لم تتجاوز الثالثة من العمر، تحمل بين أناملها (العِلكة)لتبيعها للمارين..استوقفتني على رصيفِ هذا الوطن المخذول وأنا أمرّ من أمامها قائلةً: هيا اشتري مني (لُبّان)، يلا اشتري..وبيدها الأخرى عصا طويلة أطول منها مرتين...! فقلتُ لها: ليش العصا بيدكِ يا ذكرى...? قالت: عشان الذي يعترض طريقي أضربه بها، هكذا أمي قالت لي..! طفلة صغيرة بتفكيرٍ كبير.. إنه الفقر والخذلان من أخرجها من جوارِ (لُعبها)وحجرتها، لتشارك أسرتها الكفاح، وهزيمة الفقر الذي تفاقمت طبقته واتسعت بشكلٍ مهولٍ ومؤسفٍ ينبىء عن خطرٍ يتهدّد أغلبية سكان اليمن.. حيثُ البقاء فيه للأقوى. أنتِ يا ذكرى: أشرف وأنبل ممن أوصلوا طفولتكِ وبراءتكِ إلى هذه الحال؛ ليستمروا بنهبِ وسرقةِ حقوقكِ والكثير من أطفال هذا الوطن البؤساء. أولئك من يدّعون حماية الإنسانية والقيم، وهم أحقر من خلق الله. أنتِ يا ذكرى: الوطن الحقيقي الذي يختزلُ نظرة عينيكِ المليئة بابتسامتكِ البريئة، وأناملكِ التي تحتضنُ العِلكة لتبيعها للمارة، وراحةُ يدكِ التي تجسّدُ الصورة الحقيقة للعبث الذي طالكِ والكثير من أطفالِ بسطاء هذا الوطن المتعب.