ما يجري اليوم من أحداث مأساوية وإراقة دماء لأناس أبرياء في الشارع المصري لا تتحمل مسؤوليته الكاملة الأنظمة الحاكمة والقوى السياسية والأنظمة والدول المساندة والداعمة لمن يتولى إراقة هذه الدماء فقط, بل يتحمل جزءاً من مسؤولية إراقة هذه الدماء الإعلام العربي وبشكل خاص بعض الشبكات والقنوات الفضائية الإخبارية, الذي خرجت عن نطاق أدبيات وأخلاقيات المهنة, وأصبحت في نقل الأحداث والوقائع من الشارع المصري والعربي وتحليلها والتعليق عليها, أسيرة لتوجهات وأهداف ومصالح من يمولها ويوجهها من شخصيات وأنظمة لا تريد الخير والأمان والاستقرار لمصر وبعض الدول العربية. ويكفي على سبيل المثال أن تنتقل بالريموت كنترول بين مختلف هذه القنوات الإخبارية هذه الأيام لتسمع وتشاهد مدى التباين أو التضخيم والتهويل أو الاستغلال السياسي والمريب أحياناً للأحدث الجارية على الساحة المصرية وتداعيها عبر هذه القنوات والتي سخرت جل اهتمامها في تغطية أحداث معينة في بلد واحد أو بلدان عربية محددة وبطرق مختلفة في تناول وتغطية هذه الأحداث بحسب ما يتفق مع أهداف وتوجهات من يمول ويدعم ويوجه هذه القنوات, دون مراعاة لأبجديات المبادئ والأسس والقيم الأخلاقية والمهنية الإعلامية. حيث لجأت هذه القنوات في البحث عن أخبار أو مشاهد تناسب توجهاتها وأهدافها من أي مصادر تلبي مطالبها, حتى ولو كان شاهد عيان مستأجراً أو محللاً سياسياً منافقاً يعمل حسب الطلب وبالأجر اليومي أو الشهري. أو نقل مشاهد ولقطات مجهولة المصدر والهوية من المنتديات والمواقع المتخصصة على شبكة الإنترنت. واختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين في كل ما تنشره وتعرضه هذه القنوات, وفقدت معظمها مصداقيتها لدى المشاهد العربي وخاصة من جيل الشباب الذي باتت تحركه وتؤثر فيه كلمات وتجمعات زملائه وأقرانه من الشباب عبر مواقع شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت, أكثر مما تؤثر فيه أو تحركه الوسائل الإعلامية الموجهة والتقليدية. إن كثيراً من الحروب تبدأ على شاشات التليفزيون قبل أن تبدأ على أرض الواقع، كما أن العلاقات بين الدول تديرها شاشات التليفزيون أحياناً قبل السفارات والهيئات الدبلوماسية، بل إن الدبلوماسية في أوقات كثيرة تستنزف كثيراً من طاقاتها في رتق الخرق وجبر الكسر، وإطفاء الحرائق التي يشعلها بعض الإعلاميين عبر الفضائيات العربية، وهم يقاتلون في قضايا وهمية أو يسعون لمصالح ضيقة أو بطولة زائفة، بصرف النظر عن علاقات الشعوب ومصلحة الأمة. لقد أصبحنا اليوم في ظل هذا الكم الهائل من وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة في حيرة من أمرنا نبحث عن الحقيقة والمصداقية فلا نجدها، حيث أصبحت الكثير من هذه الوسائل بأيدي صناع الأزمات هنا وهناك يديرونها ويوجهونها في الاتجاهات التي تخدم مصالحهم وتحقق أهدافهم، فإذا ما أرادوا زعزعة أمن واستقرار أي دولة وجهوا جميع وسائلهم الإعلامية لتحقيق هذا الهدف من خلال نقل و إبراز وتضخيم الأحداث التي تحدث في هذه الدولة وحشد المحللين والخبراء الجاهزين والمدربين لتحليلها وفقاً لما يحقق أهدافهم أو أهداف من يمولهم ويوجههم في هذا الاتجاه بالشكل الذي يؤدي إلى حدوث وتفاقم أزمة سياسية في هذه الدولة تتطور إلى حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي وسقوط ضحايا وإراقة دماء كما يحدث اليوم في مصر الشقيقة. وختاماً أقول لكل من يدير ويعمل في الشبكات والقنوات الفضائية الإخبارية العربية, التي خرجت عن نطاق أدبيات وأخلاقيات المهنة, اتقوا الله فيما تنقلون وتعرضون من أخبار ومعلومات وأحداث ومشاهد, واعلموا أنكم مسئولون أمام الله أولاً عن كل قطرة دم تراق من أي شخص مصري أو عربي قتل أو جرح نتيجة فتنة وأحداث وأزمات, كان لكم ولشبكتكم وقنواتكم الإخبارية دور في إذكائها وإشعالها وتعميقها, واعلموا أن المال السياسي الذي يدفع لكم يمكن أن يغير اتجاهاتكم وأفكاركم وسياساتكم الإعلامية حول أهداف محددة, لخدمة دول أو أنظمة أو شخصيات معينة, لكنه بلا شك لا يمكنه في ظل تنامي الوعي والمعرفة لدى معظم أفراد وقطاعات المجتمعات العربية اليوم أن يغير إرادة الشعوب وإصرارها نحو تحقيق ما يفيدها ويحقق آمالها وأحلامها, وحسبنا الله ونعم الوكيل. رابط المقال على الفيس بوك