فاضل وراجح يناقشان فعاليات أسبوع المرور العربي 2025    الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ينابيع المحبة..... من وجوه الخير
رحل إلى أعماق التراث الشعبي لمديرية جبن
نشر في الجمهورية يوم 23 - 01 - 2007

- صالح علي محمد الجبني .. بالرغم من أن السفر يرتبط نوعاً ما بالمشقة والتعب - غير أن رحلة سفرنا هذه تختلف فيها طريق الخوف والتعب والارهاق لتأخذ جانبه المليء بالفوائد والغني بالمتعة والشيق بجمال لوحات أرصفة طرقه الفنية والأدبية - وهذا ما جعلنا ننهض من جديد للإستمرار في رحلتنا إلى أعماق التراث الشعبي لمديرية جبن ( الخامسة ) نستفيد منها ونتعلم ثقافتها ونحيي ونعيد ما غاب منها ونمسح التراب من عليها ونظهر ما اندثر منها ونحاول بقدر الإمكان تعريف الآخرين بنمط وأصول وعراقة هذا التراث الجميل في الجانب الأدبي للشعر والقصيدة الشعبية لنخلق بذلك نوعاً من شد الانتباه إليه من أجل الاهتمام به والعمل على تطويره .
- ولأن الأدب الشعبي في مديرية جبن أدب عريق وله مكانته اللائقة بين سائر الآداب الشعبية اليمنية فإن جذوره تمتد في أغوار التاريخ بحيث اننا لم نستطع تحديد حقبة زمنية لبداية نشأته وما وصل إلى أيدينا يعود تاريخه إلى مئات السنين ، غير أن المهتم بهذا النتاج الأدبي يدرك الرصيد الهائل والمكانة المتقدمة التي يحتلها مجمل التراث الشعبي لمديرية جبن والذي يأتي في مقدمة فروعه الأدبية ( الشعر الشعبي ) - ونشير إلى أن اهتمامنا بهذا الجانب ينبع من كثرته التي ما تزال محفوظة في صدور الناس ولكثرة تداوله وتناوله بينهم في كثير من المناسبات ليصبح استخدامه مستمر كأمثلة حياتية نظراً لموضوعاته وأغراضه التي تتناول كثير من الجوانب وتعالج العديد من المشاكل ( الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والدينية والأخلاقية )
- لذلك فإن البحث والتنقيب عن المكنون التاريخي الذي يختزله التراث الشعبي في مديرية جبن متواصل ومستمر عبر حلقات رحلتنا المنطلقة بثبات نحو أعماقه وبصحبة شخصياته والتي نصل معها إلى رحلتنا الخامسة.
- في محطة انطلاقة رحلتنا هذه اعتلى صهوة جواده للسفر معنا شخصية أدبية عظيمة حاملاً معه الكثير من إبداعاته الأدبية والفنية ومجموعة من قصائده وأشعاره الشعبية الجميلة ، نستعرض ونقرأ منها ما استطعنا ونبحث في طياتها وبين سطور أبياتها عن معاني ودلالات فنية وأدبية رقيقة لنستخلص منها ثقافة شعبية وفصاحة عربية ونستمتع بما فيها من بلاغة التشبيهات وجمال التعريفات.
- شخصيتنا في هذه الرحلة هو الشاعر المغفور له باذن الله الوالد الشيخ/ صالح مجلي محمد عبدالله المؤرخ ميلاده في مدينة جبن العام 1892م تقريباً والذي دامت حياته قرابة 97 عاماً عندما وافاه الأجل بمكة المكرمة العام 1989م - لديه من الأبناء الذكور ثلاثة أبرزهم المرحوم الشيخ / عبد الرزاق صالح مجلي - شيخ مشايخ مديرية جبن وقائد المقاتلين المتطوعين من أبناء مديرية جبن الذين انطلقوا للدفاع عن الثورة والجمهورية إبان حصار السبعين لمدينة صنعاء ، وصاحب الرصيد النضالي الوفير الذي رافق مسيرة الثورة والجمهورية والوحدة اليمنية.
- كانت حياة شاعرنا المرحوم / صالح مجلي هادئة وبسيطة ، وتميزت شخصيته بسمات وصفات جليلة وحميدة ، فقد كان الدين الإسلامي منبته والمسجد مسكنه والزهد قوته والتقى لبسه والحلم والحكمة مشربه ، السماحة والحب عمله ، الصدق والوفاء طبيعته ، الحق والخير طريقه وصديقه والباطل والظلم عدوه ، الشجاعة والكرم من صفاته والاخلاص من سماته ، رضاء الله وحب الناس غايته والجنة ضالته وهدفه .
- هكذا قال عنه معاصري فترة حياته وهكذا نقلوا إلينا عنه وهكذا فهمنا من قصائده وأشعاره - إلى جانب اعتباراته الاجتماعية المتميزة ومكانته القبلية الرفيعة.
- بعض مقتطفات قصيدته التالية توحي لنا بدلالات عميقة لما نسب إليه من صفات حسنه - وقد نظمها احتفاءً وابتهاجاً لاستقبال أخيه علي مجلي - رحمه الله - يقول فيها بعد مطلعها بالذكر الكريم والصلاة على الرسول الكريم :
هذا التوسل قسم في البدع والمختم
وبه توسلت رأس العلم وازهاره
في كل مطلوب يتأخر ويتقدم
فيما قصدته وجدته طيب أذكاره
أول دعاء العافية والخير منكم جم
والستر والأمن والإيمان نختاره
ودلنا في علوم الدين نتعلم
نوحد الله تهليله وكباره
مع الصلاة التي هي علي تلزم
والصوم واوجب زكاة المال واعشاره
وحج بيت الحرم في كل عام أتمم
مع زيارة نبينا سعد من زاره
وارزاقنا من حلال المال تتراكم
من حيث لا تحتسب كسبه وسباره
حلال صافي مصفى قط ما يعدم
من طيًب المال والدرهم وديناره
والدعوة الثانية حبلك لنا نلزم
تلطف بنا من جميع الظلم واشراره
من كل نازل ومن شر البلى المبرم
يامن لك الطاف عند العسر يساره
واعوذ بالله من الشيطان واهل الذم
ومن جهنم ومن عدوان مكاره
ومن جميع المصائب شرها نسلم
من غلطة الدين من نقده وعساره
والدعوة الثالثة خليتها المختم
حتى مضى نصف ليلي واقبل اسحاره
أرجوك تجعل لسان المفتري ابكم
واذنيه فيها الصمم مقبوحة أشواره
مخذول منذول لا يكتب ولا يفهم
وفي عيونه عمى قد ضاعت ابصاره
والشاهد المفتري بما قصد يرجم
وفي الشريعة وجب ضربه وعزاره
يا شاهد الزور قد ربي صدق واحكم
قد جاز لعنك كما العبري وزناره
في المراحل الاخيرة من نظام حكم من بيت حميد الدين كانت جبن قد دخلت ضمن مناطق حكمها في الوقت الذي كان الشاعر المرحوم / صالح مجلي يتقلد أعلى منصب قبلي واجتماعي - شيخ مشائخ جبن - وبكل إمكانياته وجهوده فقد حاول منع الظلم والقهر عن المواطنين مما فرض عليه مسئوليات كبيرة أمام ولاة وعمال دولة الإمام، وخصوصاً ما يتعلق بالجبايات المفروضة على المواطنين في الوقت الذي لا تقوم الدولة حينذاك بواجباتها تجاه المواطنين - وهذا جعل شيخنا الجليل وشاعرنا الأديب الوالد المرحوم / صالح مجلي ينأى بنفسه عن ارتكاب هذا الظلم وفرض القهر على المواطنين في ظل دولة ظالمة ولم يسكت أو يتغاضى عن ذلك بل وجه كثيراً من الانتقادات والمعارضات لنظام تلك الدولة وولاة الإمامة - في القصيدة التالية يشرح ذلك الوضع وتلك المواقف بصورة أدبية جميلة وطريقة فنية بديعة - حيث يقول فيها :-
ياالله يامن عليك العبد يتوكل
يا خير مقصود يا غوثاه يا مطلوب
يقول أبو عزي الهاجس عليّ اقبل
وحرك الشوق شجاني وانا مكروب
ورًد علي وانا ساهر في المقيل
وقال ياصاح قد فرج كرب أيوب
خذ القلم والورق وارقم ولا تكسل
واطلب الهك وهو با ينقذ المحنوب
طيب وطب وانشرح يا صاح با تحتل
لابد ربك بسرعة ينصف المغلوب
وقلت لاباس والمشغول لا يشغل
دعني وحالي ولا تكثر فيّ المعتوب
شكواي يا أخ من خصلة بها لاسأل
مما توليته في الدولة بها مشغوب
هذه صوافي وهذا حاسب السبول
والباطنه قالوا المخلص معه مكسوب
وسلم الواجبات أضعاف تتحصل
وزكِ وادفع وسعًر واغل في المطلوب
والطايفي لا ورد قال اننا بأزعل
من شيخنا والأمين العاقل المنصوب
قد الرعايا فقارى جورهم حمل
وشد الأدوات من خوف البقاء مرعوب
وسرت با عاينه قالوا قدو قفل
بابه مغلق وماله عن قدوه مذهوب
أما الحكومة تقول ادفع ولا تزعل
وما دفعته قدوه لك في السند مكتوب
لما تراجع يقولوا اعذار ما نقبل
أنت المضمن رضى ولا قدك مغصوب
- وهنا تأتي حالة الرفض الصريح والامتناع القاطع للاستمرار أو تحميل الناس ما لا يطيقونه في الوقت الذي ظل متمسك بأرضه ووطنه والدفاع عن مصالح أبناء مجتمعه فيقول:
ما عاد ابى المشيخة والباطل اتحمل
والظلم والجور والتهديد والمعتوب
قد خير لي بعد ثوري زيد المبتل
ولا المهمات والحاسب في المحسوب
واحرث في الأرض وابتل واكبر المعول
والرزق با يوجده هادي بكير النوب
تسرح وظلت على الأزهار تتحنقل
وآوت على اجناحها تشرع عسل مصبوب
- ونتيجة لما آلت اليه الأوضاع جراء الظلم والتسلط وتغيرت أحوال الناس وتبدلت مراكزهم أمام الظرف الواقع والحكم الجائر في الوقت الذي أصبحت اتجاهات بعض أفراد المجتمع متعاكسة - وحول ذلك يضع شاعرنا أبياتاً من الشعر تتناول تلك الحالة ويفسرها بشكل أدبي جميل حتى أصبحت حكم وأمثال يتناولها الكثير ويطلقونها في بعض الحالات المشابهة - يقول :
قد جيت شاكي ولا انا في شكاي اهبل
من وقتنا كيف يا هذا يكون مقلوب
ذي كان مبناه واثق تبصره قلقل
وذاك ذي كان واهي بالزبر مضروب
فكرت في وقتنا والكل يتذلذل
حتى كلابه مثيل الجرم ذي مدروب
إن قلت حاكى جواده قالوا أنت اخبل
وإن قلت با مجده قالوا قدو معجوب
وإن قلت باقع قفى قالوا لي أنت أول
وإن قلت باقدم قالوا لجم المركوب
وإن قلت حرجز قصب قالوا نديش أفضل
وإن قلت با ندشه قالوا قدوه معصوب
وإن قلت باصمت يقولوا في الحكى سهل
وإن قلت حاكى فقالوا ذا الحكى مقلوب
ذا وقتنا في عيا كله عيا واشدل
لا هو تعدل ولا اقدرت اعصر السكروب
إني تحيرت ماحصلت له مفصل
هذا شكى وازهده كله درر مثقوب
- في خضم مشاكله وأوضاع وأحوال مجتمعه المتردية فإنه لم ينسى أو يتناسى أن يطرح ويعري الأسطورة التي اصطنعها الإمام لنفسه حينذاك ليتم بها تخويف الناس وتعميق فكرة انه يحكم بأمر الله الذي سخر له الجن وادعاء معرفته بما يدور بين الناس وذلك من خلال انه استخدم جهاز الراديو ( المذياع ) الذي لم يكن أحد من الناس يمتلكه ، وكادت هذه الأسطورة المصطنعه أن تخلق في نفسيات وعقول المجتمع حالة من الذل والخوف من قدرة الإمام وحكمه الباطل - وحيال ذلك فقد استخدم الشاعر المرحوم / صالح مجلي نموذجاً ادبياً جميلاً واسلوباً سهلاً رائعاً في تعريف الناس واظهار أكذوبة الأسطورة الإمامية وتم طرحها بلغة اللغز أو كما يسمى (بازل) ومن خلاله جعل المجتمع يتناول هذه الأسطورة الكاذبة بكل أبعادها ومعانيها حيث يقول :
والساع با احزيك من بازل نحيف أهزل
يجيب الأخبار يتكلم وهو محجوب
وله فصاحة وهو اعجم ولا يؤكل
بعض العرب يفهموا قوله على تجروب
والروم ذي تعرفه والترك والجرمل
كل الأمم يفهمو قوله على الأسلوب
وله خدم لو يفارقهم فلا يقبل
ولا يصدق حديثه عاده المسبوب
أحيان واثق وبعض أحيان يتخلخل
وأمين صادق وفي بعض الحكى مكذوب
أحيان ذي يمتلي واحيان يتعطل
واذا تكلم ففمه بالدماء مخضوب
حتى طعامه وشربه ليس يتماثل
قوته فلا يؤكله غيره وله مشروب
- ولم تكن الفترة طويلة بين ذلك الموقف الذي اتخذه المرحوم الشيخ صالح مجلي وقيام ثورة 26 من سبمبر62م ولم يفصل بينهما إلاّ أعوام ، حينها كان الشيخ صالح مجلي قد أحال مكانته القبلية التي كان يتبوأها باعتباره - شيخ مشائخ - إلى أخيه المرحوم الشيخ علي مجلي الذي بدوره أعادها إلى ابن أخيه المرحوم عبد الرزاق صالح مجلي - في الوقت الذي بقي الشيخ صالح مجلي رمزاً اجتماعياً شامخاً ومرجعاً قبلياً هاماً وحاكماً شرعياً عادلاً - في تلك الفترة كانت جبن تعيش في ظل الثورة المباركة وتحت راية الجمهورية الخالدة في حين ظهرت مرحلة جديدة كانت صعبة ومأساوية على أبناء المديرية جراء عملية التشطير واختلاف الرؤى السياسية لدى القادة العسكريين في الشطرين آنذاك والتي من نتائجها سقوط العديد من الشهداء وخصوصاً من خيرة الرجال من ضمنهم الشهيد الشيخ / محمد صالح مجلي ابن المرحوم صالح مجلي.
- حين ذلك كان الشعور والادراك لدى شاعرنا وإيمانه بأهمية الوحدة وضرورة العمل باتجاه تحقيقها يتنامى يوماً بعد يوم مما كان لهذا الهدف العظيم حيزاً من اهتمامات الشاعر المرحوم صالح مجلي وخصص جزءاً من قصائده وأشعاره للدفع بهذا الاتجاه - منها قصيدته التي يقول فيها :
يارب لطفك باليمن
من كل فتنة أو صدام
وحّد قلوب الرجال
وحده قواعدها السلام
وحدة قوية شاملة
تزيح كل الانقسام
وحدة أماجد صادقه
وحدة أخوة واحترام
وحدة لتقرير المصير
بدون حرب أو خصام
- في تلك القصيدة الوحدوية يرى شاعرنا انه لابد أن يكون لما ينادي به جموع اليمنيين لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية مرتكزات أساسية ومبادئ ثابتة منطلقة من أهداف ومبادئ الثورة اليمنية - فيقول :
وحدة من الإيمان والحكمة
مبادئها دوام
وحدة على الشورى ولا
فيها تناحر أو زحام
وحدة سيادة واحدة
جمهورية ما شي كلام
وحدة يقررها اليمن
بكل عزمٍ واهتمام
وحدة يمانية سليمة
ليس للخارج كلام
وحدة معانيها الوفاء
مع العروبة في القيام
وحدة ترى أن التدخل
في سيادتها حرام
- وفي سياق آخر ومنهل جديد من مناهل شاعرنا المرحوم / صالح مجلي ينبلج منه حقيقة العلاقة الروحانية التي ربطته بخالقه عز وجل - حين نقرأ هذا الجانب من حياته لابد من تصفح قصيدته الرائعة المشهورة ذات الحكاية الجميلة والأُمنية المتحققة في اختيار طريقة وموعد ومكان لقاءه بربه
- الشيخ / إبراهيم عبد الرزاق مجلي - شيخ مشائخ جبن حفيد شاعرنا المرحوم - يقول :- لم أجد احساساً أصدق من احساس الوالد المرحوم صالح مجلي ولم التمس عاطفة أرحم من عاطفته وحبه للآخرين وخصوصاً الأطفال وبالذات اليتامى منهم - وحول قصيدته التالية يضيف :- عندما دنى أجله وقربت ساعة انتقاله إلى جوار ربه كان قد عزم الرحيل نحو الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج بالرغم من قيامه بذلك مرات عديدة - وقبل أن يغادر البلاد كان قد نظم قصيدة جميلة بعبارات نوعية وكلمات فريدة تحمل معاني إيمانية بديعة وتقاسيم فنية وأدبية نادرة مستقاة من أصل لغتنا العربية الفصيحة - تقول أبياتها الأولى
ياالله يارب يا س ا م ع
يا عالم الغيب يامن للدعاء سامع
يا باسط الأرض وانته ر ا ف ع
طباقها العالية تعدل هوى الرافع
ياالله عبدك محير ف ا ز ع
ومن معاصي وزلات العمل فازع
يا رازق الطير تسرح ج ا و ع
متوكلة قاصدة يا مشبع الجاوع
وجملة الخلق فضلك و ا س ع
وارزاقهم وحدك من جودك الواسع
ü ولكي نبقى ونستمر في قراءة باقي أبيات القصيدة لابد من الاشارة إلى بعض جوانبها الفنية والأدبية - فقد استخدم الشاعر نوعاً أدبياً جديداً اعطى القصيدة نكهتها الجميلة واعطى القارئ تذوقاً فنياً بديعاً وانفرد بلغة أدبية رائعة ، فنجد أن الكلمة في آخر الشطر الأول من البيت قد وضعت بشكلها الحرفي في الوقت الذي يجب أن تنطق تلك الكلمة بحروفها وليس بجمل حروفها بينما نجده يجعلها في آخر الشطر الثاني من نفس البيت مكتملة الحروف والكلمة - فالشطر الأول يكون عند النطق يا الله يا رب يا سين الف ميم عين - ليأتي بعدها الشطر الثاني من البيت - يا عالم الغيب يامن للدعاء سامع.
üهكذا تاتي بقية الأبيات التي تبين حالة الارتباط الإيماني والروحاني لدى الشاعر يعبر عنه من خلال ابتهالات عبودية يتوجه بها الى الخالق عز وجل فيقول:
وقد انا باب عفوك ق ا ر ع
ولا يرد الملوك السائل القارع
وان كان عفوك لمن هو ط ا ي ع
فالمذنب العاصي أحوج من الطايع
وان كنت ما تقبل إلاّ خ ا ش ع
فقاسي القلب يدخل في الدعاء خاشع
اقبل دعائي وكن لي د ا ف ع
حافظ وناصر ومن كل البلاء دافع
ومن تحدى لي اصرف يا ف ا ج ع
وزعله بالبلايا أعظم لهم فاجع
بحق قايم وساجد و ر ا ك ع
ختم النيين طه الساجد الراكع
والحمد لله حمداً ن ا ف ع
حمداً عدد ما خلق في الأرض هو نافع
üلأن هذه القصيدة تعتبر من أروع قصائد الشاعر المرحوم فانه لم ينسَ ان يكشف فيها عن شخصيته وأن يتباهى ويفتخر بنسبه وأصله العربي الإسلامي فيقول:
وبعد ذلك يقول ال ب ا د ع
الحاج صالح مجلي نعم من بادع
نجل الصناديد كمن ب ا ر ع
من نسل ويس المحمد ناصر البارع
وينتسب بالأصول إلى ش ا ج ع
وينتسب بالزبير الفارس الشاجع
نسب مقرر محقق و ا ق ع
في التواريخ عند أسلافنا واقع
- من هنا فإن الهدف الحقيقي من صياغته تلك القصيدة تظهره لنا بقية أبياتها التي يتغنى فيها بجمال مدينة الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) وطهارة الكعبة المشرفة وينسب إليها كلمات ومعاني من التغزل والحب وكأنه يداعب ويتأمل في جمال وروعة حبيبته في الوقت الذي تكويه نار الشوق واللهفة جراء البعد عنها - فيقول:
البارحة نور عيني ن ا ش ع
ناشف ويابس مثيل المزمل الناشع
والقلب يرعد وبرقه ل ا م ع
من عارض الزحم يارافع اللامع
وقمري البان صوته س ا ج ع
من فوق الأغصان غنى القمري الساجع
سمعت هاجس يخاطب س ا ر ع
إن كنت عاشق لغزلان الفلا سارع
وقلت يا صاح قدني ج ا ز ع
وللسفر عند ذاك النهر ذي جازع
حتى رأيناه بنوره ط ا ل ع
أبلج متوج كما بدر القمر طالع
ناديتها بطول صوتي ر ا ف ع
هل ترحموا من قصد منزلكم الرافع؟
هل تشتروا عبد إني ب ا ي ع
نفسي خذوها أنا مملوك لكم بايع
نشقتها وان قدني ش ا ب ع
مع اشتياقي لها قد صرت انا شابع
وريحها في ثيابي ط ا ب ع
روائح المسك فيني منها طابع
واقسمت بالله أننا ق ا ن ع
من كل محبوب من دونك انا قانع
إلا محبة الهي ج ا م ع
مع حبيبي وديني حبهم جامع
ناجهم كون داعي ر ا ج ع
طول المدى كلما فارقتها راجع
وازكى صلاتي عليك يا ش ا ف ع
نبينا المصطفى هو ذي لنا شافع
- لم تكن تلك الكلمات والأبيات الرقيقة ذات المعاني لصفات جليلة تنطلق من صدر أجوف وانما كانت منبعثة من عقل وقلب اختزل كثيراً من الحب والإيمان وصدق المشاعر وحلاوة الفن والأدب ، وروحاً تعلقت بأمنية لقاء الحبيب المصطفى ( صلى الله عليه وسلم) على أرض الطهارة والقداسة .
- وما أن أتم شاعرنا المرحوم / الشيخ صالح مجلي جميع مناسك الحج وقام بأداء الشعائر الدينية وزيارة قبر الرسول الكريم كان الله سبحانه وتعالى قد استجاب لدعائه وحقق أمنيته ورفع روحه الطاهرة إلى سماواته الرفيعة ليبقى جسده ويدفن في الأراضي المقدسة ( أحب بلاد الله إلى الله ورسوله ) كما كانت هي وصيته.
- رحم الله الوالد الشاعر الشيخ / صالح مجلي الذي كانت جذور شجرته أصيلة وطيبة أنبتت ثماراً أدبية نادرة متجددة منها ذلك الأديب والقاص الأستاذ/ عبدالناصر مجلي - رئيس تحرير صحيفة الأمة - الصادرة بالولايات المتحدة الأمريكية باللغتين العربية والإنجليزية - وذلك الأديب المتألق والشاعر الصاعد / سلطان مجلي الذي أبهر بإبداعاته وأعجب بقصائده وأشعاره لجنة حكام مسابقة (شاعر المليون ) المنقولة عبر قناة أبو ظبي الفضائية.
- حتى نلتقي في الرحلة القادمة تظل دعواتنا بالرحمة والمغفرة متواصلة ومستمرة في انتقالها إلى روح شاعرنا الحاج صالح مجلي .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.