غضب واسع من إعلان الحوثيين إحباط محاولة انقلاب بصنعاء واتهام شخصية وطنية بذلك!    لملس يفاجئ الجميع: الانتقالي سيعيدنا إلى أحضان صنعاء    "مشرف حوثي يطرد المرضى من مستشفى ذمار ويفرض جباية لإعادة فتحه"    "القصاص" ينهي فاجعة قتل مواطن بإعدام قاتله رمياً بالرصاص    "قلوب تنبض بالأمل: جمعية "البلسم السعودية" تُنير دروب اليمن ب 113 عملية جراحية قلب مفتوح وقسطرة."    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    تضامن حضرموت يحلق بجاره الشعب إلى نهائي البطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت بفوزه على سيئون    رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم    مجلس وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل يناقش عدداً من القضايا المدرجة في جدول أعماله    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    المنخفض الجوي في اليمن يلحق الضرر ب5 آلاف أسرة نازحة جراء المنخفض الجوي باليمن    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    تشيلسي يسعى لتحقيق رقم مميز امام توتنهام    الصين تبدأ بافتتاح كليات لتعليم اللغة الصينية في اليمن    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    بن الوزير يدعم تولي أحد قادة التمرد الإخواني في منصب أمني كبير    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    غارسيا يتحدث عن مستقبله    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    القرءان املاء رباني لا عثماني... الفرق بين امرأة وامرأت    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تفاصيل النشأة وخفايا التمويل
التمرد الحوثي ..
نشر في الجمهورية يوم 04 - 02 - 2007


- عادل الأحمدي
كان اندفاع اليمنيين، أثناء وعقب ثورتهم على المشروع الإمامي، كفيلاً بجعل مثل هذا المشروع ذليلاً في نفوس البقية التي تضررت مصالحها بذهاب الحكم الإمامي المتوكلي.لكن عوامل جمة حالت دون أن يكتمل الدور الثقافي للثورة،كما اكتمل الدور السياسي والعسكري،وكان السبب، وراء ذلك ، انشغال اليمنيين في مشروع الوحدة،واحترابهم فيما بينهم بسبب بقاء الوضع التشطيري،رغم ذهاب المحتل البريطاني ورحيل آخر جندي من عدن في الثلاثين من نوفمبر 1967م،ثم المضاعفات التي أحدثتها الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي وكانت اليمن إحدى نقاط التماس في هذه الحرب..
وفق ذلك كله،وتفاعلاً مع قيام الثورة الإسلامية في إيران،عاود أصحاب المشروع الجارودي نشاطهم على أقل من المهل،وبدأ أول تحرك مثمر ومدروس في العام 1982م على يد العلامة "صلاح أحمد فليتة" في محافظة صعدة،والذي أنشأ في العام 1986م "اتحاد الشباب"وكان من ضمن مايتم تدريسه مادة عن الثورة الإيرانية ومبادئها يقوم بتدريسها "محمد بدرالدين الحوثي"وفي العام1988 تجدد النشاط بواسطة بعض الرموز الملكية التي نزحت عقب ثورة 1962م وعادوا بعد ذلك وكان من أبرزهم العلامة "مجد الدين المؤيدي" والعلامة "بدرالدين الحوثي"ويعد الأخير هو الزعيم المؤسس للحركة الحوثية والأب الروحي لها،وليس ابنه حسين أو غيره سوى قيادات تنفيذية ،فيما العلاّمة بدر الدين هو المرشد والمفتي والزعيم.
تحولت هذه الأنشطة إلى مشروع سياسي مع قيام الجمهورية اليمنية 22مايو1990م وإقرار مبدأ التعددية الذي دفع الأطراف السياسية اليمنية إلى الخروج من عباءة السر إلى واقع العلن، فقد أعلن قيام ما يزيد عن60حزباً في اليمن تمثل أطياف التوجهات القومية واليسارية والإسلامية والليبرالية،فيما تمثلت الأحزاب الشيعية في "حزب الثورة الإسلامية،حزب الله ،حزب الحق ،اتحاد القوى الشعبية اليمنية"وقد توارى الحزبان الأولان«حزب الثورة،حزب الله» ،فيما بقي في الساحة حزب الحق واتحاد القوى الشعبية،وكان أكبر مهرجان لحزب الحق في منطقة «الحمزات» تحت مسمى «مخيم الفتح» واستمر لمدة أسبوع ظهرت على هامشه الخلافات بين "حسين بدرالدين الحوثي"و"حسين يحيى الحوثي".
منتدى الشباب المؤمن
وقد تشكلت نواته الأولى في العام 1992م على يد"محمد سالم عزان"و"محمد بدرالدين الحوثي" وآخرين،.ثم حدث انشقاق في صفوف هذا المنتدى،أوبالأصح،انقلاب أبيض،سيطر بموجبه"حسين بدرالدين الحوثي"على المنتدى ومعه" عبدالله عيضة الرزامي" و"عبدالرحيم الحمران"بالإضافة إلى"محمد بدرالدين الحوثي"..في العام 1997م تم تحويل الإسم من مدلوله الثقافي الفكري،كمنتدى ،إلى المدلول السياسي حيث أصبح "تنظيم الشباب المؤمن" وتفرغ له حسين بدرالدين عازفاً عن الترشح في مجلس النواب،تاركاً المقعد،الذي كان يشغله، لأخيه يحيى بدرالدين الحوثي..فيما برز والده بدرالدين الحوثي كمرجعية عليا للتنظيم،وتم إقصاء " المؤيدي" و"فليتة".
وحدثت على إثر ذلك خصومات واتهامات وتبرؤات بين كلا الطرفين اتهمت فيها جماعة المؤيدي تنظيم الشباب المؤمن بالانقلاب على مبادئ الزيدية،فيما كان الأخيرون يتهمون جماعة المؤيدي بالتحجر والجمود، وبالميل إلى الأفكار "الشوكانية".
الخلاف مع الحزب
كانت تلك التحركات جزءاً من التسلسل الزمني لتشكل الشباب المؤمن،ويلاحظ أنها تزامنت في بدايتها مع انشغال النظام بما عُرف بحركة التخريب في المناطق الوسطى الذي قامت به" الجبهة الوطنية الديمقراطية"المدعومة آنذاك من النظام الماركسي المناوئ له في عدن مطلع الثمانينات،تلك الجبهة التي كانت تشن على النظام حرب المناطق الوسطى من اليمن،وكان من بين أجندتها الثقافية تشجيع قبائل الشمال على إحياء «الزيدية» بوصفها مذهباً ثورياً يجيز مبدأ الخروج على الحاكم،وذلك بغرض توليف عوامل التوتر على نظام صنعاء،ووجد مثل هذا التشجيع شيئاً من الحضور على مستوى بعض النخب المثقفة.
كان الهدف الأساسي الذي سعى وراءه أصحاب الفكر الإمامي الشيعي من حركة البعث تلك، الحفاظ على الفكرة من الاندثار والانقراض،وتطورت هذه الحركة بعد ذلك بسند من الثورة الإيرانية لتغدو مشروعاً سياسياً عريضاً على يد«الحركة الحوثية" ،تلك التي لايمثل أتباع حسين بدرالدين الحوثي سوى جناح فكري وقبلي فيها.
في العام1990 قامت الوحدة اليمنية بين شطري البلاد وتزامنت مع إقرار التعددية السياسية والحزبية حيث برزت القوى السياسية إلى السطح بعد أن كانت تزاول نشاطها سرياً تحت مظلة المؤتمر الشعبي العام الذي أسسه الرئيس/علي عبدالله صالح في 24أغسطس 1982م.
أصحاب المطلب الشيعي تكتلوا عبر تنظيمات عدة،كما أسلفنا،منها"حزب الحق"برئاسة مجدالدين المؤيدي ونيابة بدرالدين الحوثي،وأصدر علماء الحزب بياناً يقرون فيه بالتعددية السياسية وبحق جميع أبناء الشعب في الحكم دون تمييز،كان الحلم أيامها عريضاً في أخذ موقع متميز بين أطراف المعادلة السياسية وفق القواعد الجديدة للعبة..لكن قواعد اللعبة الجديدة خيّبت تلك الآمال،وأفرزت في أول انتخابات برلمانية في دولة الوحدة 27ابريل 1993م تعزيزاً لموقع "المؤتمر الشعبي العام" و"الحزب الاشتراكي اليمني"«وهما محققا الوحدة» في حين حقق "الإخوان المسلمون"متمثلين ب"التجمع اليمني للإصلاح" موقعاً قوياً بحصدهم المركز الثاني ،فيما لم يحصل "حزب الحق"إلا على مقعدين اثنين فقط من جملة 301 مقعد هي قوام البرلمان اليمني وكلا المقعدين من محافظة "صعدة"،أحدهما دائرة "حسين بدرالدين الحوثي"، والآخر دائرة "عبدالله عيضة الرزامي" ،وكلاهما لم تنته تلك الدورة البرلمانية إلا وقد قدما استقالتهما من حزب الحق.
عوامل عدة اسهمت في استقالة الرجلين ،منها ما يتعلق بأوضاع داخلية في الحزب،أهمها تتعلق بتنازع الصلاحيات وتضارب الرؤى بين كل من جناح المؤيدي رئيس الحزب وجناح نائبه بدرالدين الحوثي،وأخرى للمذهب،مقدماً جملة من الأفكار والمعتقدات الأثنى عشرية مع قيامه بشن حملات حادة ضد علماء الجناح المؤيدي تتهمهم بالتساهل في الحفاظ على "المذهب"وبالتراخي والقعود عن تبليغه ونشره ،ثالث تلك الخلافات،التي أدت إلى استقالة حسين بدرالدين الحوثي وعبدالله الرزامي،تتعلق في اعتقادي برؤاهم التي تشكلت جرّاء تعرفهم على حقيقة حجم القوى السياسية وحضورها،شعبياً ،وفي البرلمان ،مايجعل من الاستمرار في المشروع السياسي عبر قناة"حزب الحق"أشبه "بالحرث في بحر"..هذ الإحساس جاء مصداقاً لنظرية "بدرالدين الحوثي" الذي لايرى طائلاً من المشاركة السياسية عبر التنافس التعددي، وهو شعور خامَرَ جزءاً لابأس به من أتباع الحزب،فانسلخ جزء كبير منهم وانضموا للحزب الحاكم،فيما انضم البقية إلى تنظيم الشباب المؤمن.
في بداية الأمر،كان الصعود المتنامي لتنظيم الشباب المؤمن بقيادة الحوثي ،يتم على حساب الحجم السياسي والشعبي لحزب الحق بقيادة المؤيدي،ورجح من كفة تيار الحوثي استغلاله الدعم الإيراني المخصص لتصدير الثورة إلى اليمن وكان في بداية الأمر دعماً فكرياً أكثر منه مادياً،ما أدى إلى معارك فكرية عدة بين الشباب والشيوخ أصدرت خلالها بيانات التبرؤ من "تنظيم الشباب المؤمن"،ومن أطروحاتهم الرامية للانقلاب على المذهب.
لكن شوكة التنظيم مافتئت أن قويت وغلب زخمها على ماعداه، خصوصاً في ظل أحداث وعوامل تترى على صعيد اليمن وخارجها أصبح بموجبها "تنظيم الشباب المؤمن"ورقة هامة في يد التيار الحوثي يساوم بها الحزب«والدولة بعد ذلك» على مطالبه ورؤاه.نستشف ذلك من رسالة وجهها كل من حسين الحوثي وعبدالله الرزامي إلى أمين عام الحزب العلاّمة أحمد الشامي تتضمن مقترحات لإنعاش عمل الحزب،وعرضاً بأن يكون "الشباب المؤمن" في صف حزب الحق،بل تقترح الرسالة أسماء اعضاء اللجان المنبثقة عن الحزب وتضع التصورات للائحة المالية،لكن الحزب يبدو أنه لم يستجب لتلك المقترحات،فما كان من الرجلين إلا أن قدما استقالتهما مع آخرين بعد عشرين يوماً على تاريخ تلك الرسالة.
لعبة التوازنات
بمجرد قيام الوحدة اليمنية1990م على يد كل من المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، سعى كل منهما إلى استمالة الأحزاب الأخرى إلى صفه سعياً من كل منهما إلى تقوية حضوره،ولما كان الأخوان المسلمون«التجمع اليمني للإصلاح» حليفاً تاريخياً للمؤتمر الشعب وأداة تأثير فكرية ودينية استعملها المؤتمر منذ بداية الثمانينات ضد شريكه الحزب الاشتراكي،فإن الأخير سعى هو الآخر لكسب حليف فكري مضاد فقام بتشجيع حزب الحق وتقويته عملاً بمبدأ لعبة التوازنات المعروفة في تزاحمات الساسة،وكان الحزب قد استغل الحركة الحوثية ذاتها في صراعه مع شريك الوحدة «المؤتمر» في الفترة الانتقالية ،وتفعلت رابطة النسب العلوي لكل من "بدرالدين الحوثي"وزعيمي الاشتراكي "علي سالم البيض"و"حيدر أبوبكر العطاس" لتفضي إلى تأييد حوثي للانفصال،وحدثت عقب حرب94 مناوشات بسيطة في صعدة من قبل اتباع الحوثي،وانتهى الأمر بحملة عقب الحرب دمرت منزل بدرالدين الحوثي وخرج على إثرها إلى لبنان وإيران قبل دخول وساطة في الخط أعادت الرجل إلى اليمن في العام 1997م.
بعد خروج الحزب الاشتراكي اليمني من السلطة بفعل حرب الانفصال مايو يوليو 1994م ،انفرد حزبا المؤتمر الشعبي العام والتجمع اليمني للإصلاح بالسلطة،وتفرغ كل منهما إلى توسعة حضوره وتقليص الآخر قدر المستطاع..وهي معركة تفوّق فيها المؤتمر إلى حد كبير جداً وأزاح شريكه تماماً من السلطة عبر انتخابات 1997التي حاز فيها المؤتمر الأغلبية المريحة،فيما خسر الإصلاح قرابة10 مقاعد وانضم إلى خانة المعارضة..الشاهد في المسألة أن الحزب الحاكم بدا له استغلال الشباب المؤمن لضرب خصمين في وقت واحد:"حزب الحق" و"تجمع الإصلاح".
العوامل الخارجية
كان غزو العراق للكويت 2 أغسطس 1990م ،والحرب الدولية التي شنت ضده مطلع91،ثم حالة الحصار والضربات الجوية المتواصلة عليه...كل ذلك التدهور في الوضع العراقي كان يقابله تقوّ من جانب إيران التي تبنت،ومنذ قيام ماعرف ب«الثورة الإسلامية» ،مبدأ تصدير الثورة الشيعية إلى الوطن العربي والعالم الإسلامي."وإذا كان العراق مثّل سداً منيعاً ضد التوسع الشيعي في منطقة الخليج..فإن نظام إيران لم يتخل عن تواصله بالأقليات الشيعية في الخليج والجزيرة عموماً ،بل سعى جاهداً إلى تصدير الفكر الشيعي إلى دول أخرى،وقد شكلت الأرضية المذهبية «الهادوية» في اليمن محضناً خصباً لهذا التغلغل الشيعي خاصة بعد حرب الخليج الثانية وتدمير العراق،وبذلت الدبلوماسية الإيرانية جهداً مكثفاً حيث توجهت الأنظار إلى اليمن كلاعب إقليمي ناشئ ومؤثر،وكانت مخيّرة بين دعمها حزب الحق ودعمها للشباب المؤمن،وكان الحظ حليف هذا الأخير كونه يتواءم،حسب اعتقادي،مع طبيعة سيناريو التغيير الذي سيطال المنطقة والذي بدأت تتكشف ملامحه بعد سقوط بغداد«مارس 2003».
النقلة الكبرى في آلية عمل التنظيمات الشيعية في المنطقة تمت عقب هجمات 11سبتمبر 2001م وما أحدثته ردود الفعل الأمريكية إزاء تلك الهجمات من إقصاء للمنابر السلفية وبعض المنابر الإخوانية تحت فزاعة الإرهاب وجوانتانامو...وكذا تأثيراتها من حيث موجة الاستياء والكراهية ضد أمريكا التي اتخذت من 11سبتمبر «قميص عثمان» لتعزيز سيطرتها في الخليج والعالم أجمع،ومن ثم،سعيها لإسقاط نظامي «طالبان» في أفغانستان و«صدام » في العراق.
على عاتق ذلك كله انتهزت التنظيمات الشيعية في الوطن العربي،ومنها تنظيم الشباب المؤمن،هذا الغياب المنبري لأطراف العمل الإسلامي السلفي والإخواني،ورفع التنظيم ماعُرف بعد ذلك ب«الصرخة» وهي: "الله أكبر ،الموت لأمريكا ،الموت لإسرائيل ،النصر للإسلام،اللعنة على اليهود ".وتحت هذا الشعار تم حشد الآلاف من الشباب الناقم على الجبروت الأمريكي المتغطرس،وانتقل عمل التنظيم من طابعه الفكري إلى طابعه السياسي،وتحت هذه اللافتة تم التجييش الداخلي للتنظيم والتعبئة المواكبة لقبائل في صعدة وماجاورها.
وبين عامي 1999 2004 بدأ نشاط «تنظيم الشباب المؤمن» يأخذ طابعاً عسكرياً إلى جانب تكثيف الدور الثقافي عبر المخيمات الصيفية ،وخلال هذه الفترة توسع نشاط التنظيم في أرجاء محافظة صعدة،ثم افتتحت العديد من الفروع في محافظات الجمهورية؛ ففي صعدة وحدها 24مركزاً،عمران 6مراكز،المحويت 5مراكز،حجة 12مركزاً،الأمانة 5 مراكز،ذمار 7مراكز،إب مركز واحد،وكذلك تعز ،بينما في محافظة صنعاء 4مراكز،إلى ذلك تم إنشاء الجمعيات الخيرية والتعاونية التي تصب مواردها في دعم التنظيم وأنشطته،مضافاً إلى ذلك الموارد المالية من أطراف العمل الشيعي في الخارج،وكذا دعم مؤسسة الحسني بجدة التابعة لبيت حميدالدين،وسنأتي على ذلك في مكانه.
وفي الفترة ذاتها 19992004حدثت أوسع عملية تغلغل في المرافق الحكومية وأجهزة الدولة المدنية منها والعسكرية،مع تركيز موازٍ على المرافق التعليمية في محافظات صعدة،عمران، حجة، صنعاء والجوف، وخصوصاً أثناء حركة الدمج بين المدارس الحكومية والمعاهد العلمية التي كان يشرف عليها حزب الإصلاح.
وتمثلت سمات هذه المرحلة بالتالي:
التهيئة النفسية: وذلك من خلال التعبئة المستمرة بحتمية المعركة وبعمالة النظام،ولاشرعيته،وفي إبراز النموذج الخميني كنموذج للعزة والخلاص..وفي هذا الإطار كان لحسين بدرالدين وحده 43 ملزمة مابين كتيب ومحاضرة،كان أهمها"الصرخة في وجه المستكبرين ،خطر دخول أمريكا اليمن،الإرهاب والسلام ،لاعذر للجميع أمام الله،(ولن ترضى عنك اليهود ولاالنصارى حتى تتبع ملتهم)،حديث الولاية كلمة في عيد الغدير17ذي الحجة 1423ه مسؤولية أهل البيت ،لتحذون حذو بني اسرائيل...وغيرها" ،رافق ذلك تهيئة نفسية في أنَّ "سيدي حسين" مستهدف من قبل أمريكا وإسرائيل، فكان يتخذ الحرس ويموّه أماكن تواجده...إلى جانب ذلك كانت تُرفع أعلام «حزب الله» ويردد الشعار بدلاً عن النشيد الوطني في طوابير الصباح بالمدارس الخاضعة لإشراف الحوثي، وبمجهود مساوٍ نشطت مراكز الشباب المؤمن في العاصمة،وصدرت الكتب والتسجيلات وأقيمت اللقاءات ضمن حركة متنامية ومتناسقة تتضمن النقد الحاد للمذهب الزيدي والهجوم على رموزه،وتدريس المذهب الجعفري والترويج له ولأفكاره وشخوصه وهيئاته،علماً أن بعض من وقعوا تحت تأثير هذه الحملة يؤرخون العام 1997م كعامٍ للانتقال الفعلي من الهادوية الجارودية إلى الجعفرية الاثني عشرية.
التهيئة القتالية: وتمثلت في ابراز مظاهر القوة والكثرة في أعياد عاشوراء والغدير.وكذا إلهاب الحماس الثوري والدعوة إلى شراء الأسلحة،حيث كان السلاح شرطاً في قبول العضو في التنظيم،وكذا تجميع الموالين القادرين على القتال من أبناء القبائل،وإقامة المناورات القتالية والتدريب على الرماية،وتنفيذ المناورات التي كانت تُخلفُ في بعض الأحيان جرحى يتم التستر عليهم،كما تم خلال هذا تكثيف الحراسات،والتفتيش ،واتباع نظام صارم في المُلايلة والمناوبة والمراسلة،وكذا بناء التحصينات والكهوف والأسوار والأفخاخ وشراء البزات العسكرية،وصولاً إلى تقسيم «صعدة» إلى مناطق عسكرية توزعت فيها"المليشيات".
وحسب بعض الوثائق التي تم العثور عليها مع أنصار الحوثي فإن صعدة تقسمت بحسب الخطة الحوثية إلى ثلاث مناطق قتال:الرزامات،آل شافعة،آل النمري،فيما كانت أهم مناطق التمركز هي:جبل القوازي،شعب الوشل،الحصن،جبل حضيفة،ذات السبيل،جبل أيوب،جبل القدم ، جبل أم عيسى.. واحتوت هذه النقاط على 14 موقعاً،في كل موقع يتمترس مابين 45 أشخاص..
من الناحية الإعلامية بدأ التصعيد بإرسال مجموعات إلى العاصمة بغرض ترديد «الصرخة» في«الجامع الكبير» والتأكيد للشباب الذين يذهبون لهذا الغرض،أنه سيتم اعتقالهم،والتشديد على ضرورة عدم كتابة تعهدات للسلطات حال الإفراج عنهم.
المناوشات الأمنية :أمنياً تم رصد 45 اعتراضاً على الأطقم الأمنية فصلها تقرير وزير الداخلية المقدم لمجلس النواب والذي فيه قيام الحوثيين بمهاجمة مرافق حكومية منها القصر الجمهوري بصعدة،وكان ذلك بعد أسبوع على قيام المواجهات المسلحة مع السلطات.
وكان أول ظهور لما عُرف ب"الصرخة"في يوم 17يناير2002م عقب محاضرة ألقاها حسين بدرالدين الحوثي في مدرسة الهادي بمنطقة مران،بعنوان "الصرخة في وجه المستكبرين" تطرق خلالها إلى الطغيان الأمريكي والمنطقة والهوان الذي تعاني منه الشعوب العربية والإسلامية، وهاجم فيه تواطؤ الحكام،وأشاد بموقف إيران وحزب الله،مستعرضاً الآيات القرآنية الداعية إلى الجهاد،ومفضياً إلى ضرورة مواجهة الجبروت الأمريكي الإسرائيلي بترديد شعار"الله أكبر ،الموت لأمريكا،الموت لإسرائيل،اللعنة على اليهود،النصر للإسلام» وموجهاً الأتباع إلى ضرورة ترديده في المساجد ،مشدداً على ضرورة ألاّ تتجاوز ردة فعلهم الجهادية ضد أمريكا مسألة ترديد الشعار.
أبان"الشباب المؤمن" عن نفسه من خلال ترديد الشعار في مساجد عدة في كل من صعدة وحجة وعمران والجوف وصنعاء،وصولاً إلى أمانة العاصمة،حيث تم ترديده في الجامع الكبير عقب كل جمعة بالتزامن مع حملة الإدارة الأمريكية في مواجهة موجة الكراهية ضد الولايات المتحدة،الأمر الذي أدى إلى اعتقالات متتالية لمن يقومون بترديد الشعار في الجامع الكبير،حيث تذكر صحيفة «الأمة» الناطقة باسم "حزب الحق" في أحد أعدادها أن عدد المعتقلين بلغ ما يقارب 600معتقل.
الرئيس وأثناء ذهابه لأداء فريضة الحج الموسم1424ه وقف أمام الشعار وجهاً لوجه واستلفته الطريقة التي كان يردد فيها"والتي لاتخدم بأية حالٍ مضمون ذلك الشعار».
فتيل الأزمة
الأرجح أن النقطة الأولى في الأزمة تعود إلى أول ترديد للشعار«الصرخة» خارج محافظة صعدة وتحديداً في الجامع الكبير بأمانة العاصمة وماتبعه من اعتقالات ،غير أن سماع الرئيس لطريقة ترديد الشعار أثناء صلاة الجمعة على طريق رحلته إلى أداء فريضة الحج 1424ه كان المحطة الأبرز في تطور الأزمة،حيث شعر الرئيس أن المسألة تتجاوز موقف إعلان الرفض للهيمنة الامريكية إلى ماهو أبعد من ذلك،حيث بدا وكأن أتباع الحوثي يريدون إيصال رسالة للرئيس أكثر منها للولايات المتحدة.
اللافت هو أنه لا توجد رواية حوثية متماسكة تشرح بدء الأزمة ومحطات تطورها،والمقصود عدم وجود رواية على غرار رواية الرئيس صالح التي شرحها أثناء لقائه بالعلماء 3/7/2004م حيث بدت أفكار الرئيس مرتبة ولمس من سمع ذلك الحديث أو قرأه قدراً عالياً من حرص الرئيس على ايراد الحقيقة .. ليس ثمة رواية تفصيلية تناقض ماقاله الرئيس أو تلتقي معه في بعض النقاط وتختلف في البعض الآخر،الحوثيون بدورهم لاينساقون حتى وراء مناقشة الحيثيات التي أوردها الرئيس،مؤكدين على نقطة واحدة في كل مرة: وهي أن الدولة تمنعهم من قول الشعار،وزاد الحوثي الأب في حواره الشهير مع صحيفة «الوسط» أن قال إن سبب المواجهات هو أن الرئيس يخاف من أن يأخذ عليه حسين الولاية العامة.
فتيل المواجهة
حسب كلام الرئيس فإن المواجهة اندلعت بعد مضي عام ونصف على اندلاع الأزمة،كما تخبرنا أيضاً بعض الأنباء المنشورة في مواقع خبرية الكترونية «الصحوة نت» مثلاً بأن مواجهات وصدامات حدثت في صعدة قُبيل الحملة العسكرية على مران 18/6/2004م بأشهر،وكانت لها علاقة بترديد الشعار والنزاع على المساجد والحوادث الأمنية المصاحبة للطقوس الأثني عشرية،ومع تكرر تلك الصدامات وتكرر الاعتداء على أفراد من الأمن في بعض النقاط الأمنية في محافظة صعدة قررت السلطات المحلية استدعاء حسين بدرالدين الحوثي لاستفساره عن أسباب هذه الصدامات ولسماع أقواله حول علاقته بهذه الأحداث الأمنية من عدمها،وفي كل مرة كان يرفض الحوثي الحضور والامتثال لأمر السلطات المحلية،مااضطر قيادة أمن المحافظة بالتواصل معه وباءت المحاولة بالفشل،ثم قام محافظ صعدة،سابقاً،العميد يحيى العمري بمحاولة باءت هي الأخرى بالفشل..ترقى الأمر حتى وصل إلى رئيس الجمهورية، الذي قام بإيفاد الرسل إلى حسين بدرالدين لإقناعه بلقاء الرئيس في صنعاء وله الرأي والأمان..ورد على ذلك بأنه سيفد إلى صنعاء بطريقته الخاصة تجنباً من استهداف امريكا واسرائيل له،فوافق الرئيس على ذلك،لكن اسابيع مضت من غير أن يفد الرجل إلى دار الرئاسة في نفس الوقت الذي تصاعدت فيه وتيرة الاعتداءات على أفراد الأمن في محافظة صعدة يواكبه نشاط متزايد في بناء التحصينات والكهوف وشراء الأسلحة.
وحسب ماروى شاهد عيان من قاطني مركز مديرية حيدان فإن السلطات المحلية قبضت على سيارة تابعة للحوثي وفيها بعض الذخائر والمؤن...ويضيف:"ورزم من الدولارات في صناديق الأسلحة"..وكانت السيارة لاندكروزر سوداء بحراسة سيارة أخرى شبح ،يومها كانت السلطات بصدد تجميع الأدلة التي تستجوب الحوثي على أساسها،فما كان منه إلا أن ظهر على الناس بعد حادثة القبض الأخيرة على سيارة الأسلحة مشدداً على أن يأخذ الأهالي حذرهم من عدوان امريكي وشيك على قراهم،مااضطر السلطات إلى إصدار أمر قبض قهري بواسطة بعض الأطقم العسكرية التي حدثت بينها واتباع الحوثي بعض الأخذ والرد بلغة الذخيرة تلتها الحملة العسكرية الأولى وقوامها500 جندي ولا استبعد أن الحملة نفسها كانت بمعية أمر القبض القهري ،لكن شاهد العيان يقول أنهم في مركز المديرية لم يشعروا أن المسألة تطورت من المناوشة إلى الحرب إلا بعد عملية القصف على سوق حيدان ومقر التجمع اليمني للإصلاح في حيدان،وشاهد العيان هو أحد جرحى ذلك القصف الذي أكدت المصادر الحكومية أنه تم عن طريق الخطأ.
مرة أخرى أؤكد على غياب أية رواية حوثية مكتملة تصف بداية الأزمة مع السلطات الحكومية وتسرد كيفية بدء المواجهة،لكن الأمور حسب اعتقادي ماكان لها أن تصل إلى حدود المواجهة العسكرية لو أن حسين بدرالدين الحوثي قام بالتجاوب مع السلطات المحلية أو الوفود إلى صنعاء.
سيرورة المعارك وأطوار المواجهة
مرت المواجهات المسلحة بين السلطات اليمنية وأتباع الحركة الحوثية بطورين بارزين من المواجهات:
المواجهات الأولى:من 18يونيو 2004إلى 10سبتمبر2004، واتسمت المواجهات في هذا الطور بالحرب محدودةالنطاق .دارت فيها المواجهات على سياق متصل،وانتهت بسيطرة القوات الحكومية على جبل سلمان،ومقتل زعيم التنظيم «حسين بدرالدين الحوثي» في 10/9/2004..
المواجهات الثانية:اندلعت مواجهات هذا الطور منذ تاريخ 12/7/2005م
«أي قُبيل نشر المقابلة التي أجرتها صحيفة «الوسط» بأربعة أيام»،لكن الحادث هو أن بدر الدين غادر صنعاء فور إجرائه المقابلة، وقبل أن تنشر على صفحات الصحيفة،وكان مبرر مغادرة الحوثي الأب، حسب ما أعلن عنه، هو مماطلة الرئيس في لقائه، ذلك اللقاء الذي كان يفترض أن يحسم فيه الطرفان مسألة الخسائر والمعتقلين، غير أن يحيى بدر الدين الحوثي أورد سبباً آخر للمغادرة بقوله:«عودة أبي إلى نشور بسبب الفساد والرذيلة المنتشرة في صنعاء.. وفي اعتقادي، كان اللقاء صعباً بين رجل موتور بفقد أربعة من أبنائه ويمتلك، نفسياً، كل مقومات التأثير على الطرف الآخر الذي يدرك هذا الأمر ويخشى من تقديم التنازلات، غير أن اللقاء، في كل الأحوال،كان سيتم لو أن قليلاً من الوقت سمح له أن يمر.
واتسمت المواجهات الثانية بتغير ميدان المعركة واتساعه، مع حدوث بعض المناوشات والهجوم المباغت من قبل أتباع الحوثي على أهداف حكومية في مدينة صعدة، إلى جانب محاولات أخرى حدثت في بعض المناطق من محافظة الجوف المجاورة لصعدة من جهة الشرق، واتخذت المواجهات في هذا الطور طابعها السياسي الشيعي بصدور بياني مناصرة من قبل الحوزات الأثني عشرية في كل من النجف وقم.
خلية صنعاء
وخلال هذا الطور، أيضاً اتسع نطاق المواجهة إلى العاصمة صنعاء من خلال جملة من التفجيرات قام بها ماعرف ب «خلية صنعاء.. وحسب المصادر الأمنية، تم اعتقال أفراد الخلية وبحوزتهم العديد من الذخيرة والمتفجرات والصواريخ اليدوية؛ففي تاريخ 29/3/2005م،7/5/2005م حدثت تفجيرات في أمانة العاصمة، أدت إلى إصابة عدد من الضباط وأفراد الأمن، وقد عثر في منزل أحد افراد الخلية على 41 قنبلة، 4 صواريخ يدوية، وكتيب بالعمليات التي تم تنفيذها مع التواريخ، فيما عثر في منزل آخر على 3 صواريخ وذخائر أخرى، كما عثر أيضاً لدى بعض أفراد الخلية على مخطط لاغتيال السفير الامريكي بصنعاء، حسب ما أعلنته السلطات.
في هذا الطور،بدأ واضحاً تصاعد نبرة المواجهات من قبل الحوثيين على الصعيد الإعلامي خصوصاً مع انتقال يحيى بدر الدين الحوثي إلى دول أوروبية وبذل مساعي حثيثة لتدويل الأزمة، وكذا بعد أن تقمصت الأزمة طابعها السياسي الشيعي بعد صدور بياني الحوزة الاثني عشرية في النجف وقم، كما أسلفنا،واللافت أنه كثيراً ماكانت هذه النبرة تتأثر صعوداً أو هبوطاً بدرجة الحرارة في تصريحات الإدارة الإيرانية الجديدة برئاسة «محمود أحمدي نجاد»الذي أعلن بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الإيرانية عزم بلاده على إحياء مبدأ تصدير الثورة، علماً أن الإيرانيين كانوا قد بذلوا جهوداً مضنية في ندوات التقريب بين السنة والشيعة لإثبات أن «مبدأ تصدير الثورة» لم يعد له وجود! وتم أيضاً في هذا الطور بروز عدد من الأسماء والمسميات المكرسة للطابع السياسي الشيعي للحركة الحوثية حيث تداولت الصحف اسم «آية الله عصام العماد» المقيم في إيران،وهو صاحب كتاب «رحلتي من الوهابية إلى الاثني عشرية» وكان إماماً في جامع «الأسطى» بشارع الزبيري في أمانة العاصمة، إعلامياً ،تصدت صحيفة «البلاغ» الأسبوعية لتكون ناقلاً ذكياً لتصريحات الحركة الحوثية، مع تصعيد واضح في خطابها لمسألة «الحسين، والغدير» بذات النسبة التي يتم تصعيد هذه الأمور على القنوات التابعة لإيران وحزب الله.
في 28 فبراير 2006م انتهت المواجهات الثانية بتوقيع صلح مّثله من جانب الحوثيين عبدالملك بدر الدين الحوثي، وعن الجانب الرسمي العميد «يحيى الشامي» محافظ صعدة الجديد والذي أعلن أنه وبموجب هذا الصلح انتهى التمرد و«إلى الأبد».
ظروف المواجهات واستحكام التعبئة
بعد هذا العرض المقتضب في خضم المواجهة بين القوات الحكومية وبين العناصر المسلحة من أتباع الحوثي؛ يجدر بنا التطرق إلى سؤال منطقي يتململ بين السطور:
لماذا استمرت المواجهات بين قوات حكومية وعناصر متمردة «مهما بلغت قوتها» كل هذه المدة؟
ولماذا تجددت عقب انتهاء طورها الأول؟
والإجابة عن التساؤل يتوجب إيرادها عبر جملة من التفاصيل المندرجة تحت عناوين عدة:
ملابسات وظروف المواجهة.
حجم وفاعلية التعبئةالمعنوية قبيل المعركة في كلا الطرفين.
الحرب النفسية والاعلامية اثناء المعركة
الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تعثر جهود الوساطات المتعاقبة لإنهاء الأزمة.
مصادر التمويل التي اعتمد عليها الجانب الحوثي في نشأته وإبان صموده.
ملابسات وظروف المعركة
تتضافر المؤشرات التي بين أيدينا لتدلل على أن السلطات اتخذت قرار المواجهة بشكل مفاجئ، ذلك أنها في الأساس تأخرت في اكتشاف حجم تنظيم الشباب المؤمن والخطورة التي يمثلها، يتبين من حديث الرئيس علي عبدالله صالح لصحيفة «السفير» اللبنانية في 19/8/2004م،حيث قال:«إن الحوثي تمرد على الدولة، وأنه لم يتجاوب في التواصل مع السلطة، ولم يستجب لمطالب الدولة في معرفة الأنشطة التي يقوم بها في المنطقة، وكان رفضه إلى جانب المعلومات المتوفرة لدى القيادة السياسية سبباً في إيجاد قناعة بأن عنده شيئاً يخفيه، وأن هناك خطورة منه إن لم تكن اليوم فربما في المستقبل، وأضاف بأن السلطة عملت على متابعة الحوار معه لإقناعه مدة سنة ونصف تقريباً ليسلم نفسه مع إعطائه الأمان، لكن دون جدوى، كانت ملاحظات الدولة تجاه الحوثي تتمثل في:قيام ميليشيات،وتحصينات دفاعية، واقتناء أسلحة، وتوزيع أموال ، ونتيجة لعدم تجاوبه، اتخذ القرار بفرض حصار عليه وتطويقه لكي يسلم نفسه، وعندما بدأ التطويق قام بالعدوان المسلح على الجيش والأمن،وبالتالي فرض عليهم القتال بالرغم من أنه لم يكن هناك قرار بالقتال».
وترتب على هذا العامل «فجائية القرار» أن القوة العسكرية خاضت المعركة بلا عقيدة تعبوية كافية تحقنها بالجرأة الكافية لإخضاع الخصم المقابل، فضلاً عن أنه تم خوض المواجهة أيضاً، دونما دراسة كافية لإمكانيات الخصم ومواقع تمركزه،وحجم جاهزيته، الأمر الذي صور المهمة المناطة بأول وحدة عسكرية توجهت إلى «مران» وكأنها ذاهبة لفرض طوق من الحصار بغرض تنفيذ أمر قبض قهري على زعيم قبلي مسلح قد تكتنف عملية القبض عليه بعض المشادات والمهاترات بلغة الذخيرة،لكنهم تفاجأوا بمليشيات مدربة تتربص في مقابل جيش، على أن الأول «أي مليشيات الحوثي» يتميز عن الأخير بمعرفة كافية بأرض المعركة وبتحصينات جاهزة، وبتعبئة مستحكمة ليس أمامها من هدف تنشده سوى «نيل الشهادة».
لذلك نجد أن قوام القوة العسكرية الأولى التي توجهت صوب «مران» لم تتعد 500 فردعلى ظهر أطقمهم العسكرية ينتظرهم هناك المئات من أتباع الحوثي متخندقين في المنازل والكهوف من الصعب اكتشافهم، كما أن الطريق إليهم مزروعة بالألغام والمتفجيرات.. ضف إلى ذلك أن أتباع الحوثي قد خاضوا العديد من التدريبات والمناورات لخوض معركة كهذه، وأن لديهم خطة دقيقة لتتويه العدو، وسوقه إلى سلاسل متوالية من الأفخاح والكمائن.
ساحة المواجهات جبلية وعرة مليئة بالسكان، عامرة بالأطفال والنساء والمسنين، ورصاص الحوثيين يمطر من كل اتجاه، والقناصون وراء كل نافذة وشاقوص.. وقد حدثني أكثر من شخص أنه يكفي على ساحة مواجهات كتلك، أن يدحرج أتباع الحوثي الحجارة من على شواهق الجبال ليصيبوا أعداداً من الجنود.. ويقع على الشرق من ساحة المواجهات مناطق حدودية تابعة للملكة العربية السعودية، ولشدة ارتفاع المنطقة وتعامد انحداراتها الصخرية ثمة طريق دقيق يدعى «الصراط» وذلك لخيطيته وضيق مجاله، والهوة السحيقة أسفله.
معركة كهذه، لاتنفع فيها الطائرات ولا الدبابات ولا الأسلحة الثقيلة، ولاقناصو القوات الحكومية، أيضاً بمستطاعهم إيجاد مواقع القنص المضاد.. ولهذا، وطيلة الأسابيع الأولى من المواجهة، كان الضحايا عادة هم من أبناء القوات المسلحة الحكومية واستمر الوضع كذلك حتى استطاع الجيش الوصول إلى خطة مواتية لميدان المواجهة في نسختها الأولى.
بعد انتهاء نسخة المواجهات الأولى تغير ميدان المعركة وتغيرت ظروفها على نحو أعقد، ربما، من المرة السابقة؛ فأرض «نشور» و«الرزامات» رغم عدم تميزها بالمرتفعات الشاهقة كما كان في «حيدان» إلا أنها ساحة واسعة النطاق تسمح بالكر والفر، والأخطر من ذلك؛ أنها أيضاً مفتوحة على الحدود إلى «البقع» .. واتبعت الخطة الحوثية في هذا الطور أسلوب حرب العصابات، وتشتيت القوة الحكومية، والانتقال السريع من موقع إلى آخر، وكذا القيام بالهجمات المباغتة الوارد حدوثها من الجهات الست..
لم تكن المواجهات في طورها الثاني حرب استنزاف،كما كان يفترض، بقدر ماكانت حرب استئناف سقط فيها المئات من الضحايا من كلا الطرفين،وبحسب ما استطعت الحصول عليه من الجهات المعنية فإن المواجهات الأولى حصدت 471 جندياً من أبناء القوات المسلحة والأمن في مقابل 338 من أتباع الحوثي وتشير الإحصائية التي حصلت عليها قبل نهاية المعارك في 28/2/2006م إلى سقوط 54 جندياً في المواجهات الثانية في صفوف القوات المسلحة والأمن في مقابل 92 من أتباع الحوثي فيما كان عدد الجرحى من القوات المسلحة والأمن حتى تاريخ حصولي على الإحصائية 2708 جرحى ، بينما لم تشر الإحصائية إلى عدد الجرحى في صفوف أتباع الحوثي.
يذكر أن هدنة طفيفة تخللت هذا الطور سرعان ما اندلعت بعدها المعارك على نفس الوتيرة السابقة من حيث عناد الحوثيين وكفاءتهم القتالية مع تحسن في أداء القوات الحكومية وحدوث خلافات بين أتباع الحوثي..
ولنعد إلى شرح طبيعة ساحة المواجهات ،حيث من المفيد،ربما، الإشارة إلى أن المناطق الحدودية اليمنية ظلت طيلة عقود تعتاش على هامش النزاع الحدودي بين اليمن والسعودية «ذلك النزاع الذي انتهى بتوقيع أتفاقية جدة 2000» وازدهرت فيها تجارة التهريب وصفقات الكواليس وهويات الولاء المزدوج، كما كانت مرتعاً لتجار السلاح والعملة والمخدرات، كما أنها مناطق على قدر كبير من الثراء قياساً ببقية أرجاء اليمن.
ومن النادر تماماً أن تجد من بين أبناء تلك المناطق من يقصد عواصم المدن طلباً للرزق أو طمعاً في الوظيفة، بعكس كثير من اليمنيين، فضلاً عن أن محافظة صعدة، على وجه العموم، تمثل محضناً لمتناقض الدعوات والأفكار، ففيها الهادوية الجارودية، والشيعة الاثنا عشرية، والشيعة الاسماعيلية، إلى جانب حضور قوي لأهل السنة والجماعة مع تمثيل نسبي لليهود. ورغم كل هذه العوامل الكامنة في ظروف ساحة المواجهة إلا أن دورها في إطالة زمن المواجهات لايرقى إلى حجم الدور الذي لعبته التعبئة المعنوية في صفوف أتباع الحوثي وفعالية الحرب النفسية والإعلامية من جهة الحوثيين.
التعبئة المعنوية لدى أتباع الحوثي:
إيمان الحوثيين المطلق بحسين بدر الدين نستشفه بجلاء من خلال مناقشات جلسات لجنة الحوار مع المعتقلين من أتباع الحوثي ونستشفه كذلك من بسالتهم وصمودهم على أرض المعركة.
إن المتأمل في محاضرات حسين بدر الدين الحوثي يكتشف بجلاء كيف أن الرجل نجح تماماً في إدخال اليقين إلى نفوس أتباعه أن معركة ستحدث بينهم وبين السلطات، وأن هذه الأخيرة ستخوض المعركة نيابة عن «أمريكا ،وإسرائيل» ضد الحوثي وأتباعه وذلك لما يمثله هؤلاء، حسب زعمه، من خطر على المشروع الأمريكي الإسرائيلي في اليمن والمنطقة..
اعتمدت أساليب الحوثي في تعبئة أتباعه« ومعظمهم من الشباب والفتيان المتحمسين» على الآيات القرآنية الصريحة في جهاد الكافرين وقتالهم، بعد أن قام بالحيلولة بينهم وبين الضوابط العلمية لفهم هذه الآيات، وذلك عن طريق سخريته الماهرة من موروث السنة وأصول الفقه وعلوم القرآن من ناسخ ومنسوخ، ومتشابه ومحكم، وأسباب النزول، متذرعاً بأن القرآن واضح أنزله الله «بلسان عربي مبين» ليفهمه الخاص والعام، وبالتالي فالمطلوب، فقط ، معرفة اللغة العربية، أما السنة، وعلوم القرآن، فكلها من وضع أهل السنة المعروفين بخوفهم من المواجهة وبمداهنتهم لأمزجة السلطان على مدى التاريخ حسب رأيه.
حدث مثل هذا الطرح منذ وقت مبكر عقب أحداث 11 سبتمبر، وتحديداً منذ محاضرة «الثقافة القرآنية» التي ألقاها يوم 4/8/2002م. جاعلاً كل محاضراته تحت عنوان «دروس من هدي القرآن الكريم» وتحت تأملاته لآيات القرآن الكريم كان حسين بدر الدين يقول كل شيء بدءاً من وصف حالة الهوان التي وصلت إليها الأمة، مروراً بتفسيق الأمة، وصولاً إلى شرح الخطر المحدق من قبل أمريكا وإسرائيل ذلك الذي لن يزُال على يد أنظمة كنظام الحكم اليمني القائم والموالي، في نظر الحوثي، لأمريكا وإسرائيل، أو على يد أهل السنة عموماً بما يحملونه، كما يزعم، من ثقافة الهزيمة والذل كونهم يقتدون «بأبي بكر» و«عمر» اللذين، حسب قوله، لم يصمدا أمام الكفار.
التعبئة الكربلائية
«في التقرير الأمني الذي قدمه وزير الداخلية اليمني اللواء رشاد العليمي إلى أعضاء مجلس النواب، ذكر فيه بأن الحوثي قام بتوزيع كتاب بعنوان «عصر الظهور» لمؤلفه علي الكوراني العاملي، والذي أشار إلى ظهور ثورة إسلامية ممهدة لظهور المهدي، وأن اسم قائدها اليماني «حسن أو حسين» وأنها أهدى الرايات في عصر الظهور على الإطلاق، وأن «اليماني» يخرج من قرية يقال لها« كرعة» وهي قرية في منطقة بني خولان قرب صعدة» ثم يذكر التقرير نفسه أن الأجهزة الأمنية ضبطت مع بعض أتباع الحوثي من أبناء صعدة وثيقة مبايعة الحوثي على أنه الإمام والمهدي المنتظر.
«تردد في أوساط أتباع حسين الحوثي المقولة بأن هو اليماني الذي رمزت إليه الآثار التي تضمنها كتاب المدعو «علي الكوراني» وهو مرجع وباحث شيعي من لبنان (عصر الضهور) وهو ماأعطى حركة حسين الحوثي بعداً شيعياً إثني عشرياً، وقد لفت هذا الكتاب اهتمام صحيفة «الثورة» الرسمية، والتي نشرت مقطعا من الكتاب، في إطار تحليلها للبعد العقائدي لحركة التمرد الشيعية، بل أصبح الكتاب محط اهتمام المتابعين للأحداث نظراً لوجود الخلفية المسبقة لتمرد الحوثي بتواصله مع إيران ولبنان، وقد ذهب البعض إلى أن المؤلف الشيعي علي الكوراني يمثل المرجع الأول لحركة التمرد التي قادها حسين الحوثي وتنظيم «الشباب المؤمن»؛ رغم تنفيذ لصلته بالموضوع وتشكيكه بأن يكون الحوثي هو المقصود في الآثار».
يتمتع حسين بدر الدين بأساليب خطابية غاية في التأثير، فهو يعمد في معظم محاضراته إلى استعمال «تاء المخاطب» موجهاً الكلام إليك أنت، وعاقداً المقارنات عليك أنت، ومستبقاً كافة مايمكن بروزه من «شبه» قد تكتنف كلامه، معززاً طروحاته بالأمثال الدارجة، والمعاني القريبة، على أن هذه التعبئة، رغم كونها بشكل ظاهر تنصب على اليهود والأمريكان، إلا أنها لاتفضي غالباً إلا إلى الحقد على السنة وأهل السنة، كذلك فهو لايذكر أمريكا وإسرائيل إلا لكي يعرض «بعمالة النظام الحاكم».
لاتقف التعبئة عند هذا الحد؛بل إنه تم العثور، أثناء المواجهات بصعدة، على منشورات يتحدث بعضها على أن «المولود من أهل السنة يدخل الشيطان إصبعه في دبره فيولد مأبوناً بالفطرة فيما الشيعي محروس من ذلك»!
وما يورثه مثل هذا الطرح من استهانة بالخصم المقابل تقوم على أساس الاشمئزاز الخلقي من آدميته والاحتقار المسبق لطبيعة تركبته.. هذا المجهود التعبوي الفكري تم تعزيزه أيضاً بمجهود عملي تمثل بطقوس التنقية الروحية للأتباع، وزيارة المقابر والمستشفيات للتهوين من قيمة الحياة، وترسيخ حتمية الموت، وأن الموت شهيد خير منه عميل أو متخاذل ، ثم إلهاب الحماسة القتالية عن طريق التدريبات وعرض أفلام إيرانية منها:فاجعة كربلاء، الموت، عزرائيل، وأخبرني أحد أهالي حيدان أن الحوثي كان يمتلك غرفة عرض سينمائي وأن فيلماً من بين تلك الأفلام التي كان يتم عرضها، يحتوي على أرض خضراء باهرة وفتيات على قدر من الاكتمال والفتنة والأسر.. ويقال لهم: انظروا .. هذه الجنة.. وأولئك هن الحور العين .. «على سبيل المثال لا الحقيقة طبعاً» كانت الأفلام تعرض كل ليلة أربعاء فيما تتم ليلة الخميس زيارة القبور، أما ليلة الجمعة فيتم الاجتماع «للشباب المؤمن فقط وليس أهالي المنطقة» في غرفة مظلمة وتوقد الشموع على صوت شريط مؤثر يروي قصة مقتل الحسين، رضي الله عنه، وتتوج هذا المجهود التعبوي الإثنا عشري بحفر الخنادق ونصب الفخاخ وضرب التحصينات وشراء البزات العسكرية وأشاع حسين الحوثي أن أمريكا وإسرائيل أصبحتا على معرفة بخطورته؛ فاتخذ لنفسه الحراسات وأحاط تنقلاته بشيء من الكتمان والسرية.
وجاء الاحتلال الأمريكي للعراق ليمثل في نظر أتباعه الإثبات الدامغ لصدق أطروحات الحوثي، وعاش أتباعه منذ ذلك الحين وحتى زمن المواجهات، أوضاعاً طارئة، واستعداداً نفسياً متعاظماً انتقل بهم من مجرد التأهب الدفاعي إلى شحنات المبادرة الهجومية، وهو ما أسهم في فشل الخطط الرامية إلى ضرب طوق من الحصار على مناطق المواجهة؛ إذ لاتنفك المعارك فور ساعات من هدوئها،حتى تعود لتندلع من جديد، علماً أن نمطاً آخر من التبعئة تمت ممارسته، وهو التعاويذ والحروزات والتمائم التي كان يتم وضعها في حوزة المقاتلين من أتباع الحوثي لتطيش من حوالهم الرصاص.
ثمة سبب آخر يقف وراء استماتة أتباع الحوثي وإصرارهم على المواجهة يتمثل هذا السبب في إحدى سمات «التعبئة الكربلائية» للأتباع الذين يفترض فيهم، وفق التبعئة، أنهم ليسوا أفضل من سيدنا الحسين رضي الله عنه الذي حوم النصر حواليه فاختار الشهادة على النصر، فهل يكون هؤلاء أفضل منه... وعليه فإن الواحد من هؤلاء لايدخل المعركة لكي ينتصر، بل لكي يموت، ذلك أن مما تنقله كتب التراث الشيعي أنه «رفرف النصر على رأس الإمام الحسين، وخُيّر بين النصر والشهادة، فرفض النصر واختار الشهادة» وبذلك فإن «استشهاد الحسين عندهم انتصار حقيقي للرسالة، وقال:
فلترو ظامية الضب بدمي».. عبارة «ياسيوف خذوني» تدفع الآلاف من الشبان إلى الارتماء فوق الألغام ومعانقة الدبابات واستقبال القذائف الصاروخية، بسكينة مذهلة! وعند هؤلاء فإن الشهادة «هدف» وليست وسيلة، إذ لن تكون أفضل من الحسين، الذي اختار الشهادة على النصر.
في مقابل هذه التعبئة الحوثية الكربلائية،قامت السلطات الحكومية بتوزيع منشورات على أفراد القوات المسلحة، تبين فيها حقيقة معتقدات الحركة الحوثية، وكان ينظر إلى هذه الخطوة على أنها مبالغات من قبيل التعبئة المعنوية،لكنها سرعان ما آتت تأثيرها بعد أن توصل الجنود بأنفسهم إلى منشورات مماثلة بحوزة أتباع الحوثي.
الحرب النفسية وحرب الشائعات:
وتفوق فيها الطرف الحوثي أيما تفوق، وبها ضمن مقاومة وصمود جزء لابأس به من أهالي المناطق التي كانت تدور فيها المواجهات حيث تم حيث بعض الأهالي على المقاومة وعدم التسليم للقوات الحكومية بزعم أن القوات الحكومية سوف تقوم بتصفيتهم حتى لو استسلموا،وستدمر منازلهم وتسبي نساءهم وبناتهم.. وبذلك أصبحت المقاومة في نظر الأهالي معركة كرامة وعرض، كما أشيع، ومنذ الساعات الأولى، أن جنود الدولة قاموا بدهم المساجد وتدنيس المصاحف... الخ.
وفي الجانب النفسي أيضاً، وكما يقول« محمد سالم عزان»، القيادي السابق في «تنظيم الشباب المؤمن»، إن القوات الحكومية كانت تقوم بإطلاق المتفجيرات الصوتية لإرهاب الحوثيين وحثهم على الاستسلام، لكن الحوثي استغل هذه الجزئية ليقوي عزيمة المقاومة في نفوس أتباعه حيث الملائكة تحارب معهم، والله يصرف عنهم ضربات العدو الذي يطلق قذائفه وصواريخه ولايصيبهم منها أذى.. كذلك تم بث شائعات تقول بأن رؤوساً متفجرة، لم تنفجر،« وجد عليها العلم الأمريكي ونجمة داود ...إلخ»،وأن القذائف الموجهة إلى الحوثيين «منطلقة من أساطيل أمريكية وإسرائيلية مرابطة في البحر الأحمر»..ومثل هذه الشائعة تم بثها أيضاً من قبل الحوثيين الموجودين في العاصمة صنعاء وفي العاصمة أيضاً تم إطلاق حزمة من الشائعات منها مايتحدث عن كرامات المعركة ومنها مايتحدث عن فشل القوة العسكرية ومنها مايتطرق إلى تعاون أمريكي وإسرائيلي، ومنها مايقول إن الرئيس «أصبح يذهب إلى مكتبه صباحاً ليجد صورة الحوثي موضوعة على طاولة المكتب»..وبالنظر إلى مدى التأثير الذي يخلفه عامل الشائعات يمكننا الاستدلال برسالة خطية بعثها أحد الفتيان المقاتلين في صفوف الحوثي إلى والده يحاول دفعه فيها للاقتناع ب «سيدي حسين» وأنهم يخوضون هذه الحرب بالنيابة عن الأمة لأنها حرب ضد أمريكا وإسرائيل، وأن الله يؤيدهم في هذه الحرب بمعجزات وكرامات مذهلة منها أن الله تعالى «حسب ماقال في الرسالة» مسخ بعض جنود الحكومة قردة لكن الحكومة تسترت على الأمر وقامت بقتلهم حتى لاتفتضح.. معظم هذه الفنون تبدت أثناء المواجهات الأولى فيما حلت فنون جديدة في الطور الثاني من المواجهات تمثلت في الطعن بمصداقية قرار العفو وصدقية الحكومة في الوفاء بتعهداتها تجاه ضحايا المواجهات ونكثها بوعودها وتعذيب المعتقلين ومجيء دعومات كبرى من مؤيدين ومناصرين من العراق وإيران وحدوث مناصرات لها في كل البقاع..إلخ تلك الدعاوى.
محاولات التدويل
بدأت محاولات تدويل الأزمة الحوثية منذ اللحظات الأولى لاندلاع المواجهات في مران وذلك بواسطة الكتابات الصحفية في بعض الصحف التي أشرنا إليها سابقاً والتي حاولت لفت نظر المنظمة الدولية لما يحدث في مران صعدة ومحاولة جعله أمراً مشابهاً لمايحدث في اقليم دارفور غربي السودان والذي تصاعدت مسألة تدويل الصراع الدائر فيه بالتزامن مع أزمة الحركة الحوثية.
التدويل انتقل إلى طوره المدروس والممنهج بعد مغادرة يحيى بدر الدين إلى السويد والذي أجرى من هناك بعض الحوارات الصحفية «أشهرها حواره مع قناة العربية 26/4/2005» الذي أتهم فيه «الحكومة اليمنية بتنفيذ حملة تستهدف الزيديين على وجه الخصوص، وطالب الرئيس اليمني أن يضع حداً لما وصفه ب «تقتيل واعتقال الزيديين».
وهو ماكرره في حوار له مع «الشرق الأوسط» وذهب في حديثه للصحيفة بأن الهدف من العمليات الأخيرة «كان قتل والده أو اختطافه للقضاء على معنويات الزيديين».
وأضاف:« إن منع الحكومة علماءنا من تدريس المذهب الزيدي في المدارس أدى إلى تفاقم المشكلة وأكد أن مأزق السلطة اليمنية المتمثل بضرورة تسليم إرهابيين يمنيين إلى الولايات المتحدة دفعها إلى اختلاق عدو وهمي لأمريكا لذر الرماد في العيون».
صحيفة «الشموع» «العدد 279» نسبت إلى مصادر قولها إن تحركات دبلوماسية حثيثة تقوم بها شخصيات إيرانية ولبنانية وعراقية في عدد العواصم الأوروبية متبنية إثارة قضية تمرد صعدة، وأكدت بأن هذه التحركات:« تؤكد حجم التآمر الذي يحاك ضد اليمن عبر استخدام تمرد الحوثي كورقة هامة في هذا التوقيت، والذي ظلت أجهزة الإعلام الإيرانية تعمل جاهدة على توصيفها بصورة طائفية مذهبية، كامتداد للصراع السني الشيعي، حيث أن هناك احتمالات عن تورط السفارة العراقية والإيرانية في صنعاء بإعداد تقارير في غاية الخطورة تصف فيها سيطرة أطراف سنية على القوات المسلحة، والتي بدورها تقف حائلاً أمام المد الشيعي الإثني عشري تحت عباءة الزيدية «10».
مصادر التمويل
كان رئيس الجمهورية اليمنية علي عبدالله صالح قد اتهم «جهات خارجية» في حديث لصحيفة «المستقبل» اللبنانية في 9/7/2004 وأضاف: لكن لانستطيع أن نشير بأصابع الاتهام لأية دولة أو حزب وتساءل في حديثه: «من أين لهذا المدعو كل هذه الأموال؟ هو يدفع لكل شاب يدفع به لترديد شعاراته مائة دولار أمريكي أي مايساوي ثمانية عشر ألف ريال يمني وهو مبلغ كبير، فمن أين له هذا المال؟ ومن هي الجهة التي تموله بذلك؟ وماهي مصلحته من وراء ذلك ؟ وقال الرئيس بأن هناك تحريات وبحث عن مصادر التمويل، نافياً أن تكون مصادر التمويل محلية، وبأن البحث يتم بتعاون بعض الجهات الإقليمية من الدول الشقيقة والصديقة.
وبرغم عدم صدور أي نتائج حتى هذه اللحظة إلا أن الرئيس ألمح في حديثه السابق إلى جهات بعينها حيث قال: «فيما يخص صلاته، أي الحوثي فهو يعترف بأنه ذهب مع والده إلى ايران ومكثا لفترة امتدت لعدة أشهر في «قم» كما قام بزيارة إلى «حزب الله في لبنان، لكن لانستطيع أن نؤكد أن لديه دعماً من هذه الجهة أو تلك».
وفي سبتمبر 2004، صرح متحدث باسم وزارة الداخلية لصحيفة «26 سبتمبر» بأن تمرد حسين بدر الدين الحوثي كان يحظى بدعم «جهات خارجية» وأن التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية والوثائق والمستندات التي عثر عليها في قضية حسين الحوثي كشفت عن الدعم الذي تلقاه من جهات اقليمية، سواءً عبر أجهزة استخبارية في بعض الدول العربية، أو عبر الجماعات المذهبية والعقائدية أو الجمعيات الخيرية في المنطقة».
وأفاد مصدر مقرب من الحكومة اليمنية لصحيفة «الوطن القطرية» في 17/9/2004 بأن سعوديين شيعة هم من بين هذه الأطراف، وقال هذا المصدر لوكالة فرانس برس:« جرى تبادل رسائل بين الحكومتين اليمنية والسعودية بشأن وجود دعم من قبل بعض التجار ورجال الأعمال الشيعة السعوديين للحوثي أثناء التمرد وقبل التمرد».
وتذهب الحكومة إلى أن عملية التمرد السابقة بزعامة حسين الحوثي ثم بزعامة والده مدعومة من جهات خارجية وتفيد بعض المصادر بأن الدعم يصل لجماعة الحوثي عبر تجار ورجال أعمال شيعة في كل من الكويت والبحرين والسعودية وأن الحكومة اليمنية تسعي عبر وسائلها الدبلوماسية إلى تطويق ذلك وقد جاء رد الدكتور أبوبكر القربي وزير الخارجية اليمني في حديثه لصحيفة «الرياض» السعودية، الثلاثاء 5/4/2005م عن سؤال فيما لو حصلت الحكومة اليمنية على «أدلة قاطعة لوجود تدخل أجنبي ساعد في تأجيج القتال؟» بأن هناك مصادر تمويل مالية من جهات خارجية لهذه العناصر، والآن يتم التحقيق حولها والتحري، وهذه الأمور سيتم الإعلان عنها في نهاية التحقيقات ..وإلى لحظة كتابة هذا الفصل لم تكشف الحكومة اليمنية عن مصادر التمويل ولم تنشر نتائج التحقيقات وهي في ظني لاتريد القيام بذلك على المدى القريب وعليه فإن ماأستطيع إيراده يتمثل في النقاط التالية مماتمكنت من العثور عليه في مسألة التمويل:
أولاً : تتمثل مصادر التمويل التي اعتمدت عليها الحركة الحوثية سواءً في مرحلة النشأة والاعداد أو عند فتح المراكز وإقامة المخيمات وإعالة الأتباع وشراء الأسلحة..تتمثل في شبكة من المصادر ربما كان أولها الريع المتحصل إلى يد أسرة بدر الدين الحوثي من باب «الخُمس» و«الزكاة» التي يدفعها الأتباع في محافظة غنية ذات زراعة واسعة مثل محافظة صعدة، وكذا ماتحفل به المحافظة من انتعاش تجاري جراء موقعها الحدودي مع المملكة العربية السعودية ومانشأ على عاتق النزاع الحدودي بين اليمن والمملكة والذي انتهى العام 2000 بتوقيع اتفاقية الحدود بجدة بعد ستة عقود من النزاع على الحدود بين البلدين.
ثانياً: المصدر الثاني من مصادر التمويل يتمثل في تبرعات الأتباع وإيرادات الجمعيات الخيرية التابعة لتنظيم الشباب المؤمن والتي كانت تخصص لصالح طلبة العلم..مضافاً إليها مايتحصل من النذور والوقوف، وغير ذلك.
ثالثاً:المساعدات الخارجية من المؤسسات التابعة لأسرة «حميد الدين» «الأسرة التي كانت تحكم اليمن قبيل ثورة 1962» وأبرزها مؤسسة الحسني بجدة و كثيراً ماينداح تمويل هذه المؤسسة عبر الوفود الحوثية التي تدخل إلى المملكة العربية السعودية بغرض العمرة أو الحج كان أهمها اللقاء الذي جمع «علي ابراهيم حميد الدين» في جدة مارس 2005 مع أعضاء من الحركة الحوثية تم فيه اعتماد مرتبات لبعض المشائخ وكذا الاتفاق على مواصلة النضال والإعداد لإقامة جمعيات وأعراس خيرية «ويشير اقتران قرار العفو 25/9/2005 مع إعلان الرئيس لأول مرة تعويض بيت حميد الدين إلى أن الرئيس أراد بهذا التعويض أن يخفف قدر الإمكان من حدة الدعم الحميدي للتمرد الحوثي» وهو القرار الذي لاقى استغراباً شعبياً واسعاً الأمر الذي اضطر الرئيس صالح إلى توضيح اللبس القائم في القرار مؤكداً كما سمعت منه أثناء مداولات المؤتمر العام السابع للمؤتمر الشعبي العام بعدن أن مسألة تعويض ممتلكات بيت حميد الدين الشخصية ليست بالأمر الكبير ولن تلحق بالخزينة العامة أي أذى مضيفاً أن قرار التعويض جاء أسوة بقرارات صدرت بخصوص تعويض سلاطين الجنوب.
رابعاً: المساعدات المقدمة من الجمعيات والهيئات الشيعية في الخارج والتي تقدم الدعم المادي والفكري بنسبة أو بأخرى منها: مؤسسة أنصارين قم الإيرانية ، أبو القاسم الخوئي لندن مؤسسة زيد بن علي الأردن مؤسسة الثقلين الكويت، رابطة آل البيت لندن مؤسسات تابعة لحزب الله لبنان، صادق الشيرازي الكويت شركة الألفين الكويت فرع مؤسسة، آل البيت سوريا ولبنان والعراق هيئة الآل الكويت هذا ماتوصلت إليه بخصوص هذه الجمعيات مع احتفاظ بالحق القانوني في عدم ابراز الوثائق في أي ظرف كان.
خامساً: المساعدات الممنوحة من السفارة الإيرانية بصنعاء والتي بلغت فاتورة واحدة منها مبلغ 650 ألف دولار أمريكي كان نصيب تنظيم الشباب المؤمن من هذا المبلغ 20080000 ريال يمني..هذا وبلغ دعم السفارة الإيرانية للمراكز الصيفية خلال الأعوام 2000، 2001، 2002 مبلغ 000،381،22 ريال يمني منها مبالغ مخصصة لإقامة الدورات والتي نفذ منها 12 دورة في صعدة وحدها..مع الإشارة إلى أنني كنت قد أشرت في مقال لي بصحيفة «الثقافية» 2004 عن خلاف بين قيادة مركز بدر العلمي بصنعاء والأمانة العامة لحزب الحق حول مبلغ مليوني دولار محولَّة للعمل الشيعي في اليمن عبر المركز الطبي الإيراني بصنعاء وأن موضوع الخلاف الذي سمعت عنه أوائل العام 1997 قد وصل إلى رئيس الجمهورية الذي قام بمصادرة ذلك المبلغ ولم يصدر بعد إيرادي لهذه الحادثة أي نفي لها من قبل السفارة الإيرانية أو حزب الحق فيما نفاها مدير مركز بدر العلمي أثناء خطبة له بمسجد بدر في اليوم التالي لنشر المقال لكنه تجنب أية إشارة للموضوع خلال حوار أجريته معه في نفس الصحيفة على اثر المقال السابق ذكره.
هذا ماأمكنني العثور عليه فيما يخص الدعم الإيراني المقدم عبر السفارة بصنعاء، علماً أن مثل هذا الدعم ليس بالضرورة أن يقتصر على ماتمنحه السفارة أو يأتي عبرها، إذ ومثلما رأينا في الباب الأول بمستطاع واحد من المرجعيات الشيعية في مشهد أو قم أن يمول تمرداً بأكمله.
سادساً: هناك أساليب أخرى من التمويل منها على سبيل الذكر اختلاس مبلغ 39 مليون ريال يمني من فرع شركة النفط اليمنية بصعدة عُهدة أحد الأشخاص المحسوبين على الحركة الحوثية تزامنت مع اندلاع الأزمة.
الطابع الخميني للحركة الحوثية
تتحدد نقاط التشابه بين كل من الحركة الحوثية في اليمن والثورة الخمينية في إيران من عدة جوانب أهمها ارتكاز كل منهما على المذهب الجعفري الاثنى عشري الذي يزعم اعتماده على الكتاب دون السنة ونرى ذلك واضحاً في محاضرات حسين بدر الدين الحوثي .. كما يشير الحوثي إلى الجعفرية صراحة، وكيف أنها تخلصت في الوقت الحاضر من بعض طرائقها القديمة وذلك على يد الخميني ويعد «آية الله الخميني» و«إيران» و«حزب الله» هم القدوة المثلى التي يضرب بها «حسين الحوثي» المثل الأسنى لدى مقارنته بين مراتب العزة والهوان، أو في أي سياق آخر فضلاً عن أن حسين بدر الدين حتى وهو يشرح الخطر الذي يحيق بالأمة ونية اليهود والأمريكان في السيطرة على مكة المكرمة فإنه لايورد سبباً لذلك إلا لأن الحج في مكة فرصة مناسبة كي يبث الإيرانيون معاني العزة والكرامة إلى عموم الأمة عبر الحجاج، وهو مايجعل من موسم الحج تهديداً لليهود والأمريكان حتى حينما يعرض الحوثي بالسلطة في اليمن ويتنبأ بسقوطها، فإنه إنما يذهب إلى ذلك بفعل تبعات الدعاء الخميني على من ساندوا النظام العراقي في حربه مع ايران 1980 1988 أحداث 11 سبتمبر ينظر إليها حسين الحوثي وفقاً لهذه العدسة حيث يستغرب لماذا لم تتهم الولايات المتحدة حزب الله بتنفيذ تلك الهجمات ويعلل ذلك بأن إلحاق التهمة بحزب الله كفيل بأن يلفت أنظار المسلمين إليه فيزداد شهرةً وقوةًَ وتأييداً، وهي الخدمة التي لايمكن أن تقدمها الولايات المتحدة كما يرى حسين الحوثي لخصم كهذا .. هذا على الصعيد النظري أما على الواقع العملي، فإن ألفاظ «الصرخة» التي رفعها أتباع الشباب المؤمن لم تكن إلا تكراراً حرفياً للصرخة الخمينية التي ارتفعت قبيل وأثناء قيام الثورة الإيرانية مع اختلاف بسيط وهو أن الصرخة الإيرانية كانت تشمل أيضاً على عبارة «الموت لمن يعارضون ولاية الفقيه» ضف على ذلك أن وسائل التعبئة المعنوية كانت جميعها من إنتاج ايراني وتحوي أفلاماً تتحدث عن الحرب الإيرانية العراقية وأفلاماً إيرانية عن مقتل الحسين يساعد الحوثي في ذلك كما تواتر لدينا طاقم من الشيعة العراقية في حين نجد كذلك أن أفراداً من الحرس الثوري كانوا على رأس المدربين في المناورات القتالية التي كان يجريها أتباع الحوثي بين الفترة والأخرى وأحياناً يحضرون لمجرد الإشراف.
من كتاب «الزهر والحجر» لمؤلفه الزميل عادل الأحمدي بتصرف يسير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.