• هل هناك إعلام محايد..؟! قد يجيب البعض ب«نعم» لكن الحقيقة تقول إنه لا وجود لما يمكن تسميته «إعلاماً محايداً» بكل معنى الكلمة؛ حتى في أعتى الأنظمة والدول الديمقراطية وذات التقاليد الصحفية العريقة، لأن هذا الحياد قد يختفي تماماً عندما يتعارض مع سياسات وسائل الإعلام ومصالح القائمين عليها أو مموّليها، كما حدث في أيام الغزو الأمريكي للعراق واحتلاله، حيث كانت وسائل الإعلام الأمريكية في تغطيتها للغزو تعتمد فقط على المعلومات والأخبار التي ترغب الإدارة الأمريكية في بثّها وبالطريقة التي تريدها..!!. • الأحداث التي شهدتها ولاتزال عدد من دول المنطقة العربية خلال العامين الأخيرين كشفت الوجه الحقيقي للعديد من وسائل الإعلام العربية؛ خاصة القنوات الفضائية باعتبارها أكثر وسائل الإعلام مشاهدة ومتابعة في العصر الراهن وفي مقدمتها تلك الفضائيات التي تدّعي الحيادية والمهنية وحرية الرأي والرأي الآخر، بينما هي في حقيقة الأمر بعيدة كل البُعد عن الحيادية والموضوعية في تغطيتها للأحداث، وتضع نفسها طرفاً رئيساً مع هذا الطرف أو ذاك، كما أن أغلبها تعمد إلى تهويل الأحداث، وتغالي كثيراً في تصوير الأوضاع القائمة لتظهرها لمن لا يعايشون هذه الأحداث وكأنها حروب ومعارك؛ بينما الحقيقة مجافية لهذا التهويل، أو ليس بتلك الصورة المهولة التي ترسمها هذه الفضائيات. • إن المتابع لهذه الفضائيات يلمس بوضوح أن تناولها الأحداث في المنطقة يقوم بالأساس على التضخيم والتهويل في كل شيء سواء في العدد الحقيقي للمعتصمين أو المتظاهرين أم في تناول سير هذه الأحداث الذي يتم بطريقة لا تخلو من الكذب والتزييف وإيراد المعلومات المضّللة أو في عدد الضحايا من قتلى وجرحى، فكل قناة تتناول بتهويل وتضخيم كل ما يتعلّق بالطرف الذي تقف إلى جانبه، وتبالغ كثيراً في عدد ضحاياه؛ بينما تهمل الطرف الآخر تماماً ولا تشير إليه إلا لتحميله مسؤولية ما يقع من ضحايا وأضرار. • صحيح أن أية مواجهات بين طرفين متصارعين من الطبيعي أن تسفر عن وقوع ضحايا من الجانبين، لكن كل قناة لا ترى إلا ضحايا الطرف الذي تسانده دون الطرف الآخر، ليس ذلك فحسب بل إنها تورد ضحايا الطرف الذي تسانده بتهويل مبالغ فيه، فالجريح الواحد يساوي مائة جريح، والمائة جريح تساوي ألفاً، وهكذا دواليك، ونفس الأمر ينطبق على عدد القتلى، ولا تورد إلا الأنباء التي تخدم توجهاتها وأهدافها، أما أن تتحرّى المصداقية والأمانة المهنية في مصادر معلوماتها فذلك أمر غير وارد في قاموسها ولا تعيرها أي اهتمام. • يمكن الجزم أن الموضوعية والحيادية تحضر نادراً وتغيب كثيراً في تناولات الفضائيات العربية للأحداث التي تمر بها المنطقة، ولعل التناقض الكبير في التناول الإعلامي لما يحدث في الشقيقتين سوريا ومصر بين قناة وأخرى يمثّل دليلاً واضحاً على غياب المهنية والحيادية، ففي الوقت الذي نجد بعض الفضائيات على اتفاق تام حول تسمية وسير الأحداث التي تعيشها الشقيقة سوريا؛ نجد أن نفس هذه الفضائيات تختلف تماماً تجاه الأحداث التي تعيشها الشقيقة مصر، والسبب أن كل قناة إنما تنقل الأحداث وفق رؤيتها وتوجهاتها السياسية وليس كما هي على أرض الواقع، وهو ما يدفعنا إلى تساؤل مفاده: إذا كانت هذه الفضائيات تؤدّي عملها بحيادية وموضوعية؛ فلماذا لا نجد تقارباً في تناولاتها لمختلف الأحداث الجارية في المنطقة العربية خاصة المتشابهة منها طالما وهي كما تقول تنقل الوقائع والأحداث؟!. •ما يُسمى “إعلاماً محايداً” ليس إلا مجرد أكذوبة، لأنه في الحقيقة لا وجود لإعلام محايد ينقل الوقائع كما هي دون إضافات أو رتوش، لأن أغلب وسائل الإعلام إنما هي أدوات مسخّرة لخدمة أهداف سياسية معينة للدول التابعة لها أو المموّلين لها، فنرى كل قناة تغنّي على ليلاها وبحسب هوى وأمزجة القائمين عليها ومموليها ومصالحهم، فيما الحقيقة والحيادية والمهنية هي الغائب الأكبر في كل هذا. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك