مازالت الدّهشة لم تفارقني حتى اللحظة إثر زيارة طيّبة وهانئة الفرح والطرب الراقص بروح وطموح شبابي أثير بفرح وإيناسه وفنّه الخاص، حيث كنت قد دُعيت إلى عرس الرفيق العزيز وعضو مؤتمر الحوار الوطني همدان مثنى الحقب. أنا وزملاء وأصدقاء نزلنا في «دمت » وتحديداً قرية «الحقب» الشهيرة بطيبة ناسها وشهامتهم وقامات وقيم نضالاتهم في “المناطق الوسطى” كما في سياق عقود مضت من تاريخ الصراع الشمولي الذي ذهب ضحيّته مواطنون مدنييون وشخصيات وطنية بقيت تحمل في عروقها الحيّة شموس حرّية مبادئها المدنية من أجل الكفاح والإرادة الصلبة والمؤمنة بأهمية المشروع الوطني والدولة لليمنيين جنوباً وشمالاً منذ وقت مبكّر. “الحقب” قرية تشعر فيها بمقام بهيج وتساكن أليف للغاية كما لم تشعر به في أي مكان من قبل، يؤمن شبابها بطموحاتهم الفذّة والمؤنسة أن اليمن لاتزال بخير، الإرادة في الغناء والمشاركة الفرائحية التي كانت خارج المتوقع ألفة ومطرحاً عزيزاً. في اليوم الأول وفي حفلة المساء تحديداً اجتمع كوكبة من حشود الشباب في الديوانية المخصّصة للفرحة والرقص والطرب والاحتفال بعرس «همدان» كم تأكدت لي قوّة وجماليات التنويعات والمهارة العالمية التي أبداها شباب الحقب في إمتاعنا وكل الحضور بأجمل الرقصات الفلكلورية وفنون الحركات في الرقص بأنواعه شاملاً اللحجي أيضاً ومزجه بتأثيرات هندية وخفّة الدبكة وموازنات الحركات المتناغمة في الأجساد وخفّة إيقاع الأطراف والأرداف والقدم. الجسد كانت روحه التي ترقص وتسحر بإعجابها وتقاطرات دهشة فرح لم نر ونلمس مثله من قبل، ودونما مبالغة أو تزيُّد أو مجافاة لوصف خارج حقيقة ودهشة شواهد فرح وعرس وأنس قلّ أن تنافسه منطقة أو قرية في اليمن. في عرس «همدان» لم يحدث كمعتاد الأعراس اليمنية زيادة في بذخ أو تفاخر واستعراضات مظهر؛ بقدر ما تميّز فرحه بحوار الثقافات والإمتاع في الأغنية والرقص كهويّة إنسانية؛ حيث توافرت كل قيم التغاير والاختلاف الذي قلّ أن لمسته شخصياً على الأقل في مقام كذلك الذي أخذت فيه وحوته “قرية الحقب” لتتفرّد بإيناسات شبابها وطربهم الراقص، شرهين بخفّة في إمتاع ومؤانسة الضيف قبل القريب أو المقيم لتمنح الفرحة مساواة في تفاعل المعنى والتشارك الحميم. كما أن الثقافة والفن تكتسب في “الحقب” هويّة وحضارة ومدنية ووطنية خاصة حين تأخذ في الاعتبار أن صناعة الحدث إنما تكون انطلاقاً من رغبة الفعل وفاعله وليس الانفعال أو الإقحام أو الاصطناع والتصنع في الكلفة والتكلُّف في الفعل أو أدائه. غير أن ما لمسناه أنا ورفاق وأصدقاء أعزّهم كثيراً بينهم محمد المقبلي وحارث الثور وونيس المنتصر ومجاهد الحبشي وعبدالقادر الشامي ومجدي جبران وعلاء الجماعي وعمر القاضي كان بمثابة اكتشاف أماكن جديرة بأن تعاش ثقافتها وجديرة بأن يقترب منها المبدعون والإعلاميون والفنانون ليعرفوا عن قرب ما تكتنزه هذه المنطقة المناضلة حتى اللحظة من أهمية وغنى ثقافي ومدني في قيم أهلها في ظل اللامبالاة وتهميش أبنائها وغياب البُنى التحتية من منشآت تنمية كان يُفترض أن تصلهم منذ عقود. [email protected]