- هل كان القصيبي يخشى ثورة النقاد على «جنيته»؟ - قراءة بعض الدراسات في العمل أخلّت بمفهوم الحكاية - عملية الربط بين الميتافيزيقيا والجن لم تحقق المعادلة، دخول الجنس كعنصر مؤثر في العمل كان توافقاً مع أحداث العصر الحالي - الشاب السعودي بين «الجنس أولاً ثم السلطة ثم المال» رؤية تحتاج لدراسة جاء إصدار «الجنية» للوزير والروائي السعودي غازي القصيبي،عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، في كتاب من القطع المتوسط ضمن 239 صفحة، وقد أشار المؤلف إلى أن ماجاء في هذا الكتاب عبارة عن حكاية حتى يسلم من المتحذلقين، ومن النقاد المتنطعين، فيما أراد الناشر أن تكون رواية، في الوقت الذي كان الكتاب يتضمن بحثاً انثربولوجياً يعتمد على مراجع ومصادر تم الإشارة إليها في آخر الكتاب، وهو برأي أسلوب من أساليب إثارة النقاد، ومحاولة للهروب بشكل فني، ،وربما طرح السؤال الأدبي:هل كان القصيبي يخشى ثورة النقاد على «جنيته»؟ جاءت هذه «الحكاية» حسب رغبة مؤلفها لتشكل قراءة جديدة ومنهجية نوعاً ما، ولما كان التناول الموضوعي في الحكاية سمة بارزة تدل على استقراء واعي، جاءت شخصية «ضاري» لتشكل الرؤية الانثربولوجية للإنسان السعودي تحديداً والخليجي عموماً بشكل منطقي، في مرحلة السبعينات من التاريخ الميلادي،وتوجه الشباب آنذاك إلى دولة المغرب، في الوقت الذي كانت أغلب وأكبر قصص العشق تبدأ من هناك، والكاتب يشير إلى هذه المرحلة بصفتها برأية البداية إذ يصف شخصية ضاري بأنها أول حالة عشق تمت هناك، لقد استطاع المؤلف استخدام ضاري الضبيع في دلالة غير مباشرة على ابن الجزيرة واللغة العربية لغة الضاد، وحاول من خلال هذه الشخصية وضع بعض الصور عن الشاب السعودي، والتفاعلات الاجتماعية التي أثرت عليه بشكل مباشر من خلال احتكاكه بالآخر، تنتقل أحداث الكتاب في دراسة أحداث عالم الجن، والميتافيزيقيا ،وعلم النفس ،وما إلى ذلك ،مع ربطها بشخصية الإنسان السعودي، بشيء من القراءة الأكاديمية، فيما تأتي تجربته الشخصية لتشكل عائقاً أمام بعض الدراسات النظرية، إضافة إلى تحليلات «قنديش» صديقه الجني المستأنس الذي يحاول دراسة علم بني البشر، والتي ترتب عليها بعض القناعات في عالم الأنس، تلك القناعات التي كان يرفضها ضاري بشيء من التعصب لبني «إنسه»،في الوقت الذي تأتي مبررات قنديش لتعالج الموقف بدراسة منطقية أكاديمية، بصفته ممثل الجن في دراسة عالم الإنس، تتواتر القصة بين ضاري «الأكاديمي الانثربولوجي السعودي» و«قنديش بن قنديشة» في حوار منطقي بين عالمي الإنس والجن، تصل إلى العلاقة الجنسية التي تتم عادة بين الجن المستأنسة والإنسان العادي. وقد تناول المؤلف أحداثاً مهمة منذ العصور الأولى للأساطير في المملكة العربية السعودية، وتأثيرها على شخصيته في بداية حياته وطفولته، حتى بلوغه الوعي والإلمام بأن هذه الخرافات كانت حالات نفسية اجتماعية يستخدمها الأولياء لتخويف أبنائهم ولضمان استقرارهم في المنزل وعدم الابتعاد عنه لاسيما في أوقات الظلام، وقد أشار إلى بعض أسماء الجن التي اشتهرت في الجزيرة العربية ك «أم السعف والليف» و«أم حمار» و«دعديدع» و«أبو درياه» في المنطقة الشرقية، و«السعلوه» و«الوهوة» و«أبو سلعافة» في المنطقة الوسطى، «الدجيرة» ، «أبو قرون» ،«الغولة» والمعروفة في كتب التراث ب «الغول» في منطقة الحجاز، وفي الجنوب وفي عسير تحديداً توجد فرقة « سبعة» و«قعود حايل» و«بالهول» وغيرها، وقد ألمح المؤلف بطريقة أكاديمية أن اختلاق هذه المسميات جاء بهدف توجيه المسؤوليات من أصحابها إلى الجن نتيجة عوامل نفسية واجتماعية، مستشهداً برأي للدكتور سعد الوصيان يؤيد فيه هذا الرأي، وكذلك رأي آخر للجاحظ يقول فيه بأن النفس البشرية إذا استاحشت تقوم على رسم مثل هذه التهيؤات، والتي قد تتطور لمراحل أكبر يمكن معها التصديق بأحداثها، سعى الكاتب من خلال هذا التعريف إلى إدخال القارئ في جو الأحداث، إثر التراكمات النفسية والاجتماعية التي صاحبته ،وهو الإنسان السعودي المنطوي على ذاته . ثم يصف علاقته مع النساء بكونها شبه معدومة إلا من بعض الأقارب، حيث انتقل بعقد وخجل وانطواء الرجل الشرقي إلى أمريكا،ليبين أثر النقلة النوعية للشباب السعودي من مجتمع محافظ إلى آخر منفتح، جاءت رحلته الأولى فاتحة علاقة مع «فاطمة الزهراء» الفتاة المغربية الجميلة التي تعمل مضيفة في شركة الطيران، وبدأ التعارف بينهما، وتواترت الأحداث لينتقل الشاب من عالم إلى آخر، والدخول في علاقة عشقية استهدفت الزواج الذي قوبل بالرفض من أهله قبل أن يعلم بموت حبيبته في المغرب، ومن هنا بدأ فصل الحكاية، إذ تظهر فاطمة الزهراء في شكل «جنية» لم يتنبأ بأن تسير الأحداث على هذا النحو، رغم الرؤيا التي رآها الليلة السابقة عن وفاة حبيبته، الانتقال النفسي بين الحادثتين كان يحمل القارئ بين كل فصل وفصل على المتابعة، فضولاً وإيماناً بأحداث الجن التي ورثها الشاب من طفولته ،من زاوية أخرى فإن الشباب الخليجي الآن وربما العربي قد تكرست لديهم فكرة انتشار الجن في المغرب،وانتشار الفتيات العاشقات التي تقوم على عشق شاب وربطه بسحر ليبقى لها وحدها، إضافة إلى أن هذه الرؤية لم تكن فقط في المغرب وإنما تجاوزت إلى المغاربة الذين يقطنون الدول العربية، وبالذات في المملكة العربية السعودية، فالكثيرون يبدون تخوفاً شديداً من الفتيات المغربيات تحديداً، ربما تحولت فاطمة الزهراء إلى أسطورة جديدة في عالمنا العربي، الباحث هنا وقد تعمدت قول الباحث على الروائي أو الحاكي نظراً لأن فصول العمل الباقية تقوم على دراسة تنظرية لمفهوم الجن، وعلاقته بالإنس بشكل مباشر، وتحديداً العلاقة الزوجية التي تتم عن طريق العشق، ثم دراسة فكرة معاشرة الجن للإنس أو العكس، هو ما أخذ المؤلف إلى استعراض بعض الآراء الفقهية والشرعية التي وردت في بعض المراجع التي استند إليها،في الوقت الذي يستطرد في الحكاية علاقته العابرة ب «عيشة» الجنية التي عشقته، وكانت تلبي له احتياجاته أولاً بأول ،إلا أنه وبطبيعة الرجل الشرقي برؤية «قنديش» فإن الرجل الشرقي يحب المشاكل واللا استقرار، الأمر الذي دفع ب «عيشة» إلى الابتعاد عنه حتى يتزوج بأخرى،وهو ماحدث غير أنه لم يستمر في زواجه الثاني بحكم فشله الجنسي، وهو الأمر الذي أوعزه إلى أن عيشه قد سحرته، بينما أكد له قنديش بأن الأمر يعود لوضعه النفسي، يشير المؤلف في هذا الفصل إلى الحالة التي يقف عليها المجتمع الخليجي من إشكالية في مفهوم الجنس، واتخاذه سبيلاً لسيل الشهوات التي كانت مكبوتة بفعل المجتمع. وقد استطاع المؤلف بحبكته الأدبية أن يجعل موضوع الجنس سمة غالبة في الحكاية ،وأن يجعل سبب فشل علاقته الجنسية ب «آبيجيل براون» نتيجة السحر الذي كان يتوقعه من «عيشه» ،بينما وضحت له آبيجيل أنها هي الأخرى كانت تشعر ببرود من جهته، وأن مجرد شعوره بأنهما مسحوران يضعف قوته الجنسية، وهذه دراسة منطقية لحالات،كثيرة يعاني منها أبناء منطقة الخليج جراء اندفاعهم وراء الشهوة، وعدم وعيهم بأبجديات هذه الثقافة، والاستسلام أمام أي طارئ قد يعيق هذه المهنة، تعود الحكاية في آخرها إلى أن يعود ضاري إلى البروفسورة ماري التي كانت تشرف على رسالته، وأخذ يوضح لها تلك الحالة التي كان يمربها، وعلاقته مع عيشه قنديشة إنما بطريقة غير مباشرة اكتشف أن البروفسورة تدرك مايريد، وبعد حوار غير تقليدي مع البروفسورة، يعود إلى عيشه وتشترط عليه أن تتصرف كما تريد، ثم تشكل له كل يوم بامرأة مختلفة، حتى أنها تشكلت له في صور أبرز شخصيات العالم، ومالبث أن عشقته ودخلت فيه لتسكنه ويجد نفسه تحت رحمة قراءة شيخ وقور، ويرى عيشه أمامه وهي تبكي، وهو يصور بعض الحالات التي يقوم عليها بعض المشايخ في قراءاتهم على بعض الممسوسين، أو المتلبسين بالجان، وفي نهاية الحكاية يتزوج بامرأة مغربية تشبه إلى حد كبير فاطمة الزهراء التي اتضح انها قريبة لفاطمة الزهراء الأصل، ويشير في آخر الرواية أنه يرى في عيني مشعل ومشاعل أبنائه شيئاً كبريق النور، لكنه لم يسأل ولم يستغرب بعد أن استسلم أن كثرة أسئلته الماضية قد ألقت به في غياهب لايعلمها، في هذا العمل الثلاثي بين «الرواية والحكاية والبحث» استطاع القصيبي أن يشكل قائمة مهمة من الملاحظات سواء الاجتماعية أو النفسية، وأن يأخذ القارئ في روية علمية نوعاً مابطريقة أكاديمية مسلية ومشوقة.