لطباعة الكتاب في اليمن حكاية ولا بأس أن نشرك القراء في معرفتها ، وهي حكاية قصيرة تبدأ باستلام المؤلف للكمية المخصصة له ، وتنتهي بتوريده لتلك الكمية إلى مخازن الجهات التي تشتري من المؤلفين كتبهم ، ممن لديه فائض من الصبر على متابعة معاملات البيع والتوريد .. فإذا ما قلنا بأن المؤلف يستحق أن يُسجن كتابه في مخازن الحكومة لأنه يستلم ثمن ذلك عداً ونقداً فإن المشكلة تظل قائمة .. كيف ؟ نتذكر بأن وزارة الثقافة قد تمكنت بجهود وزيرها خالد الرويشان من طباعة ما يقارب ( 500 ) كتاب خلال عام 2004 م أثناء تتويج صنعاء عاصمة للثقافة العربية ، وطبع من كل كتاب ما بين ( 1000) إلى (2000 ) نسخة ،ضمن فرصة ربما لن تتكرر مرة أخرى للثقافة اليمنية ، و معنى ذلك أن لدى الوزارة الآن أكثر من نصف مليون كتاب ، ومصيرها معروف بالطبع ، فهي محفوظة بأمان في مخازن خاصة قامت الوزارة مشكورة باستئجارها لهذا الغرض بعد أن صرفت لكل مؤلف ( 150 ) نسخة من كتابه إلى جانب مكافأة مالية تفاوتت من كاتب إلى آخر. صحيح أن الوزارة تشارك بعرض تلك الكتب في معرض صنعاء للكتاب الذي يستمر لمدة عشرة أيام من سبتمبر في كل عام ، وصحيح أن لديها معرضاً دائماً لبيع تلك الكتب وهو المعرض الملحق ببيت الثقافة في أمانة العاصمة ، ولكن هل كل المهتمين باقتناء وشراء الكتاب في اليمن يعرفون هذا المعرض ، وهل على المهتمين في بقية المحافظات أن يشدوا الرحال إلى صنعاء من أجل شراء كتاب .. لماذا لا تفتح وزارة الثقافة مخازنها وتستكمل نجاحها في طباعة ذلك الكم من الكتب عبر افتتاح مراكز بيع في كل المحافظات تتماثل مع معرضها المجهول في صنعاء الذي لم تعلن عنه في وسائل الإعلام لدرجة أن أغلب المثقفين يكتشفون وجوده بالصدفة ، ولماذا لا تشارك الوزارة في معارض الكتاب الدولية في العواصم العربية ، ولماذا لم تمتلك مطبعة خاصة بها رغم أنها قد أنفقت على طباعة تلك الكتب ما يوازي قيمة مطبعة حديثة؟ هذه الأسئلة وغيرها يمكن توجيهها إلى اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين سواء فيما يخص امتلاك المطبعة أو الاشتراك مع فروعه بالمحافظات في افتتاح مراكز لبيع إصداراته المكدسة في مخزن الإتحاد. لا نريد أن نلخص مشكلة الكتاب اليمني في غياب آلية التوزيع والتسويق فقط ، بل إن لها جوانب أخرى تتعلق بعدم استيعاب آلية صناعة الكتاب والاهتمام بشكله الفني ، وهذه هي حجة أصحاب المكتبات التجارية الخاصة الذين يتهربون من عرض الكتاب اليمني للبيع في مكتباتهم ، بل إن مؤسسة قريبة من القطاع الحكومي هي مؤسسة الميثاق التي تنوي افتتاح سلسلة من المكتبات التجارية افتتحت أولى مكتباتها في صنعاء مؤخراً معتمدة على عرض الكتب العربية فقط فيما تهربت من عرض الكتب التي تطبع في اليمن رغم أنها أصبحت تساهم في هذا الحقل منذ فترة .. لا نستطيع أن نحاكم القطاع الخاص تجاه هذه الجزئية لأنه برأسماله الجبان لم يغامر بعد في خوض صناعة وتسويق الكتاب باستثناء مركز عبادي بإمكانياته المتواضعة. الكثيرون يتحدثون عن ازدهار حقل الطباعة والنشر في اليمن منذ منتصف عقد التسعينات الماضي وحتى اليوم ، وأغلب المبتهجين بهذا الازدهار هم أدباء واجهوا صعوبات في الماضي حالت دون طباعة أعمالهم ، لكنهم لا يلتفتون إلى مثل هذه الإشكاليات الفنية . نلاحظ في معارض صنعاء الدولية للكتاب أن حضور دور النشر العربية المهتمة بتجويد الشكل الفني والطباعي لإصداراتها يفضح الكتاب اليمني الذي يظهر بصورة فنية متخلفة ، وبغض النظر عن جودة المضمون فإن عين المستهلك معنية أولاً بالشكل الإخراجي والفني. يتضح مما سبق أن مشكلة الكتاب في اليمن تتمثل في ضعف الجانب الفني الطباعي إلى جانب غياب شبكة التوزيع مروراً بالاستهتار بحقوق المؤلف مما يدفعه إلى التضحية بكتابه وبيعه لمخازن الجهات الحكومية ، ويظل ضعف الجانب الفني والإخراجي هو الأهم من بين كل تلك الأسباب مجتمعة .