيها..!!. نأمل، كبقية الموجوعين، أن يُنحّي هذا الشعب الخيبات السياسية جانباً؛ ويلتف حول بعضه البعض ويوظّف محنته لينهض بنفسه.