- أحمد قائد الاسودي 1 في غياب المفكرين.. فلتمدد العبثية.. رجليها ويديها وجسدها.. على الساحة كلها.. ليسقط السقف على ساكنيه. سيكون مهماً أن نعي ونفهم.. أن الحاجة ستبقى قائمة إلى استيعاب المفكر، وإذا كنا نعلم جيداً مواقع أولئك الإداريين والمتنفذين... فالسؤال الذي يحتاج إلى جواب.. هو: أين موقع المفكر في إطار وجودنا المنظم.. ككيانات.. اجتماعية/ سياسية/ اقتصادية/ رياضية..إلخ؟ وما درجة أهمية المفكر لدينا؟؟ هل هي بدرجة السياسي/ الحزبي/ الرياضي/ المهني... إلخ..؟ وإذا كانت له أهمية!! فلماذا لانرى تلك الأهمية متجسدة في واقع.. أو موقع.. أو مكانة ملحوظة.. أو مؤسسة.. أو ماشاكل ذلك؟؟ ومع أني على قناعة.. أنه لايختلف اثنان.. على أهمية المفكر في البناء والنهوض.. فإن الحيرة تداهمني كثيراً.. كلما نظرت إلى واقعنا الذي أعتمل وتعتمل فيه الحوادث ولكنها في الغالب الأعظم في معزل عن المفكر.. فلماذا لانجد للمفكر موطناً في واقعنا كدولة.. كأحزاب.. إلخ، ولماذا في أحسن الأحوال.. يكون موطنه هامشياً أو في أداءات هامشية؟؟ هذا إذا لم يُستوعب المفكر في أداء تنفيذي هامشي.. ليكون كمن فرض عليه الانتحار الطوعي البطيء... فذلك أمر مكرور... في واقع لم يستوعب بعد جدياً عن قصد... أو حتى عن غير قصد... تلك الصلة بين الأداء والخبرة، والمهارة والإمكانات والصلاحيات.. فلا غرابة بعد ذلك أن يغيب مسمى المفكر من جغرافية الساحة ومكوناتها وفعالياتها... فيعيش المفكر حالة من غياب حقيقي... ومعاناة مادية ومعنوية حقيقية... ليكون في عداد أولئك المصنفين بالهدارين والمرضى النفسانين أو المجانين أحياناً... وبالتالي فلا مجال... لسماع ولالفهم.. قوله أو القراءة بوعي ومسئولية مايكتبه أو مايقدمه من أفكار.. لأنها في الحقيقة مما لاتستوعب الأفهام التنفيذية ويسترعى الاهتمام.. لدى أصحاب القرار العام أو الخاص في واقعنا إلا بقدر محدود جداً جداً... ولابد من الإشارة هنا... أنه بقدر وعينا بأهمية المفكر سيكون الواقع جديراً بصناعة الانتقالات اللازمة للنهوض الحقيقي.. فكيف ياترى يمكننا استيعاب المفكر؟؟ وماهي الأطر والآليات اللازمة لاستيعابه؟؟ ومتى سيعترف المنفذون بالمفكر؟؟ ومتى سيفهمون أنه الشطر الرئيس... المكمل لهم وليس المنافس لهم؟؟ فإن غياب النهوض والتطور... معناه.. غياب الحرية والاستقلالية.. غياب المواجهة أو التعاطي الأمثل مع التحديات.. غياب التوازن.. غياب التماسك... غياب الأفكار السوية.. غياب المفكر.. 2 إن غياب المفكر.. هو غياب للجاهزية الأساسية لتفعيل الواقع بالجاهزية الأخرى على تنوعها في الساحة... في مختلف الميادين والمجالات.. في الأحوال والحالات المختلفة.. فالمنفذ.. في غياب المفكر كطائر مقصوص أحد أجنحته على الأقل.. في بعده السببي والتقني في الحساب البشري.. والمنفذ في غياب المفكر.. ليس سوى حالة من التخلف المقيت وتكريس الاستذكار على حساب التفكير. فغياب المفكر.. كفاعلية.. وكشطر رئيس.. مكمل للفاعلية الحياتي.. أودى بحضارات وأمم وكيانات على مدار التاريخ الإنساني.. وحتى في عصرنا الحاضر والقرن العشرين.. لأنها جمدت عن العطاء الفكري والاجتهاد الواسع في المعالجات... والحديث هنا عن المفكر السوي.. نعم قد يملك واقعنا المنفذ السياسي... لكن المفكر السياسي غائب.. وقد يملك المنفذ الإعلامي والمنفذ الاقتصادي.. والإداري.. والنقابي.. والاجتماعي.. ولكن المفكرين في تلك المجالات غائبون.. مما يجعل الأخطاء تتفاقم.. والاستجرار هو المتبع.. والقيام على الماضي المتخلف وكل ماضٍ متخلف بطبعه في بعده المادي هو الهرب.. واتباع آخرين هو النهج.. وإذا أضفنا إلى ذلك أن المنفذ قد يكون بلا جاهزية متميزة.. بلا خبرة.. بلامهارة.. بلا علم يتصل بما ينفذه... وبالتالي... فإن الكارثة مضاعفة.. حيث لامنفذ سوي ولامفكر وتزداد الحالة سوءاً حين يناط التفكير بغير المفكرين، لأن المقدرة على التفكير المتميز هي تميزات لاتوجد في كل الناس وليس بالضرورة أن يكون المنفذ مفكراً.. أي منتج أفكار جديدة متقدمة. 3 في ظل الهيمنات.. إسلامياً/ عربياً.. فبعد عقود كثيرة من الحزبية في العالم فكرنا بالحزبية.. وبعد قرون من الثورة الصناعية.. ربما لم نفكر بها بعد وبعد قرون من ظهور البنوك الربوية فكرنا ببنوك إسلامية، وهكذا في مختلف المجالات الحيوية البناءة. فكما أن عامل البدالة ليس بالضرورة هو صاحب فكرة البداية.. وكما أن سائق السيارة ليس هو صاحب فكرة السيارة.. فليس بالضرورة أن يكون قائد الحزب أو عضو الحزب أو أي مسئول في الحزب هو صاحب فكرة الحزب/ عربياً... فالبدالة... والسيارة... والديمقراطية... والحزبية... وغيرها هي إبداعات... قدمها مفكرون من البشر... كمعالجات لمشكلات فرضتها ظروف وأحوال وحاجات في واقعهم... وذلك لايعني أن أولئك المتنفذين على الأمور الحياتية عربياً... لن تكسبهم أداءاتهم مهارات متقدمة.. وإن كانت باهظة التكاليف في التعاطي مع تلك الأشياء وغيرها... ولكن من النادر أن يبتكر أولئك إضافة جديدة.. لأن طبيعة الانشغال الشديد الذي تفرضه طبيعة التعاطي مع إنتاج مستورد من خارج ثقافتنا... وظروفنا وبيئتنا.. ولانملك إمكاناتها وآلياتها.. فذلك يحول بينهم في الغالب وبين التفكير الأمثل.. وفي اكتشافي البدائل والمعالجات لحاجات جديدة فعلية أو مفترضة قد تطرأ.. ولذلك فإن صانعي البدالة وأصحاب الحق الفكري.. يملكون مفكرين يمدون بدالتهم بأن تستوعب الحاجات الجديدة.. من خلال أفكار ملائمة للمستجدات... ومثل ذلك السيارة.. الكمبيوتر... ولذلك نرى المفكرين... لدى صانعي... البدالات السيارات.. وهكذا.. فالديمقراطية والحزبية التي لا تملك مفكرين فإنه لن يكون في إمكانها التعاطي الأسلم ولا مواكبة الحاجات والتحديات وظروف التحولات ولن تستطيع تحقيق الهدف الحقيقي المرجو منها... وستكون في نطاق ممارسات لاتستطيع الإبداع... وعاجزة عن مغادرة مكانها.. في أطوارها... إلى طور أوسع وآفاق أكبر... في الاستفادة الفعلية... من مختلف الظروف والمستجدات... في معزل عن مفكريها. مثل هذه الديمقراطية والحزبية.. سوف يصيبها الوهن والعجز.. ومن ثم التلاشي أو الضمور الكلي.. في وجودها ومضمونها.. لتبقى مجرد اسم في صفحات التاريخ.. بلا مسمى فعلي... وبلا مضمون مفيد عملياً في الواقع.. ولأننا... عربياً/ إسلامياً.. لسنا أصحاب الفكرة الحزبية.. مثلاً.. فإنه لاغرابة أن لاتجد الحزبية لدينا مفكرين قادرين على التعاطي الناجح والمنتصر فالحزبية فاشلة عملياً في واقعنا الحزبي.. طالما لم يعزز واقعها مفكرون مبدعون يعون دورهم. فالذي يبعث الحيوية والحياة والتجديد في الأداءات... هي الأفكار... التي يقدمها المفكرون.. فكيان بلا مفكرين... في الأطوار المختلفة... لن يكون قادراً على العطاء والصمود الطويل.. فالذي يطور الواقع هي الأفكار الجديدة التي يقدمها المفكرون بين الحين والآخر. فبعد مرور أكثر من قرنين على فكرة البنوك الربوية ظهر مفكرون إسلاميون ليقدموا فكرة البنوك الإسلامية... بعضهم من المسلمين الجدد الذين منَّ الله عليهم بالإسلام.. والتي بدأت تأخذ مكانها تحت الشمس، وهي الآن تحتاج بصورة مستمرة إلى أفكار تسهم في تطويرها وتمدها بالصمود.. سببياً... بمعنى أنه لابد من مفكرين حقيقيين في هذا الاتجاه. وهكذا فالمفكرون الذين صنعوا بأفكارهم اقتصاد النمور الأسيوية هي بحاجة إلى مفكرين جدد يمدونها بأفكار تقدم معالجات للحالة الصعبة التي وقعوا بها. الكارثة ستكون مدمرة.. حين يلغي القادة والمسئولون.. دوماً... المفكرين.. فيستمر تغييبهم أو غيابهم عن الإسهام في المجالات المختلفة.. فحين لايعي التنفيذي أنه بغير المفكر والفكرة... لن يكون قادراً على التعاطي الفوري والمفيد وغير المكلف مع المشكلات... فما بالك أن يكون صانع أطوارها المتقدمة. 4 والآن... فالحركات الإسلامية والمنظمات المدنية والمؤسسة الحكومية والحزبية وغير الحزبية المختلفة.. في الواقع العربي.. بحاجة إلى المفكرين الذين يسهمون معها في تقديم الأفكار الجديدة التي تصنع انتقالات حقيقية منتصرة بإذن الله... كما أسهم مفكرون من الصحابة بأفكار جديدة كانوا يتقدمون بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم... كما حصل في بدر وفي الأحزاب وفي غيرها... فكان النصر الذي كرمهم الله به حينها... إنها بحاجة إلى مفكرين يمدونها بأفكار تحقق لهم بإذن الله التمكين السياسي والإعلامي والثقافي والاقتصادي... بالأخص.. في عصر العولمة، والاستعمار الجديد.. فالواقع الإسلامي عموماً... بحاجة إلى مفكرين يمدونه بالأفكار التي تحقق لهم الخلاص مما هم فيه من تخلف وانحطاط وتمزق وعداء. 5 الواقع الإسلامي العام مفعم بالحماس والتطلع للخلاص من الحالة البائسة ولكن غياب المفكر الإسلامي الذي يمد ذلك الواقع بالأفكار الجديدة... كمعالجات... يجعله يستجر تجارب غيره... وماضيه وتجارب الآباء والأجداد... مما لم يعد ملائماً اليوم... مما يجعله على هذا الحال الذي لايسر أحداً من المسلمين.. ويبقى السؤال الذي سيحتاج إلى إجابة من المفكرين: هل الحزبية في شكلها وتكويناتها وثقافتها... يمكن أن تكون حالة ملائمة لاستيعاب وتفعيل المضمون الإسلامي؟؟ وهل هي قادرة على تفعيل الإسلام كسلطة أو معارضة في واقعها وممارساتها بصورته الشاملة؟! وهل يمكن للحزبية عموماً في السلطة وخارج السلطة تفعيل واقع نهوض حضاري في الواقع العربي/ الإسلامي؟ وهل يمكن للمفكر أن يفرض وجوده في غياب مشروعه الفكري؟ وهل للمنفذ أو المتنفذ أن يعي أهمية المفكر وحاجته إليه في ظل غياب مشروعه؟؟ والخلاصة... فواقعنا العربي/ الإسلامي... يحتاج بشكل ملح إلى منفذ أياً كان موقعه قادر على استيعاب الفكرة... وإلى مفكر قادر على الإبداع المطلوب للنهوض الفعلي... منفذ يملك مشروعاً ومفكر يملك مشروعاً في واقع من المفترض أن يكون صاحب مشروع متميز.