حتى هذه اللحظة لايزال الرهان على أن يعلو صوت العقل وأن تتّجه الأمور إلى حوار يضع خارطة طريق لإعادة تطبيع الحياة وإنعاش البلاد تدريجيًا من حالة موت سريري دخلت فيه, بل أريد لها أن تدخل فيه من قبل قوى عالمية توهَّم اليمنيون أنها بثقلها سترعى إنجاز تسوية, ولم يتوقّعوا أنها تُضمر في سويداء قلبها الرغبة في إطالة أمد الصراع؛ لأجندة خاصة بها, ولاتزال حتى اليوم غير مكترثة بما وصلت إليه الأوضاع من إفرازات وتطوّرات ونتائج ومضاعفات غير مسبوقة لا طاقة لليمنيين باستمرار مواجهتها. في العام المنصرم اخترت لأحد مقالاتي المنشورة في صحيفة رسمية عنوان «هل لايزال أمن اليمن واستقراره يهم المجتمع الدولي..؟!» في ذلك الحين كنت مثل كثيرين من اليمنيين لا أزال أنجذب إلى فرضية مفادها أن المجتمع الدولي قد يقبل بسيادة الفوضى في أية دولة عربية ملتهبة سياسيًا إلا في اليمن؛ فإنه لن يفرّط بحاجته إلى هذا الموقع الاستراتيجي المهم الذي يشرف على حركة الملاحة الدولية وفي استقراره عامل توازن للمنطقة. كان يدفعنا إلى هذا التصوّر الساذج كثير من أدبيات الدبلوماسية النشطة وخطاباتها التي كانت تخيّل لنا أننا في حضن العالم الدافئ ونحظى بامتيازات تمنحها لنا الجغرافيا وأشياء أخرى كخطورة التركيبة القبلية وخطورة انتشار السلاح. أقل ما يُقال اليوم عن الخارج أنه انتظر وينتظر الأقوى والمنتصر ليتحالف معه, ولا يغيب عن حسبان هذا الخارج ما إذا لم يكن هناك منتصر, فهو في هذه الحالة سيستفيد من التصادمات التي تشغل الأطراف ببعضها وتضرب القوة بالأخرى؛ لتكتمل دائرة الوهن العربي الذي تنبني على أساسه استراتيجيات الدول الكبرى في المنطقة. أين الحل يا هذا المجتمع الدولي..؟! دخلنا في مرحلة الخطر, ثم توغّلنا في عمق الخطورة, ولايزال الأمر عند مستوى التعبير عن القلق, مقرونًا بإجراءات مصاحبة لربط الصراع اليمني بصراعات أخرى؛ فينتج عن ذلك تحميل قضية اليمنيين ما لا تحتمل, وفي الأخير أطبق الصمت حتى جاء جمال بن عمر ليجيبنا أن اليمن على شفا حرب أهلية بعد سلسلة حوارات لم تحرز أي تقدّم؛ اكتشاف كبير ورؤية ثاقبة..!!. يبقى اليوم الذهاب إلى مجلس التعاون الخليجي لإعطاء المشكلة اليمنية صبغة قومية بحتة، اذهبوا جميعكم، ما الذي ستخسرونه لو ذهبتم..؟! القضية لا تتعلّق بأكثر من التراضي لإنجاز حل مقبول، هذا الحوار سيكون في محيط ورعاية دول وجيران تهمهم صناعة الحل؛ لأنهم يتأثرون بالواقع اليمني سلبًا وإيجابًا، وهذا ما يرجّح حتمية أن يخرج الجميع بتسوية تتدارك هذا الوطن في اللحظات الأخيرة, وتؤكد أن قوميتنا لاتزال قادرة على العطاء. أما من يراهن على خيارات أخرى غير التصالح والاتفاق على إنقاذ الوطن؛ فإنه في الطريق الخطأ, وعليه أن يدرك أن التسوية اليوم تقف وسطًا إيجابيًا بين طرفين مذمومين هما الحرب الأهلية وازدواجية السُلطة، ولذلك لم يعد اليوم ثمّة مجال للمناورة, وليس لجميع القوى السياسية سوى اقتناص الفرصة لصناعة تاريخ جديد تأتي به مبادرة ينضوي تحتها كل الأطراف ويلتزم بها كل الأطراف, يما يكفل انتشال الوطن من واقعه غير الطبيعي الذي يعيشه اليوم, والحفاظ عليه آمنًا مستقرًا وموحّدًا في ظل دولة جامعة ترعى مصالح الناس وتكفل حقوق الجميع, وعلى الله قصد السبيل.