- محمد ناصر شراء .. أتعمدُ هنا، في هذه الوريقات العجلى، أن ارسم صورة لصديق صنعته الدهشة المطلقة، كيما يطلقها هو بدوره فينا ألقاً وانبهاراً. أتعمد أن أقول شيئاً قد لايكون كتبه،ولكنه ولد الإبداع لديه.. أديب قاسم» اصطفاه الإبداع، وانصاع لجبروته الطاغي منذ ميعة صباه.. وكانت البداية تشكيلاً ملامح تكوينه الإبداعي بصورة حاسمة. سنفهم هذا جيداً حينما نقرأ من حديث له هذه الصورة البسيطة في مفرداتها.. العظيمة جداً في معناها ومرماها.. يقول «أديب قاسم» في محاضرة له في أحد المنتديات الأهلية التي احتفت بتكريمه «1»: «كنت في الثالثة عشرة من عمري عندما وقفت أمام عبارة «قفز الحبل» «SKIBBING ROP» في القاموس «إنجليزي/عربي» وتفسيرها: الوثب فوق الحبل بخفة ورشاقة، وحيث كنت أجدها في الشارع، فقد أدهشني أن بلغت إلى العالم وبسرعة، بسرعة الاكتشاف أمسك بالقلم وأركضه على الورقة.. ولست أدري ما الذي كتبته تحت حمى الاكتشاف والدهشة.. بل تحت حمى الابداع وتسمى الحالة في الفن وهي كمن يسقط الوحي، وتوقف القلم دون أن أرغمه في النهاية.. وكان هذا الذي كتبته .. وكان هذا الذي كتبته، ودونته بخط جميل تحت عنوان «قفز الحبل»: هيا هيا خلي الشنطة يالله يا الله نطي نطة نطة كبيرة ياسميرة قفز الحبل لعبة جميلة تشتي مهارة تشتي حيلة.. ويستمر أديب في إيراد الأغنية كاملة بنفس هذا الإيقاع البسيط الذي يستهوي أفئدة الطفل.. وبهذه المفردات السهلة من العدنية المحببة إليه.. ومن نفس هذا المرجع نتعرف منه على باقي الحدث.. فهو قد بادر بمجرد انتهائه من كتابة أغنيته تلك إلى إرسالها عبر البريد إلى برنامج «ركن الأطفال» بإذاعة عدن كان ذلك عام 1960م ولم يتأخر الرد.. كما يقول: «.. كنت أقف أمام الدكان لشراء محتاجات البيت وكانت «الراديو» مفتوحة على برنامج الأطفال الذي كان يقدم قبل حلول المساء.. وإذا بي فجأة أسمع أجراساً كأنها من الزجاج.. عذبة ساحرة.. عرفت من بعد أنها تنبعث من آلة تسمى الزيلفون.. فأخذت معها في التراقص .. وبعدها كانت الكلمات تجري على إيقاع تلك الموسيقى: هيا هيا خلي الشنطة.......الخ أخذتني الرعشة الكلام مازال لأديب ورحت كالمذهول أستعجل صاحب الدكان ليدفع إلى حاجتي.. وهرعت إلى البيت وفتحت «الراديو» على الآخر ليسمع الجميع.. الجيران.. الشارع.. وحتى العالم بأسره،وأخذت أصرخ : اسمعوا.. اسمعوا .. إنها أغنيتي !! كانت لحظة امتلأت بالرؤى السعيدة، وأخذ الفرح يجري في عروقي، ومثلما يقول ترنتون وايلدر: كعدو حمار تحت الشمس.. هكذا كانت الدهشة الولادة قدر أديب المبدع، هكذا كانت الشرارة التي قبست مصباح الطفل الأديب ليظل أديباً وطفلاً كبيراً معاً.. فإن من يقرأ إبداعات أديب قاسم المنحازرة إلى الأطفال.. بتنويعاتها: من قصة إلى أغنية، إلى أسطورة وإلى دراسة جادة في نفس هذا المضمارو سيجد دون أدنى شك حرصه على تقديم المستوى الأنسب من البساطة المكللة بالتوجيه التربوي والأخلاقي في حُلل جميلة من الفن المواتي، غير المترفع،، أو المتكلف. منذ ذاك الحين توالت إبداعات أديب قاسم في مضمار أدب الطفل شعراً ونثراً، حتى صدر له أول كتاب يضم مجموعة من القصص شبه الأسطورية للأطفال تحت عنوان «أقاصيص أسطورية من القرن العشرين». العجوز الذي قال: وداعاً «2» صدر له هذا المؤلف عام 1986م ،وفيه تتجلى موهبة أديب قاسم وسعة اطلاعه، إلى براعته المعهودة في الغوص إلى نفسية الطفل، وسبر أغوار يقول الأديب الفلسطيني الكبير/يحيى يخلف في تقديمه لهذا الكتاب: «تزخر قصص هذه المجموعة الموجهة إلى الأطفال أو الفتيان بالقيم والمثل، وتبحث عما هو جميل، وتنحاز إلى روح العصر. وتعكس هذه القصص كل ما في أعماق كاتبها أديب قاسم من عذوبة وطيبة وإنسانية.. فالطريق المشجرة تفضي إلى بيت ريفي كبير جميل، والكاتب الصغير يعشق الزهور، وعرس السويد ذات شهرة عالمية، والمواطن كيوتو يدخل القرن الواحد والعشرين. إنها هموم إنسانية، وعالمية، تزور القارات عند بعض البلدان، وتنقل من أوروبا إلى آسيا، وبكبر أثناء ذلك الأطفال، ويتحلى الفتيان بالحكمة ورجاحة العقل، ويتطور العلم والصناعة، وتختزل المسافات، ويصبح الكون كله قرى صغيرة متقاربة.. إنها الهموم التي تبحث عن الدفء والسلام والعدالة والمستقبل الأفضل للبشرية. عالم أديب قاسم، عالم غني،ولغته جميلة رشيقة، وأسلوبه بسيط، مباشر خطابي، تسجيلي ، ينشد الايصال، ولايأبه للأناقة والمبالغة الفنية، لأنه كما ذكرت يتوجه إلى الطفل أو الفتى .. إنها طريقته التي لايقلد فيها أحداً.. اليس لكل نهر مجراه«3».. هكذا يختم يحيى يخلف بهذا التساؤل .. وردنا أن نعم ولهذا النهر المسمى أديب قاسم مجراه الذي نحت في الصخر.. يقول الشاعر: عبدالرحمن الخميسي: «ليس النهر بنهر إن لم يحفر مجراه في الصخر». وهكذا هو أديب.. تابع مجراه حتى اصدر حتى الآن في مضمار أدب الطفل «ارجعي، ارجعي ياسلمى» مجموعة قصصية 1987م «4» أربع قصص، كل قصة في كتاب منفصل هي :«5» القمر بعدي بعدي. فقاعة الصابون المتكبرة. قشة لها تاريخ طويل. شجرة السنط الأزرق.. والعصافير المضينة. التلباثي: من قصص الخيال العلمي 2004م. وفي مجال الدراسات والبحوث صدر له : «مزرعة الفقر أدب الطفل .. تخطيطات وقراءات » 2004م. معرفة أديب قاسم عن قرب ثروة ثقافية ومعرفية زاخرة ،تعددت في شخصة الروافد الثقافية والمعرفية حتى غد بحق مثلاً للمثقف الشامل.. عرفته منذ مطلع العقد الثمانيني من القرن المنصرم، وتوطدت علاقتي به كثيراً منذ منتصف الثمانينيات حين كنا في «صنعاء» مع مجموعة رائعة من المبدعين، منهم على سبيل المثال لا الحصر: الاديب القاص الصحفي المعروف محمد عمر بحاح، والشاعر الكبير/محمد حسين هيثم والشاعر الرائع كريم الحنكي .. وغيرهم آخرون، كنا جميعاً نلتقي في جلسات لايغيب عنها حديث الإبداع.. ولقد عرفت فيه عن قرب سعه الاطلاع في شتى مضامير الإبداع الفني والإدبي« على استعداد تام لمناقشته ضروب النقد الإبداعي بمختلف صوره.. ناقد له اسهاماته .. كتب الدراسة والبحث، يمتلك ذائقة موسيقية رائعة.. مستمع جيد للموسيقى الكلاسيكية وروائعها، محب لغناء التراث اليمني، مهتم جداً بالموروثات العادية ذات الطابع التاريخي، فنان محب للتشكيل ورموزه. ولعل كل مضمار مما ذكر هنا يستقيم للخوض فيه بصورة تفصيلية أكبر.. ولكن الحيز المفتاح يضغطنا باتجاه التعجيل القسري وحتى يكتمل باقي هذا التشكيل البورترية.. يتحتم علي بعد استئذانه تضمين هذه العجالة بعض محطات مساراته الحياتية. هو : أديب قاسم سعيد علي، من مواليد 24 ابريل 9147م في مدينة الشيخ عثمان /عدن. متزوج. حاصل على شهادة الثقافة العامة «G.C.E». مارس العمل الصحافي لأول مرة عام 1966م في مجلة عمال مصفاة الزيت البريطانية «القسم الأدبي والفني». ساهم في تأسيس مسرح عدن للعرائس عام 1979م. ساهم في تأسيس وتحرير مجلة «نشوان» للأطفال التي كانت تصدر عن دار الهمداني للطباعة والنشر، ثم عمل سكرتيراً لتحريرها المخطوطات بانتظار طباعتها: 1 أغنيات العصافير «ديوان شعر للأطفال». 2 المسرح الغنائي العربي في اليمن «مؤلف ضخم». 3 العرب والصين «دراسة مقارنة بين الأديان مع مقدمة تاريخية للعلاقات اليمنية/الصينية. 4 الطائر الأخضر «حياة الفنان عبدالكريم توفيق وفنه». 5 الضوء الأعمى «سيرة ذاتية تتناول مرحلة الطفولة» 6 حكومة الأطفال.. رواية للأطفال. 7 النمر الأزرق .. رواية للأطفال. وبعد.. هذا غيض يسير من فيض حياة زاخرة بالإبداع، تثير شيئاً حتى لانلعن ظلام حيوات مبدعينا.. هي أقصر كثيراً من أن تلح، وأكثر قليلاً من لا شيء .. فعسى أن تكون شيئاً. هوامش : 1 محاضرة ألقاها في منتدى باهيصمي .. 20006م. 2 صدرت عن «منارة برس للصحافة والطباعة والنشر بيروت لبنان عام 1986م. 3 العجوز الذي قال: وداعاً المرجع السابق. 4 صدرت عن «دار الجيل» دمشق عام 1987م. 5 صدرت عن «مركز عبادي للدراسات والنشر» صنعاء 2004م. 6 صدر عن «مركز عبادي للدراسات والنشر» بالاشتراك مع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين صنعاء 2004م.