المتابع لما تتناوله معظم وسائل الإعلام المحلية والعربية المطبوعة أو المسموعة والمرئية من أخبار وتحاليل وكتابات وتقارير حول مختلف الأحداث والمتغيرات التي تشهدها الساحة اليمنية والعربية اليوم يجد نفسه في دوامة كبيرة ولا متناهية من الحيرة باحثاً عن المصداقية والأمانة والشفافية والموضوعية والحيادية فيما تتناوله وتنشره مختلف هذه الوسائل الإعلامية , حيث باتت هذه المفردات غائبة تماماً في واقع الإعلام العربي اليوم بمختلف وسائله وأشكاله وبدرجات متفاوتة من وسيلة إلى أخرى ومن دولة إلى أخرى. لقد أصبحت معظم وسائل الإعلام العربية منقسمة بين وسائل تابعة للأنظمة السياسة الحاكمة تديرها وتوجهها كما تريد وأخرى تابعة لشخصيات سياسية أو رجال أعمال أو أحزاب أو تنظيمات سياسية معارضة تسخرها لتحقيق أهدافها ومصالحها السياسية أو الحزبية أو الشخصية ولهذا لا يمكن أن نتوقع الحصول على الخبر اليقين والتحليل الدقيق والرأي الموضوعي والمحايد فيما تنشره وتعرضه وتتناوله معظم هذه الوسائل الإعلامية الموجهة بأفكار وأهداف وتوجيهات مالكيها أو الممولين لها والداعمين لها. ويكفي على سبيل المثال أن تنتقل بالريموت كنترول بين مختلف القنوات التلفزيونية الفضائية العربية الإخبارية الرسمية والخاصة هذه الأيام لتسمع وتشاهد مدى التباين أو التضخيم والتهويل أو الاستغلال السياسي والمريب أحيانا للأحداث الجارية على الساحة العربية أو اليمنية وتداعيها عبر هذه القنوات والتي سخرت بعضها جل اهتمامها في تغطية أحداث معينة في بلد واحد أو بلدان عربية محددة وبطرق مختلفة في تناول وتغطية هذه الأحداث بحسب ما يتفق مع أهداف وتوجهات هذه القنوات والجهات والدول أو الأنظمة أو الشخصيات المالكة لها أو الممولة والداعمة لها , دون مراعاة لأبجديات المبادئ والأسس والقيم الأخلاقية والمهنية الإعلامية .. حيث لجأت هذه القنوات في البحث عن أخبار أو مشاهد تناسب توجهاتها وأهدافها من أي مصادر تلبي مطالبها حتى ولو كان شاهد عيان مستأجرًا أو محللاً سياسيًا يعمل حسب الطلب وبالأجر اليومي أو الشهري .. أو نقل مشاهد ولقطات مجهولة المصدر والهوية من المنتديات والمواقع المتخصصة على شبكة الانترنت .. واختلط الحابل بالنابل والغث بالسمين في كل ما تنشره وتعرضه هذه القنوات , وفقدت معظمها مصداقيتها لدى المشاهد العربي وخاصة من جيل الشباب الذي باتت تحركه وتؤثر فيه كلمات وتجمعات زملائه وأقرانه من الشباب عبر مواقع شبكات التواصل الاجتماعي على الانترنت , أكثر مما تؤثر فيه أو تحركه الوسائل الإعلامية الموجهة والتقليدية. وفي خضم هذا الكم الهائل من وسائل الإعلام العربية الموجهة , أصبح المواطن العربي أو اليمني الحريص على معرفة حقيقة ما يدور من أحداث وتداعيات وفهم أبعادها ودلالتها بموضوعية وحيادية , يبحث عن إعلام مستقل ينقل له الأحداث و الأخبار كما هي دون تحريف أو تضخيم أو تهويل , ويقدم له المعلومات الصحيحة والتحليل الدقيق والموضوعي لمختلف الأحداث والتداعيات بالشكل الذي يبدد حيرته ويحترم عقليته وكرامته وحقه في معرفة الحقيقة والنبأ اليقين , ليحدد وفقاً لذلك مواقفه واتجاهاته إزاء ما يدور ويحدث في بلده ووطنه العربي الكبير, وفق رؤية دقيقه وموضوعية لهذه الأحداث وبالشكل الذي يضمن مساهمته الفعالة كمواطن في بناء وتنمية وطنه والحفاظ على أمنه ووحدته واستقراره. وختاماً يمكن القول إن الإعلام اليوم بمجمل تياراته قد تجاوز تلك الأكاديمية العسكرية التي كان الإعلامي فيها يستعير الخوذة من الجندي ليمارس دوره في نوبة حراسة ذلك لأن البشر تغيروا وطرأ عليهم من الوعي في مختلف تضاريس المعرفة ما يحصنهم من سهولة الاقتناص أو الإغواء، لكن التقدم العلمي وحده لا يكفي ما دامت هناك حمولات من الأفكار المعلبة, ومخلفات الماضي الغارب تحول هذا التقدم من نعمة إلى نقمة، كأن تضع الانترنت في خدمة الخرافة أو التلفزيون في خدمة الكذب والتضليل .. وخواتم مباركة لكل القراء الأعزاء. أستاذ التسويق المساعد جامعة تعز [email protected]