البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    عقلية "رشاد العليمي" نفس عقلية الماركسي "عبدالفتاح إسماعيل"    تصريحات مفاجئة لحركة حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والانخراط ضمن منظمة التحرير بشرط واحد!    تطور مهم.. أول تحرك عسكري للشرعية مع القوات الأوروبية بالبحر الأحمر    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    هيئة السلم المجتمعي بالمكلا تختتم دورة الإتصال والتواصل الاستراتيجي بنجاح    فيديو صادم: قتال شوارع وسط مدينة رداع على خلفية قضية ثأر وسط انفلات أمني كبير    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    امين عام الاشتراكي يهنئ الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين بنجاح مؤتمرهم العام مميز    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    فينيسيوس يتوج بجائزة الافضل    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الإطاحة بشاب أطلق النار على مسؤول أمني في تعز وقاوم السلطات    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    رجال القبائل ينفذوا وقفات احتجاجية لمنع الحوثيين افتتاح مصنع للمبيدات المسرطنة في صنعاء    حقيقة وفاة ''عبده الجندي'' بصنعاء    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    لأول مرة.. زراعة البن في مصر وهكذا جاءت نتيجة التجارب الرسمية    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    وحدة حماية الأراضي بعدن تُؤكد انفتاحها على جميع المواطنين.. وتدعو للتواصل لتقديم أي شكاوى أو معلومات.    "صدمة في شبوة: مسلحون مجهولون يخطفون رجل أعمال بارز    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صناعة الطباعة في اليمن.. مليارات في مهب الريح.. والحكومة لا تملك تصور واضح!
نشر في المصدر يوم 11 - 10 - 2010

لم يكن أحمد عبد الله, 30 عاما, يتوقع أن الاختناقات والسعال الذي كان يشكو منهما سينعكسان سلبا على صحته، ولولا تداركه للأمر لسببا له مخاطر لا تحمد عقباها.

يقول أحمد (أحد مواطني أمانة العاصمة ويعمل بإحدى المؤسسات الإعلامية الرسمية): "قبل ثلاثة أعوام عملت في المواد الخاصة بالتحميض في المطبعة التابعة للمؤسسة التي أعمل فيها دون أي وقاية. وكنت دائما أعاني من اختناقات وضيق التنفس وسعال شديد جدا, قررت بعد أن تفاقم الوضع استشارة أحد الأطباء, وإذا به يفاجئني بأنه لو كنت تأخرت عن ذلك لفترة معينة لانعكس على صحتي بشكل أكبر, وأن العمل بهذا المجال يتسبب بمخاطر لا يمكن الوقاية منها والنتيجة عقم وتسمم وغيرها. نصحني حينها بالانتقال إلى عمل آخر وقرر لي بعض المضادات الحيوية وعملت بنصيحته إلى اليوم".

قصص كثيرة سمعتها من بعض العاملين في المطابع، منهم أصيبوا بأمراض خطيرة وتركوا العمل, وآخرون أوردوا قصصا لزملاء لهم ممن بترت أصابعهم أو أجزاء منها. قلة منهم حصلوا على تعويضات. جميعها تلخص معاناتهم وتخفي كثيرا من المعاناة والألم الذي يعيشه عمال المطابع في اليمن دون أدنى وعي بخطورة التعامل مع المواد الداخلة في الطباعة وفي مقدمتها معدن الرصاص, مع غياب التأمين الصحي والاجتماعي في غالبية المطابع, وغياب واضح لدور الجهات التي يعملون فيها والجهات ذات العلاقة والتي لم تحرك ساكنا لإلزامها بتطبيق ذلك للتخفيف من الخطر
"السياسية" تناقش واقع العمل الطباعي في اليمن ومخاطره وطبيعته وإشكالياته ومتطلباته.

انتقادات قراء
الحديث عن الطباعة وأنواعها وعدد الرؤوس الطباعية والمقاسات حديث طويل؛ فهناك طباعة الأوفست, طباعة الجرافيور, حفر السلندرات, الطباعة البارزة (الليتربرس) الحرارية, طباعة الفلكسو, طباعة السلك سكرين... وكافة هذه الأنواع متوفرة محليا, وقادرة على طباعة كثير من الأعمال الطباعية إن لم تكن كافة الأعمال التي يتطلبها واقعنا اليمني، ليس الصحف والمجلات والكتب والدفاتر المدرسية والتقاويم الحائطية والمكتبية فقط, بل يتعدى ذلك إلى طباعة العبوات الورقية بأحجامها وأشكالها المختلفة والورق المسطر والليبلات والبوسترات وأوراق الكمبيوتر المكربنة ذاتيا وغيرها.

وبرغم ذلك، وتأكيدا لما تم توضيحه في المقدمة, فالمتتبع لأوراق الصحف وبعض المجلات المحلية يجدها من أردى أنواع الورق والأحبار, وأثناء تصفحك لأي صحيفة ما هي إلا لحظات وتتسخ يداك بالحبر.

حول ذلك انتقد عدد من القراء القائمين على الصحف المحلية والمطابع جراء هذه الإشكالية؛ كونها -بحسب تعبيرهم- تشكل خطرا عليهم, ويطالبون باستخدام أوراق راقية أسوة بالصحف الموجودة في معظم الدول العربية وخاصة الخليجية, بالإضافة إلى ذلك لا ينصح طبيا (قاعدة طبية) باستخدام الأوراق المطبوعة للف المأكولات والأطعمة وبعض المشروبات؛ باعتبار أن معظم أحبار الطباعة يدخل في تركيبها عنصر الرصاص.

ويرجع رؤساء تحرير عدد من الصحف أسباب رفع أسعار الصحف وعدم استخدام أوراق راقية إلى ارتفاع تكاليف الطباعة وضعف السوق الإعلانية وغيرها.

ضارة بالصحة
وفي هذا السياق، أكد رئيس قسم طب المجتمع بكلية الطب جامعة صنعاء، الأستاذ الدكتور أحمد الحداد, خطورة معدن الرصاص والذي يعتبر من المعادن الخطيرة التي يجب أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر عند التعامل مع المواد التي يستخدم الرصاص في صناعتها مثل الأوراق المطبوعة أو المكتوبة بالحبر.

وأضاف: "الرصاص من المعادن الثقيلة حيث لا يذوب إلا تحت 372 درجه مئوية ولا يغلي إلا تحت 1260 درجه مئوية, وهكذا يمكن أن تتصور كيف يكون تأثير هذا المعدن الثقيل عندما ينساب إلى جسم الإنسان سواء عن طريق التنفس أو عن طريق الجهاز الهضمي أو الجلد, الذي يسير بعد ذلك مع الدم إلى جميع الخلايا والأنسجة والأعضاء المختلفة, مثل الأنسجة العصبية وأنسجة الكبد والكلى وأنسجة العظام والأسنان والشعر والأظافر, حيث يتحد مع الأكسجين مكونا أكسيد الرصاص السام، محدثا الكثير من الآثار الضارة بصحة الإنسان أهمها: الصداع المزمن والإنهاك الشديد, اضطرابات الجهاز التنفسي, والذي تظهر أعرضه الرئيسة في السعلة المزمنة الناجمة عن الحساسية من مادة الرصاص وكذلك الأزمة وضيق التنفس والحشرجة المستمرة أو المتقطعة, وتقلص العضلات اللاإرادية للجهاز الهضمي مسبة اضطراباتها المزمنة وأهمها التهابات المعدة والاثنا عشر والمريء والأمعاء والقولون العصبي والبواسير, وإصابة الهيموجلوبين في الدم مسببا مرض فقر الدم, وما يمكن أن يحدثه هذا من مضاعفات على الجسم, مثل الشعور الدائم بالإعياء والفتور والدوخة والشحوب أو الهزال, وأمراض عصبيه مختلفة أهمها التشنجات والهذيان والأرق والأحلام المزعجة والذهان والهوس والانفصام والغيبوبة أحيانا, الإصابات الجلدية المختلفة, ضعف العضلات بشكل عام وآلامها وهشاشة العظام ومنها عظام الأسنان, كما تتأثر الوظائف الحيوية للأعضاء الداخلية مثل وظائف الكبد والكلي, وتساقط الشعر وتآكل الأظافر".

مرضية تسممية
ودعا الحداد إلى الوقاية من التعرض لهذه المادة بالإقلال قدر الإمكان من تسربها إلى الجسم, سواء بالابتعاد عن الأماكن المعرضة للمادة أو ارتداء الملابس الواقية والتهوية المستمرة لأماكن العمل وإزالة المخلفات الملوثة أولا بأول, والعمل على استبدال المواد الصناعية التي فيها رصاص مثل البنزين والحبر بالمواد الخالية من الرصاص وغيرها. كما دعا الأشخاص الذين يعانون من أمراض الحساسية والسعلة المزمنة وفقر الدم وهشاشة العظام والقولون العصبي والاضطرابات العصبية وغيرها من الأمراض المذكورة سابقا, لاستبدال أماكن أعمالهم إلى أماكن لا يوجد فيها تسرب مادة الرصاص.

ولفت إلى أهمية الفحص الدوري كل ستة أشهر أو سنة لمعرفة تركز مادة الرصاص في الدم والبول, وخاصة لدى عمال الطباعة ومحطات البنزين ومعرفة ما إذا كان تركيز الرصاص أكثر من 60 ميكروجرام في كل 100 مل من الدم, فإن ذلك يعني وجود حالة مرضية تسممية بأكسيد الرصاص ينبغي معالجتها فورا بكافة الوسائل الممكنة, والتغذية الجيدة والحفاظ على أن تكون الوجبة الغذائية متوازنة تحتوي على كافة مكونات الغذاء السليم وفي أوقاتها والابتعاد عن تناول القات والتدخين.
وأشار الحداد إلى أن علاقة مادة الرصاص في حدوث السرطان لم تثبت علميا حتى الآن, رغم أن الكثير من الأمراض المزمنة وليست فقط تلك الأمراض المرتبطة بهذه المادة، يمكن أن تكون عوامل إصابات سابقه مسببه لحدوث السرطانات في جسم الإنسان بشكل أو بآخر.

عمال المطابع أكثر المتضررين؛ نتيجة احتكاكهم المستمر بعنصر الرصاص, وينبغي استخدامهم وسائل وقائية, كالكمامات والقفازات وغيرها. إلا أن الواقع عكس ذلك، فالغالبية لا يدركون أهميتها ولا يستخدمونها, ويلقون باللوم على أصحاب المطابع والقائمين عليها والمسؤولين عليهم, برغم أنهم جزء من المشكلة.

نمو وتطور
إلى هنا والصورة واضحة. وفيما يتعلق بواقع العمل الطباعي, فبرغم أن الروايات تشير إلى أن الطباعة في اليمن ظهرت عام 1879 بدخول مطبعة صنعاء, والتي أنشأتها الدولة العثمانية, وخصصتها لما يخدم مصالحها، ولم يُطبع فيها أي كتاب بالعربية, ويصفها الدكتور يحيى محمود جنيد بأنها مطبعة يدوية هزيلة، لا تطبع أكثر من صفحتين؛ إلا أن المهتمين في هذا المجال يشيرون إلى أن العمل الطباعي في اليمن (الحكومي والخاص) بدأ في النمو والتطور منذ بداية التسعينيات تلبية لمتطلبات الواقع الجديد من حيث الزيادة في أعداد الصحف والمطبوعات والمجلات والكتب والأعمال الطباعية التجارية والإعلانية, وبدأ استيراد المطابع بمقاسات صغيرة (جي تي أو 52 سم) ثم تطورت لتصل إلى "70 في 100 سم" للطباعة المسطحة وكذلك بمقاسات البروشيت والتابلويد وغيرها للطباعة بالرول, سواء لدى المؤسسات الإعلامية الرسمية أو المطابع الخاصة, وصولا إلى مقاسات تصل إلى 700 - 1000 ملم في الطباعة والقص.

بسيط ومتواضع
"مطابع المتنوعة" إحدى الوحدات الإنتاجية التابعة لشركة الصناعات المتنوعة ومواد التعبئة. وفي تقييمه لواقع وسوق الطباعة في اليمن, يرى مدير فرع الشركة في صنعاء، خالد سلام, أنه برغم المنافسة الشديدة إلا أن ثمة نموا وإن كان بطيئا. وفي حين يؤكد مدير مركز عبادي للدراسات والنشر نبيل عبادي, أن هناك تطورا في صناعة الطباعة في اليمن, يقول مدير عام المطابع بوكالة الأنباء اليمنية (سبأ) فضل القدسي: "المستوى مازال متواضعاً مقارنة بكثير من الدول من حيث الإمكانيات والجودة والكادر الفني، مع ذلك فهو يفي بمتطلبات السوق المحلي والذي يعتبر بسيطاً ومتواضعاً".

وأوضح القدسي عن أبرز أسباب تواضع العمل الطباعي, اقتصادية: "كلما كان الاقتصاد جيداً في البلد والأوضاع مستقرة وهناك استثمارات وحركة تجارية نشطة في جميع المجالات، فبالتأكيد سيزيد الطلب على الأعمال الطباعية, وسيتطلب الأمر على المطابع أن تطور من إمكانياتها في شتى الجوانب", إلى جانب وعي المجتمع ومستوى التعليم والثقافة في البلد واهتمامهم بالاطلاع والقراءة وإقبالهم على شراء الصحف والمجلات والذي سيسهم في تطور العمل الطباعي.

وأضاف: "الاستثمار في العمل الطباعي مكلف جداً وقيمة الآلات الطباعية الحديثة مرتفعة تصل إلى أكثر من مليوني دولار، وتتطلب سوقا طباعية جيدة. وبالنظر إلى أن جميع الأعمال الطباعية المطلوبة من الجمهور اليمني بسيطة جداً, فهذا يجعل من الصعب تغطية قيمة الآلات على مدى سنوات طويلة تتجاوز عشر سنوات, فأفضل صحيفة أسبوعية تطبع بمعدل عشرة آلاف نسخة بالكثير، والمجلة الشهرية لا تزيد عن ألفي نسخة، وكذلك الكتاب في أحسن الأحوال, وكالمثل بقية الأعمال الدعائية والتجارية, وبالتالي يصبح الاستثمار في هذا المجال غير مجد, الأمر الذي جعل البعض من أصحاب المطابع يلجؤون إلى شراء آلات قديمة ومستخدمة أو ذات جودة وتقنية أقل".

وأشار القدسي إلى أن من الأسباب أيضا أن أصحاب المطابع والجهات الطباعية يفتقدون لمعايير سليمة في المنافسة التجارية على الأعمال الطباعية في السوق, والتي وصلت إلى حد جعل من الأسعار هي الأدنى ولا تتناسب مع التكاليف الحقيقية لهذه الأعمال ولا تنسجم مع تكلفة الآلات الطباعية التي يعملون عليها, منوها بأن حسابات التكاليف لديهم لا تعير هذا الجانب أي أهمية ولا تراعي نسب الإهلاك وغيرها من النفقات بسبب الثقافة العامة, الأمر الذي بدوره يجعل من عملية التطوير والتحديث لمطابعهم أمرا صعبا، كونهم يحتاجون إلى فترت طويلة جدا لتغطية تكاليف آلاتهم الموجودة.

أردئ الورق
ويعترف مدير مركز عبادي بأن المطابع المحلية تستخدم أردأ أنواع الورق, مضيفا: "ما نستخدمه في إنتاج الكتب ورق للأعمال الطباعية التجارية وليس للكتب, ويتحكم بهذه العملية مستوردو الورق الذين لا يتجاوز عددهم ثلاثة أو أربعة, وعندما نطالبهم بورق بمواصفات جيدة يبدون استعدادهم لتوفيرها؛ لكنهم يشترطون الطلب بالحاوية وهو أمر فوق طاقة أي ناشر فنضطر لاستخدام المتوفر".

من جهته, أكد مدير إدارة الإنتاج بمؤسسة "الثورة" للصحافة والطباعة والنشر، إبراهيم سيف, أن الظروف الاقتصادية المتردية لا تسمح باستيراد أرقى أنواع الورق والأحبار، وأن ما يستخدم حاليا يتناسب مع القدرة الشرائية للمواطن والعميل, مبينا أن طباعة أي صحيفة تكلف ما لا يقل عن 200 ريال وتباع بأقل من خمسين, موضحا أنهم يطبعون ما يقارب 70 بالمائة من الصحف المحلية المستقلة والحزبية في "مطابع الثورة" وغيرها من الأعمال التجارية؛ لكنه لم يفصح عن حجم الإيرادات التي تحققها مطابعهم سنويا, إلا أننا حصلنا على معلومات تؤكد أنها بلغت ما يقارب 130 مليون العام الماضي.

وأوضح سيف مميزات آلة الطبع الصحفية الحديثة التي تمتلكها مؤسسة "الثورة" والتي بلغت قيمتها 255 مليون يورو تقريبا.



المثير للجدل أن كثيرا من الجهات الحكومية والخاصة تنفذ أعمالها الطباعية خارج الوطن, وألحقت هزيمة بالمطابع المحلية في عقر دارها, وساهم في عدم النهوض بها, ومليارات تذهب في مهب الريح وتستفيد منها مطابع خارجية.

ووصل الأمر مؤخرا إلى طباعة "تقاويم سنوية" في الصين, وهو ما قام به البنك اليمني للإنشاء والتعمير والتي تجاوزت تكلفتها العام الجاري 50 ألف دولار, بحجة أن الأسعار هناك مناسبة.

الكتاب المدرسي هو الآخر كان يطبع وبكميات هائلة خارج الوطن تكلف مليارات الريالات؛ لكن مطابع الكتاب المدرسي اليوم واحدة من أكبر المطابع وأفضلها على المستوى المحلي, حيث تم تطويرها وتحديثها بإضافة آلات حديثة ومتميزة خلال السنوات الماضية, وأصبحت مكتفية ذاتيا في تغطية طباعة الكميات المطلوبة من الكتاب المدرسي سنويا, ليس هذا فحسب بل مازالت المشكلة قائمة.

وحول ذلك يقول مدير مركز عبادي للدراسات والنشر نبيل عبادي: "هؤلاء يرتكبون أكبر جريمة بحق البلد؛ كونهم يبددون الأموال الصعبة في أعمال بالإمكان تنفيذها اليوم محليا. وأتهم هذه الجهات بالفساد وغياب مسائلتها ومحاسبتها, وعلى رأسها -أجدد ما قلته عام 2004- وزارة الثقافة, التي ارتكبت أكبر جريمة وتسببت في إحداث نكسة بحق صناعة الكتاب, عندما دفعت بطباعة مئات الكتب عام 2004 أثناء الاحتفال بصنعاء عاصمة للثقافة العربية خارج اليمن ولدى جهة واحدة ولا أعلم ما وراء هذا الترتيب, بلغت تكلفتها عدة مئات الآلاف من الدولارات, وللأسف الشديد مازالت هذه الجريمة تتكرر إلى اليوم من قبل مؤسسات حكومية على رأسها وزارة الثقافة والهيئة العامة للكتاب وغيرهما".

الألوان والجودة
مجلة "أبوب" أحد إصدارات المجموعة اليمنية للإعلام تطبع في دبي كغيرها من المجلات الأهلية, يعلق المدير التنفيذي للمجموعة فيصل العديني بالقول: "هناك العديد من الأسباب دفعتنا لذلك, منها الوقت حيث يستغرق طباعة عشرة آلاف نسخة من 24 إلى 48 ساعة, ودقة الألوان وجودة الورق الرول، أو ما يسمى بالورق الصحفي، والذي يتم الطباعة عليه بالألوان الأربعة في وقت واحد, والتكلفة الطباعية الأقل مقارنة بالأسعار المحلية بما فيها أجور الشحن".

ويعترف العديني الذي صرح ل"السياسية" قبيل توقف "أبواب" بأن الطباعة في اليمن متوفرة لكنها متوسطة الحال أو أقل باستثناء غياب العمل المؤسسي للمطابع.

وفي سياق متصل استنكر رؤساء تحرير مجلات محلية وباحثون وأكاديميون, انتشار المطابع المحلية وعدم مراقبتها, وما يتم من غش واحتيال وعبث واستهتار بكتبهم ومجلاتهم في تلك المطابع, إلى جانب عدم الاهتمام بها من قبل الطباعين, رغم الملايين المدفوعة ويكتشفوا أخيرا أنها تطبع بالأرجل.

شكل لائق
مجلة "السياحة" الصادرة عن مجلس الترويج السياحي التابع لوزارة السياحة، وبعض البروشورات، هي الأخرى تطبع خارج الوطن. وكالمثل مجلة "اليمنية" الصادرة عن الخطوط الجوية اليمنية وغيرها. وفي حين لم نتمكن من اللقاء بالمعنيين في مجلة "اليمنية", أرجع مدير المشتريات بمجلس الترويج السياحي محمد المرادي, ذلك لتوفر المواصفات الطباعية الراقية التي قد لا تتواجد في اليمن, وعدم توفر الفنيين المتخصصين والأنواع الجيدة من المواد المستخدمة في الطباعة.

وأضاف المرادي: "طبيعة عملنا تشترط الجودة العالية في مطبوعاتنا, خصوصا وأننا جهة تتعامل مع مختلف الدول المتقدمة فنحاول من خلال مطبوعاتنا كالبروشورات مثلا والتي طبعنا من أحدها ب12 لغة أن نظهر اليمن بالشكل اللائق بها وننافس الترويج السياحي الخارجي, وهو ما نقدمه في مطبوعاتنا التي يتم طباعتها في دبي, وهذا لا يعني أننا لا نشجع العمل الطباعي المحلي والذي يتميز بعضه بجودة عالية, فلدينا بحدود 25 بروشورا وكتيبا متنوعا عن: السياحة الدينية، الاستثمار، وعدن... وغيرها، يتم طباعتها محليا وطبعنا منها العام الماضي كميات هائلة جدا".

ليست سيئة ولكن!
ويؤكد المرادي أن أسعار الطباعة المحلية مبالغ فيها, حيث تكلف طباعة مجلة "السياحة" في العدد كل شهرين بكمية قدرها 5 آلاف نسخة في مطابع دبي 10 آلاف دولار, في حين عروض السعر التي حصلنا عليها من مطابع محلية متميزة, مرتفعه جدا بعضها بنسبة 100 بالمائة.

ويسترسل المرادي: "الطباعة في اليمن ليست سيئة ونفضل التعامل مع المطابع المحلية لسلاستها وسهولتها عما هو قائم في الخارج, ولكن نتمنى معالجة المعوقات الموجودة كاستخدام أوراق وأحبار راقية وكافة مشتقات الطباعة ذات الأنواع الجيدة التي تليق بمطبوعات وزارة السياحة, وأسعار مناسبة وعدم احتكار أعمال الاسبتيوبي والسلفان وغيرهما للحد من تسرب الأعمال الطباعية إلى الخارج".

حجج واهية
من جانبه, يرى فضل القدسي أن كافة الحجج التي تدفع بالكثيرين للطباعة في دبي أو لبنان أو سورية أو غيرها, ليست إلا واهية ومبررات فقط "يمكن لهذه الجهات طباعة أعمالها محليا وبجودة ممتازة ووقت جيد وأسعار جيده".

ويضيف: "طباعة هذه الأعمال محليا له أهمية كبيرة حتى وإن كانت بتكلفة أعلى وبجودة أقل بنسبة بسيطة وبوقت أطول قليلا وغير مؤثر على العمل, برغم أنني أشك في ذلك، فالطباعة في اليمن أقل تكلفة منها في دبي, والأهم من هذا أن تشجيع المطابع المحلية بهذه المطبوعات وتحملها عاما واحداً أو عامين وبعقود موقعة ومواصفات معقولة, سيمكنها من تحديث وتطوير مطابعها وسينهض بإمكانياتها ومستوى الأداء والجودة فيها, وسيسهل فيما بعد تنفيذ هذه الأعمال بنفس الجودة الطباعية وأرقى منها".

ذلك ما أكده أيضا مدير مطابع المتنوعة بصنعاء خالد سلام, حيث قال: "النهوض بالواقع الحالي يحتاج إلى دعم وتشجيع من الحكومة والحد من أي أعمال أو مطبوعات يتم تنفيذها خارج البلاد طالما توفرت الجهات التي يمكن أن تقوم بنفس العمل المطلوب وبجودة عالية وأسعار منافسة", مضيفا: "من الصعب علينا كسب ثقة الغير إذا كنا نوجه أعمالنا خارج الوطن وخاصة الجهات الرسمية".

ارتفاع الأسعار!
ويؤكد سلام أن التغيرات التي تحدث من فترة لأخرى في أسعار الطباعة هي بسبب الارتفاع في أسعار المواد الخام وخاصة أسعار الأوراق عالميا, حيث ونحن نستورد كافة مدخلات الطباعة من الخارج, كذلك التقلبات والزيادات المتسارعة في أسعار الدولار أمام الريال اليمني والذي يؤثر بشكل مباشر على الأسعار بشكل عام.

ويتمنى سلام إعفاء كافة المواد الداخلة والمستخدمة في منتجات الطباعة من الضرائب والجمارك, على الأقل تلك التي تساهم في نشر العلم والثقافة مثل الكتب, والدفاتر المدرسية, أوراق الكمبيوتر وغيرها, وكما هو معمول به في بعض البلدان. ونوه بأنه يجب تفهم أن هناك فارقا في تكاليف الشحن إلى اليمن مما يضاعف مسبقا من تكاليف مدخلات الصناعات الورقية عموما ولا يمكن الصناعات الوطنية من المنافسة.

ويجمع الكثير من أصحاب المطابع الخاصة على غياب العدالة فيما يتعلق بالإعفاءات والتسهيلات لمدخلات الطباعة بين القطاعين الحكومي والخاص, حيث تعطى للأول امتيازات لا تعطى للأخير, حتى على مستوى إرساء المناقصات, والتي تتم أحيانا بالمخالفة ولصالح المطابع الحكومية, وهو ما ينبغي معالجته سواء في القوانين أو غيرها, حد قولهم.

الفساد والعمولات!
وجهة نظر مختلفة أثارها نبيل عبادي, حيث أكد أن ما يرفع تكلفت الطباعة المحلية هي التكلفة غير الظاهرة التي تضاف على التكلفة الحقيقية كالعمولات والاستقطاعات, لافتا إلى أن مركزه قرر ألا يطبع لأي جهة حكومية بسبب الفساد والعمولات؛ "تخيل أن تقوم بتنفيذ عمل طباعي معين لجهة حكومية وتحرر فاتورة بالقيمة ويأتي الشخص الذي أتى بالعمل ويطالبك بتحرير فاتورة تتجاوز التكلفة الحقيقية بالضعف وأكبر! هذا أمر غير طبيعي ولا يمكن أن نشارك فيه".

ويرى آخرون عكس ذلك, وأن العمولات ضرورية ليس في العمل الطباعي فقط وإنما في كثير من الأعمال, موضحين أن جميع المطابع -إلا ما ندر- يتعامل على هذا الأساس والذي يكون شرطا رئيسيا لاستقطاب العميل. وبرغم ذلك يستنكر كثير من المهتمين والمختصين مثل هذه الإجراءات؛ كونها جزءا من الفساد.

إشكالية أخرى!
إشكالية أخرى تؤرق القائمين على المطابع؛ كونها أحد أسباب عدم النهوض بواقع صناعة الطباعة المحلية؛ تتمحور -بحسب الجميع- في استيراد عدد من الجهات الحكومية مطابع دون أن يتطلبها عملها إلا نادرا, ويرون أنها عبث بالمال العام؛ كونها لا تقوم على أي دراسة جدوى, وأن رئاسة الوزراء لا تمتلك رؤية أو تصورا واضحا حول هذا الموضوع. ومن أبرز تلك الجهات: جامعة صنعاء, المعهد الوطني للعلوم الإدارية, المعهد العالي للقضاء, وزارة الداخلية, الهيئة العامة للأراضي والمساحة, الجهاز المركزي للإحصاء, وزارة الزراعة, الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة... وغيرها.

وبرغم أننا زرنا بعض هذه الجهات للالتقاء بالقائمين عليها ومناقشة الموضوع, إلا أننا لم نتمكن من ذلك، بسبب انشغالهم، بحسب موظفي مكاتبهم، وبرغم أننا تركنا رقم الهاتف للتواصل معنا؛ لكنهم لم يكلفوا أنفسهم الاتصال؛ باستثناء الجهاز المركزي للإحصاء, حيث التقينا هناك بأحد المعنيين بالمطبعة (فضل عدم ذكر اسمه)، وأوضح أن الجدوى الاقتصادية من المطبعة, تنفيذ الأعمال الطباعية الخاصة بالجهاز فقط لا غير التي تكلف في حال طباعتها بالمطابع الأخرى ما بين 20 أو 30 مليون ريال سنويا, لافتا إلى أنها أعمال موسمية وتتناسب مع حجم المطبعة (رأس واحد).

وينتقد مدير إدارة الإنتاج بمؤسسة "الثورة" للصحافة والطباعة والنشر إبراهيم سيف, بشدة الجهات الرسمية التي تستورد مطابع دون أن يتطلب عملها ذلك؛ "هذا شيء سلبي"، وكالمثل تنفيذ الأعمال الطباعية خارج الوطن.

وعند مواجهته بمعاناة الفنيين العاملين في مطابع الثورة أوضح سيف أنه تم تدريب وتأهيل عدد منهم في دول خارجية؛ ولكنه اعترف بوجود قصور في هذا الجانب وهو ما ينبغي معالجته, معتذرا عن الرد فيما يخص حقوق الفنيين من التأمين الصحي والاجتماعي وما شابه.

منافس غير شريف
إلى ذلك اعتبر نبيل عبادي, أن المتوفر من مطابع يكاد يكفي اليمن وشرق وغرب أفريقيا, معتبرا الإشكالية في قيام كثير من المؤسسات الحكومية التي لديها خطوط إنتاج لا تعمل بكفاءة اقتصادية وتشغل خط إنتاجي آخر حديث وتهمل الخط القديم, مبينا أن المطابع الحكومية تنشأ للقيام بتلبية الحاجة الطباعية للمؤسسة صاحبة الشأن وعندما تنتقل للعمل في السوق تشكل منافسا غير شريف للقطاع الخاص؛ كونها لا تعتمد بنظام الربحية ولا يهمها أي خسارة, حيث تغذي ذلك من المال العام, بدليل أن كثيرا من هذه المؤسسات أنفقت مئات الملايين لشراء معدات طباعية ولم تكلف نفسها تدريب كادر والذي يتم سرقته من السوق المحلية الخاصة وإرهاقه نتيجة للعمل بنظام الورديات المتعددة ويقلل من كفاءته الإنتاجية, مؤكدا أن المطابع الخاصة تستطيع أن تنتج جميع أنواع الطباعة بما فيها الصحف؛ لكنها تحجم عن ذلك بسبب مشاكل وزارة الإعلام.

لسنا استثناء!
وبين عبادي، حول أوضاع وحقوق العاملين, أن كل عامل وصل إلى مركزه تم تدريبه وتأهيله للعمل في المعدات الطباعية؛ كونها بسيطة وصغيرة، وأن عدد العاملين لديه لا يتجاوز خمسة أغلبهم بنظام اليومية والقطعة, موضحا بخصوص عقود العمل والتأمين عدم تطبيقه لذلك, معتبرا أنها إشكالية تعاني منها سوق العمل في اليمن بشكل عام لعدم وجود عمالة ثابتة؛ "لسنا استثناء في هذه الحالة".

وزاد: "العامل يتهرب من الضمان الاجتماعي لعدم ثقته بذلك نتيجة للإجراءات التي يعاني منها الكثيرون عند متابعتهم لاستحقاقاتهم المالية بهذا الشأن أو غيره, ويجب على المؤسسات الطباعية، الحكومية تحديدا، والتي لديها من 50 إلى 60 عاملا وتوظيفاتها الاستثمارية تتجاوز 200 و300 مليون ريال سنويا أن تعطي عناية أفضل للعامل".

بالخبرة
من جانبه, لفت خالد سلام إلى أن بعض الجهات الحكومية لا تنظر للقطاع الخاص بأنه شريك فاعل وأساسي في التنمية, معترفا بأن كافة المطابع المحلية تفتقر للكوادر الفنية المدربة وأن عدد العاملين في "مطابع المتنوعة" 350 عاملا وعاملة جميعهم بالخبرة ومؤمن عليهم صحيا واجتماعيا, لافتا إلى أن الدولة ممثلة بوزارة التعليم الفني والمهني لم تول هذا القطاع أي أهمية من حيث التدريب, ويعد مجال هامشي ومهمل.

من جهته, يقول فضل القدسي: "الكادر الفني العامل في المطابع لا يحظى بأي اهتمام أو رعاية أو تدريب أو حتى تثقيفا مناسبا في مجال العمل الطباعي, ومعظمهم شباب تم تدريبهم على العمل من خلال الممارسة فقط وخلال المدة التي يتدربون فيها فإن ما يحدثونه من أضرار وإتلافا يكون كبيرا, فالعمل في الطباعة يتطلب الدقة والجودة والإتقان والاهتمام بالنظافة وصيانة الآلة والمظهر العام للموظف والثقافة وحبه واحترامه لمهنته وإدراكه لأهمية العمل الذي يعمل فيه".

200 مطبعة
بحثنا طويلا عن رقم يبين إجمالي عدد المطابع بعموم محافظات الجمهورية, فتوصلنا إلى أنها بحدود 161 مطبعة بمختلف الأحجام (مطابع أوفست), بحسب مدير عام المصنفات والملكية الفكرية بوزارة الثقافة عبد الملك القطاع. وفي حين أكد رأي آخر أنها 200 مطبعة, بينت الهيئة العامة للاستثمار في تقرير -حصلت"السياسية" على نسخة منه- أنها سجلت منذ عام 92 وحتى منتصف يونيو 2010, 102 مطبعة بعموم محافظات الجمهورية غالبيتها مصنفة بمطبعة "أوفست", تابعة لشركات وأشخاص غالبيتهم أشخاص وبتكلفة استثمارية قدرتها 7 مليارات و5 ملايين و71 ألفا و285 ريالا وبموجودات ثابتة قدرها 6 مليارات ومليون و99 ألفا و285 ريالا.

وبين التقرير أن عدد العاملين في هذه المشاريع 1368 عاملا وعاملة. ولم يشمل التقرير المطابع الحكومية سواء التابعة للمؤسسات الإعلامية أو غيرها, وكذا العديد من مطابع شركات القطاع الخاص.

ويرى القائمون على المطابع أنه لا توجد جهة معنية بتصنيف المطابع المحلية من حيث الحجم والمستوى وغيره, إلا أن أحدهم ألمح إلى أن معظمها ذات الحجم المتوسط والصغير وبنسبة 90 بالمائة, وهو الأمر الذي يجعل من عملية الطباعة فيها -بحسب مراقبين- تأخذ وقتا أطول وجودة أقل أحيانا.

الإعفاء الضريبي
وحول طريقة استيراد وشراء المطابع خاصة من قبل الجهات الرسمية, أوضح عبد الملك القطاع, أنها تدخل ضمن نطاق الاستثمار وينظمها قانون الاستثمار, وتكتفي وزارة الثقافة بمنح التراخيص بعد مخاطبتها بمذكرة من هيئة الاستثمار بهدف الإعفاء الضريبي, وفي حين طالب الهيئة العامة للاستثمار بعدم الموافقة على دخول أي مطبعة غير حديثة تباهي المطابع الخارجية, رفض التعليق حول الاتهامات الموجهة لوزارته, وبعض ما أشرنا إليه سابقا: "هذا ليس اختصاصي".

إلى ذلك أشارت مصادر مطلعة إلى أن تكلفة طباعة المطبوعات التي أنفقتها وزارة الثقافة عام 2004 للمطابع الخارجية بلغت مليونين و500 ألف دولار (480 مليون ريال), وأن الوزارة مازالت تسدد الديون المتبقية حتى اليوم!

الوزير مش فاضي!
حاولنا الالتقاء بوزير الثقافة، أبوبكر المفلحي, لطرح ما توصلنا إليه على طاولته, إلا أننا لم نتمكن من ذلك لانشغاله، بحسب موظفي سكرتاريته الذين أجابنا أحدهم بالقول: "الوزير مش فاضي لك!". سلمناه بعد ذلك أسئلة للرد عليها عبر الإدارة العامة للسكرتارية بوزارته, وكان هذا قبل شهرين ونصف تقريبا, وللأسف إلى اليوم لم نتسلم أي رد, حاولنا الاتصال إلا أنه لم يجب على أي اتصال.

تطوير العمل الطباعي
لتحقيق ذلك طالب عدد من القائمين على المطابع ومهتمون بأن تولي الحكومة اهتماما خاصا بهذا الجانب ودعم الاستثمار فيه مع منح التسهيلات لأهميته اقتصاديا؛ كونه سيوفر فرص عمل للكثير من العاطلين, وإصدار قرار حكومي يمنع الجهات الرسمية من تنفيذ أعمالها الطباعية في الخارج, وحصر إنشاء المطابع على المؤسسات الصحفية أو تلك التي يتطلبها عملها وهي محدودة, بهدف الاستفادة الفعلية منها سواء في تنفيذ أعمالها أو تحسين أوضاعها المالية من خلال العمل التجاري.

وأوصوا وزارة التعليم الفني بإدراج هذا التخصص بجميع مجالاته ابتداء بالتصاميم والفرز والمونتاج والطباعة وانتهاء بالتجليد ضمن برامجها, ولو عبر إقامة دورات تدريبية متخصصة, باعتبار أن سوق العمل الداخلية والخليجية تتطلبها، بدليل أن شبانا يمنيين يعملون بهذا المجال في السوق الخليجية.

وأكدوا ضرورة التنسيق مع وكلاء الشركات العالمية المصنعة للآلات الطباعية لإنشاء أكاديمية خاصة بالتعليم والتدريب على العمل الطباعي على غرار ما تم إنشاؤه في كثير من الدول، آخرها مصر, لتدريب الشباب الراغبين بهذا العمل ومنحهم شهادات رسمية, وتدريب العاملين في المطابع الموجودة لإكسابهم مزيدا من الثقافة والخبرة العلمية لتحسين مستوى الأداء والجودة المطلوبة, وكذا عدم الإحجام عن الاستثمار في هذا المجال, والعمل وفق معايير تنافسية عادلة, وتدريب وتأهيل وتثقيف الكوادر الفنية وحثهم على تحقيق معدلات جيدة من الجودة والإبداع.

إطفاء الحماية
إلى ذلك يقترح نبيل عبادي: "إيقاف كافة المؤسسات الطباعية الحكومية, عدى تلك التي تنتج صحفها اليومية بعشرات الآلاف من الأعداد ومطابع الكتاب المدرسي, وبيعها بالمزاد العلني واتخاذ قرار جريء لإطفاء الحماية لفترة محدودة لتهيئة القطاع الطباعي والاستعداد للمنافسة القادمة, وهو حق تمنحه اتفاقية التجارة العالمية".

وأضاف: "إذا تم ذلك ووضعت مواصفات منطقية ومعقولة للمطبوعات المحلية وطلب منها تنفيذ الأعمال وفقا لذلك وبعقود موقع عليها سيحدث هذا تغييرا كبيرا في صناعة الطباعة داخل اليمن".

نقابة للعمال
من جهته, أوضح فضل القدسي, أنهم يعملون حاليا مع بعض الزملاء بالمطابع الحكومية والخاصة على تأسيس نقابة خاصة بعمال المطابع, داعيا كافة الفنيين والعاملين بهذا المجال سواء في المطابع الحكومية أو الخاصة إلى التجاوب, لافتا إلى أهمية وجود نقابة تدافع عن كافة حقوق العمال وتمنحهم كافة ما يستحقونه خصوصا للعاملين في القطاع الخاص, وإنشاء مركز تدريب بالتنسيق مع الوكلاء الرئيسين للآلات الطباعية وحصول العاملين على دورات تدريبية للرقي بمستواهم الفني.

د. النجار: الألوان في الصحافة الورقية تلعب دورا أساسيا في جذب القراء
أكد أستاذ الإعلام المساعد بقسم الصحافة والإعلام كلية الآداب بجامعة عدن، الدكتور سليم النجار, ضرورة تطوير العمل الطباعي الصحفي في اليمن, لمنافسة وسائل الإعلام الأخرى, كالتلفزيون والانترنت، التي تكاد تطغى على الصحافة الورقية, موضحا أن استخدام الألوان في الصحافة الورقية يلعب دورا أساسيا في جذب اهتمام القراء وزيادة عددهم لشراء هذه الصحيفة أو تلك.

وأشاد النجار بتحول غالبية الصحف ليس في اليمن فقط بل في العالم إلى طباعة الأوفست, معتبرا أنها الطريقة الأسهل والأسرع في عملية الطباعة, وغير مكلفة كما هو حال الطباعة البارزة والغائرة.

وأضاف: "الصحافة توأم الطباعة والعكس صحيح، ويجب أن يتطورا معا, وينبغي استيراد وتعزيز المطابع اليمنية بالات الحديثة, وتدريب العاملين في الطباعة داخليا وخارجيا لتعلم فنونها, والترويج بشكل أفضل للحد من تسرب الأعمال الطباعية للخارج واستقطاب أعمال خارجية بما فيها الصحف العربية والدولية التي تسوق في اليمن".

اليوسفي: الدولة تكبدت خسائر مالية كبيرة والاخوة في المالية يفهمون التقشف بطريقة سيئة
مؤسسة "الجمهورية" للصحافة والطباعة والنشر إحدى المؤسسات الصحفية الرسمية التي أثير حولها لغط شديد؛ كونها استوردت مطبعة ألمانية بتمويل حكومي, واستلمتها قبل ثلاث سنوات، إلا أنها لم تشغلها حتى اليوم, وهو ما يكلف الخزينة العامة للدولة خسائر مالية ضخمة. وبرغم أن مؤسسة "14 أكتوبر" للصحافة والطباعة والنشر تعاني ذات الإشكالية, وإن اختلفت التفاصيل، إلا أننا لم نتمكن من التواصل مع رئيس مجلس إدارتها لانشغالاته.

طرحنا إشكالية مؤسسة الجمهورية على طاولة رئيس مجلس إدارة المؤسسة رئيس التحرير، سمير اليوسفي, فرد قائلا: "مشكلتنا في المطابع مسؤولية الإخوة في وزارة المالية الذين يفهمون التقشف بطريقة سيئة وغير منطقية تضر أكثر مما تنفع؛ كوننا نعاني أكثر من غيرنا في هذا الجانب, خصوصا وأننا حاليا نطبع صحيفة يومية مع ملحق يومي بمطبعة متهالكة تتكون من رأسين ونصف وتكاد تلفظ أنفاسها. وبعدما طالبنا بمطبعة وأقرت بتمويل حكومي بعد صراع شديد استمر 15 عاما, بلغت قيمتها حوالي مليوني دولار, وبدلا من استيرادها بعد تسعة أشهر بحسب العقد, تم إقرار قيمتها على ثلاثة أقساط (كل سنة قسط), على غير ما يحدث في كثير من المناقصات بملايين الدولارات, فتم دفع القيمة على ثلاثة أقساط وتبقى فارق سعر لارتفاع سعر العملة (اعتمدته وزارة المالية العام الماضي). إضافة إلى ذلك واجهتنا مشكلة عدم إقرار صالة الطبع الصحفي, إلا بعد عامين من إقرار المطبعة, وهو ما أدى إلى عدم تركيب المطبعة حتى اليوم, إلا أننا استلمنا صالة الطبع الصحفي قبل ثلاثة أسابيع, وبقيت بعض التشطيبات النهائية تمهيدا لحضور الجانب الألماني لتركيب المطبعة (كان هذا أثناء تواصلنا معه نهاية يوليو 2010)".

ويضيف اليوسفي: "وللأسف الشديد لا يدركون أيضا أنهم سبب الخطأ. فمن المفارقات أنني تلقيت من المالية رسالة قبل أسابيع, بأن المطبعة لدينا منذ ثلاث سنوات ولم تشغل، وأن هذه مشكلة, وما هي الأسباب التي أدت لذلك؟ فأجبتهم بما أجبتك به سابقا".

معالجة الموظفين
وأكد اليوسفي أن الدولة تكبدت خسائر مالية كبيرة جراء هذه الإشكالية, منها التأمين على المطبعة بملايين الريالات (في العام الواحد حوالي مليون ريال)، وإيجار شهري للهناجر لعدم وجود مساحة كافية ل"الجمهورية" تدرج من 200 ألف ليصل إلى 300 ألف بسبب الزيادات المطلوبة, ونفقات حراسة, وخسارة كان يفترض أن تجنيها المؤسسة من المطبعة, ناهيك عن ثلاث سنوات في المخازن, موضحا أنه كان يمكن تجاوز المشكلة في حال موافقة المالية على مبنى صالة الطبع قبل إقرار المشروع, ولكنه اكتشف -حد قوله- أن التعامل مع وزارة المالية كمن يريد أن يختلق شيء لنفسه.

وأوضح أنه تفاجأ مؤخرا بعد تفاوضه مع الشركة الألمانية حول تكلفة وإمكانية إضافة رأس للمطبعة, والذي تصل قيمته إلى مليون و200 ألف دولار, أي قرابة نصف قيمة المطبعة بسعرها السابق, مبينا أنها مطبعة ضخمة وممتازة جدا, وأفضل مطبعة صحفية من حيث بلد المنشأ في اليمن.

ولم يخف اليوسفي ندرة الفنيين العاملين في المطابع المحلية والتي تعد إحدى العوائق, وأنه يعمل في مؤسسة "الجمهورية" قرابة 25 عاملا في مختلف الآلات الطباعة الصحفية والتجارية.

وحول الضمانات التي توفرها المؤسسة للعاملين لديها جراء الإصابات والتعرض لخطورة العمل الطباعي, شرح اليوسفي قصة أحد العاملين لديه تعرضت إحدى أصابع يديه لبتر من تحت الظفر, وتدخلهم لمعالجة الإشكالية وما أنفقته المؤسسة لمواجهتها, منوها بأن لديهم لائحة في المؤسسة مقرة من شؤون العاملين وقيادة المؤسسة, يتمنى أن تكون موجودة في "سبأ" و"الثورة", تنص على معالجة الموظف بأي قيمة وبأي تكلفة, إلى جانب صندوق للدواء.

حجر: المالية لديها سقف محدد والوزير تساهل في الموضوع
وفي رده على ذلك, أكد الوكيل المساعد لقطاع التخطيط بوزارة المالية، أحمد حجر, أن المالية لديها سقف محدد لا يمكن تجاوزه فيما يخص الاعتمادات, معترفا بالإشكاليات التي تواجهها الدولة بشكل عام فيما يخص اعتماد المشاريع, حيث يتم المبالغة في اعتماد أعدادها سنويا ضمن الموازنة العامة دون القدرة على تنفيذها وتجزئة عدد منها وغيرها, وأنه يفترض بدلا من ذلك حصر الاعتماد فقط على المشاريع المدروسة وذات الجدوى الاقتصادية.

وأضاف: "بما أن وزارة المالية تعرض الموازنة في مجلس الوزراء ويقرها, معنى ذلك أن الوزير متساهل في الموضوع, وأي وزير يستطيع أن يعترض على أي بنود وأبواب تابعة لأي مصلحة من المصالح التي تقع ضمن اختصاصه؛ ولكن للأسف معظم الوزراء يلاحظون أن معظم البنود موجودة فلا يطلعون على كافة التفاصيل, وبالتالي الوزير مسؤول عن ذلك".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.