لم يكن يحلم العربي قديماً إلا بتحقيق مآرب حياته المقيدة تحكمه بيئته ورؤى قبيلته وعشيرته, وتتصارع وتيرة حلمه بتوسع سلطته, وعند تلك المرحلة تبلورت كينونة العربي. ومابين حلمه وقيمه التي تممت بالبعثة النبوية كانت له وسائله وطموحه من الغزو إلى الغنيمة والسيطرة,تتخلل حياته ترف جسدي ومسكنات روحية تتردد لها نفسه. اغتسل العربي مزيلاً أدران تغلغلت في صميم فؤاده ووقف منتصباً يستشف الأفق لفجر قادم بثوب قشيب خاطه ذلك الفجر بمواصفات جديدة,غير معهود لزمن التعري الروحي والتفسخ الجسدي, والنقطة الفاصلة بين مايحلم به العربي وبين تحققه فاصلة فارقة ليست كفاصلة الكلمات بقدر ماتعد الفاصلة متبوئة بفكرة تأكيدية لفكرة لاحقة,لكن عندما تأتي ( لا )حتمية الفشل وضبابية المعنى, أو واهنة المشروع يتضاءل الحلم وتكبر الصعوبات وتتراكم المعوقات, وتردمه (أي الحلم ) أحلام اللابقاء, وما إن نفض العربي غبار جاهليته حتى عششت جاهلية جديدة_ عششعت خيوط الوهن على بنائه وتفاصيل أجزائه وتداخل العطب في لحمته فأبلاه ,وهدَ أركانه فأوهاه,ومابين الفترة والأخرى تتراءى لنا ليلة قدر تومض بحلم العربي ، بوحدة العربي بالعربي,لتؤسس أصلاً في سماء العروبة والحلم,لكن قدر العربي قدر انقلابات _انقلاب الذات على الذات ومعها تأصل التراجع عن الحلم والرضى بالواقع المفروض عربياً وغربياً. والوقوف عند الدروس المتكررة لم تعط ذات الأهمية بحجم الحلم,فنشأت هوة الشقاق الظاهر والخفي في كيان الجسد والروح العربي, وبالمقابل تضاءلت قيمه ومشاريعه,فتوارت الصورة المؤمل بها. وحين صار العالم غير العالم, والعلم يسابق العلم,بقي حلمنا لم يسبق الحلم(لكنه يتباطأ كي لانراه)..درويش. لكننانتمنى أن نراه,نحتاج لحلم يتحقق يسكر عروبتنا ,نشوة العلم والقوة بنشوة القيم ووحدة البنان والبنيان,وتمازج الفكر فالمقومات هي المقومات. ولم ينفض العربي تسلط الآخر حتى تتسلط عليه عروبته ليثور الرأس لفصل الجسد أو ليثور الجسد ليفصل الرأس, إنها أسرع طرق الموت,و أسوأ عواقب التاريخ وحقبها, فإن لم يكن بعد الثورة علم, وللعلم حلم مشروع, وللمشروع قوامه, وللمقومات حلم عربي وسيظل العربي باحثاً عن الحلم مع أخيه العربي. إننا اليوم أمام هوة سحيقة في التلاحم الداخلي العربي في مكونات الدولة الواحدة والدولة مع الدولة نتجه نحو التقاسم للغير ونصعد وتيرة البغض ونتنافس على انتقاء اللون الدامي مع أنفسنا لنسهل أقصر الطرق للاستعمار الجديد بلباس مرحلتنا الراهنة وتحت يافطات متعددة التوجهات والأسس. [email protected]