استعرض أمام عيني الكثير من الأحداث التي مر بها الوطن خلال سنواته الخمس الأخيرة.. وحين كنت أقرأ وأشاهد واسمع كل تلك الأحداث بعين وأذن وإحساس المواطنة كنت أعجز عن فهم أسبابها وإن بدى بعضها واضحاً كنور الشمس عند الظهيرة.. ولا يتعلق الأمر طبعاً بقلة الاكتراث أو التواكل التي يعاني منها كثيرون في مجتمعنا، إنما يتعلق الأمر بالخوف الذي ينتابني حين أتخيل انهياراً قريباً ووقوعاً وشيكاً في هاوية الاقتتال وما يترتب عليه من سقوط لمنظومة القيم الأخلاقية والإنسانية. لهذا أحاول أن أبقى في صف الوطن والإنسان اليمني، الإنسان الذي ما زال يمسك بالدفة ويقود بمنتهى الحرص ويبتعد عن الميل عن الطريق ويغض الطرف عن ما يثير النعرات ويصم الآذان عن ما يبعث على النزاع.. أبقى مستمسكة بعروة السلم، مستسلمة لصوت العقل، متيقظة صوب أبواب الفتنة حتى لا يقتحمها تتار القيم والفضيلة فيحل الوباء ويستفحل الداء وأغدو مثل كثيرٍ من الناس لا يعرفون ظاهر القول من باطنه لأن مجهر الإيمان لديهم لا يعمل البتة.. استعرض مواقف الرخاء والشدة وأنا أرى أمامي تداعيات الفصل الأخير لرائعة اليمن الكبير التي خطتها يد الشرفاء الأوفياء من أبناء اليمن. ولا أدري هل هي بداية النهاية أم نهاية البداية، لكنها ربما كانت الملحمة التاريخية الكبرى على أرض اليمن بعد أن استعلى من عاش اسفل الهرم واستغل من جلس على العرش بضع سنين، أحاول أن أجد الرابط الذي يجعلني والوطن وتداً واحداً على أرض يعرفها قلبي قبل أن يعيها عقلي. أحاول أن استثمر ساعات النهار والليل التي أجلس فيها إلى أوراقي وقلمي لأرسم مشاعري على شجرة الوطن الكبير بعد أن أصبح من الممكن أن يكون الخريف هو موسم الحصاد على أرض لا تزورها الرياح إلا كضيفٍ ثقيل، أترنم باسم الوطن وكأنها آخر أغنية اسمعها بعد أن ضجت أذناي بتصريحات الساسة وخطبهم التي لا مكان بين مفرداتها للوطن أو الإنسان، إنها خطابات تتعالى فيها مصالح أصحاب القرار مثل السنة اللهب في الزيت بينما يحترق القاع وتتفحم دونه الآنية.. ففي وطني يحترق الشعب وتتفتت أوصاله وما من مجيب، تنتحر الإرادات بسهام الردى، وتموت الحرية بسُم الغدر، وتشرذم المواقف مع أصحاب اليمين وأصحاب الشمال ثم تبقى القضية قيد مجهول، أحاول أن استوعب فكرة هذا الواقع السياسي ثم لا أجد ما يبرر مواقفه أو يشرح تفاصيله أو يحلل إحداثياته، أحاول أن أحدد موقعي أو موقع أي مواطن في مكاني يرتدي نظارات الوطن مدى الحياة ثم تتهمه السلطة بالعمى وتلقيه في زنزانة الانتظار البطيء حتى الموت.. أحاول أن أعيش مشاعر الأمل فتكتفني مشاعر اليأس، أمزق حبال التشرد والضياع حول معصمي فتسحلني أغلال الرعب من غدٍ لا يمن فيه ولا يُمن ولا حكمة.. أحاول أن أكون على ثقة بأن الغد أفضل ورجال اليمن الأوفياء لن يتراجعوا عن نصرته، لكن كفة الخوف تميل وأميل معها إلى حيث لا اعلم، ثم أعود إلى محراب الدعاء لعل في هذا جلاء لذلك الرعب الذي يمزق ما تبقى فينا من الأمل.