في اعتقادي نحن مخذولون من كل شيء، من الأقدر والوطن وأيضاً من أولئك الذين هتفنا لأجلهم طويلاً، ثم انهارت فجأة صورة ماجدة صنعناها لهم نحن بعد أن قاربوا مشابهة المسوخ أو يكادون يكونون الآن نسخاً على درجة عالية من التطابق معهم. لا أخجل من الإقرار بأنني كنت ضحية ضمن قطيع من المخذولين تماماً مثلما إنني أهاتفك أحياناً، وأتحدث إليك بجرأة حول علاقة سابقة لي مع نسخة أخرى تشبهك غير أنها تحفظت عن الإجابة حين سألتها عن مدى استعدادها للحاق بي إلى الجحيم كمآل محتمل لبائس يرفض الرهان على قدرته في اجتياز صراط العذاب بناء على مخاوف ذاتية منطقية ومبررة. ليس لنا علاقة بهذه الحرب ولا تحدثني عن أصوات المدفعية وصرخات التكبير، هذه حروب تعيق الأحلام وتصنع الهزيمة أو تؤسّس لمستقبل الهزيمة، فنحن حاربنا قبل عشرة أعوام وأيضاً قبل عشرين عاماً، وقبل مائة عام حاربنا أيضاً، وكانت الحرب في كل مرة تؤسّس لأختها أو تهيئ العوامل لمستقبل حافل بالحروب والقتال.. أما الحروب فقد خلفت على الدوام أشلاءً وجثثاً منسية ولم تخلّف ولا مرة واحدة وطناً على مقاسات أحلامنا الدفينة. الحرب في صالح المقابر، لا في صالح المصانع ومعلبات الألبان، حدثتك ذات جرح عن سنوات الضياع وتدمير مقومات الدولة في حروب خاسرة، بوصلة المدفعية اتجهت شمالاً غير أنها عجزت تماماً عن تخليق نفسها كبديل لأصحاب الجغرافيا.. يومها قيل إنها في مهمة لتثبيت قدم الدولة في رقعة جغرافية ضيقة للغاية وحين توقف ضجيجها كانت أضعاف هذه الرقعة تخرج عن سيطرة الدولة معلنة فشل مشروع المدفعية. أما الكارثة الكبرى لتداعيات هذا الفشل فتتمثل في كونها أفرزت كائنات مشوّهة وجيل من المسوخ الذين تحرّكهم نزوة القتل وعقيدة التدمير، بعد سنوات قد نتمكن من إقناع المسوخ بإيقاف حفلات القتل والتدمير وسنقف جميعاً على مشارف الأحلام الدفينة لنغني للحياة، سنفعل ذلك لأننا قرّرنا مغادرة هذه الثقافة، وتجرّدنا على نحو كامل من نزوة الغلبة عبر ماسورة المدفعية الثقيلة.