لم يعد الإعلام اليوم بوسائله المتعدّدة يشكّل السلطة الرابعة في الدولة الحديثة, بعد السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية, بل أصبح في أهميته وقوة تأثيره يفوق في الترتيب تلك السلطات الثلاث، وتنبع أهمية وسائل الإعلام من خطورة وحساسية الوظائف المنوطة به, فبالإضافة إلى كونه من أهم طرق نقل الأخبار بشكل سريع, فالإعلام أداة لتوجيه الناس وتكوين المواقف والاتجاهات في المجتمع, ناهيك عن كونه من أهم وسائل زيادة الثقافة ونقل المعلومات, وتنمية العلاقات الإنسانية وزيادة التماسك بين أفراد المجتمع, وغيرها من الوظائف الإيجابية الكثيرة التي لا مجال لحصرها في هذه العجالة. كما إن الإعلام أصبح جزءاً مهماً في صناعة الحدث وتشكيل وعي الأغلبية، ولذلك فإنه سيكون أكثر إقناعاً وتأثيراً إن امتلك الحرية مع المهنية والاحترافية، فالحرية المسؤولة الركيزة الأولى للإعلام الإيجابي، وإلا أصبح خادماً لمصالح مالكيه، والمستفيدين منه، وكثير من إعلامنا العربي في حاجة للخروج من تلك البوتقة بخطاب إعلامي يركز على الحقيقة ولو كانت نسبية، في حيادية وتوازن والتزام بمعايير المهنة. ونظراً لكون الإعلام سلاحاً ذا حدين, فإنه يمكن استخدامه في إحلال السلام وتهدئة النفوس والارتقاء بالفكر الإنساني وتمتين العلاقات الاجتماعية, كما يمكن أن يكون أداة لإثارة الحروب واضطراب النفوس وانحدار الفكر واضمحلال الثقافة وتمزيق العلاقات الاجتماعية. هذه المقدمة ربما تكون ضرورية لمعرفة: ماذا يريد الإعلام المحلي والخارجي من اليمن ؟! حيث أن من يتابع العديد من القنوات الاعلامية المحلية والخارجية, وتعاطيها مع الأحداث المتسارعة على الساحة اليمنية يجد – للأسف الشديد – أن معظم هذه القنوات تدفع باتجاه الحرب الأهلية في اليمن, وتنشر عبارات التحريض والتهييج بين أفراد البلد الواحد والوطن الواحد, بما تنشره من أخبار ومقالات وتحليلات حول ما يحدث في اليمن , وكلٌّ يدلي بما يريد وكيفما يريد دون تحرٍ للحقيقة ومراعاة لأخلاقيات المهنة, ودون مراعاة للدماء اليمنية التي تسقط يومياً على تراب هذا الوطن الغالي. لقد أصبح الكثير من الشباب اليمني البريء ضحية للتعبئة الاعلامية الخاطئة, التي تمارسها بعض وسائل الإعلام وخصوصاً الحزبية منها, وتؤثر على أفكار وحماس هؤلاء الشباب، وتدفعهم إلى محرقة الموت دون وعي وإدراك بحقيقة أهداف وطموحات ومصالح من يملك هذه الوسائل الاعلامية أو يمولها. والحقيقة أن ما تقوم به بعض وسائل الإعلام المحلى والخارجي منذ فترة ليست بالقصيرة لا يصبّ في مصلحة اليمن ولا مصلحة أبنائها فضلاً عن مصلحة الأمة العربية والاسلامية, فالحرب التي تحاول هذه الوسائل دقّ طبولها ليست في مصلحة أحد, كما أن التحريض بين أبناء البلد الواحد يعود بالنتائج السلبية على البلاد والعباد فهناك - للأسف الشديد - العديد من القيادات السياسية والشخصيات الإعلامية والثقافية والأكاديمية اليمنية في الداخل والخارج أصبحت مجرد أبواق فتنة تتناوب الظهور على هذه الوسائل لتدلي بآرائها وتحليلاتها وتعليقاتها بشأن الأحداث والمتغيرات على الساحة الوطنية, وفقاً لما يُملى عليها من أطراف أو قوى سياسية داخلية وخارجية وبما يخدم أهداف ومواقف ورؤى هذه القوى والأطراف السياسية, دون أدنى مراعاه لآداب وأخلاقيات المهنة, ومصلحة الوطن وأبنائه. وخطورة وتأثير ما يقولونه أو يكتبونه من خلال هذه القنوات الإعلامية على أمن واستقرار هذا الوطن. خصوصاً في ظل هذا الوقت العصيب الذي يمر به الوطن والذي هو في أمس الحاجة إلى تعاون وتكاتف جميع أبنائه في كل مكان ومن مختلف الشرائح الاجتماعية والتوجهات السياسية للعمل بروح الفريق الواحد لإنقاذه من أزماته الحالية, والخروج به الى بر الأمان لأنه وطن الجميع ويتسع للجميع. ختاماً أقول ما احوجنا اليوم وفي هذه الظروف البالغة الحساسية والخطورة التي يمر بها الوطن, إلى إعلام تهدئة يحاول تهدئة النفوس وتخفيف حالة الاحتقان بين مختلف القوى السياسية, وليس إعلام حرب يسهم في تأجيج نار الفتنة ودق طبول الحرب و توسيع دائرة الخلافات والفرقة بين مختلف القوى السياسية. إعلام عربي وإسلامي يراعي مالكوه ومموّلوه حرمة دم المسلم أياً كان موطنه وموقفه وموقعه, إعلام وطني يتسم بالموضوعية والشفافية والمصداقية والتوازن وترسيخ القيم وتعزيز الهوية الوطنية، ويحرص على دماء أبناء وطنه من أن تُراق لأي سبب ومن أي طرف, إعلام يدعو إلى التسامح ونبذ الخلاف ورأب الصدع بين مختلف الأطراف والمكونات السياسية, والعمل بروح الفريق الواحد لما فيه مصلحة الوطن وأبنائه ووحدته وأمنه واستقراره. كما اقول لكل القائمين على الوسائل الإعلامية المحلية وخصوصاً الحزبية منها, وكل العاملين فيها والمتحدثين والمحللين من خلالها بمختلف تخصصاتهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية, اتقوا الله فيما تقولون وتكتبون وتنشرون حول ما يحدث على أرض الوطن في هذا الظرف العصيب. أما آن الأوان لتستفيدوا من دروس الأمس واليوم وما حدث ويحدث في بلادنا والعديد من البلدان العربية من أزمات متتالية, وأحداث دموية راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء, نتيجة خلافات وصراعات سياسية ساهمت أخباركم وتحليلاتكم ومنشوراتكم في تفاقمها ألا تدركون - وأنتم يمنيون مسلمون تنتمون لوطن واحد ويجمعكم دين واحد - أنكم مسئولون امام الله عن كل قطرة دم تُراق في هذا الوطن نتيجة الفتنة التي ساهمتم في إشعالها, وسوف يُحاسبكم الله عن كل كلمة نطقتموها أو كتبتموها ساهمت من قريب أو بعيد في شقّ الصف ونشر الفتنة وإراقة الدماء على تراب هذا الوطن الحبيب؟. [email protected]